يروي مصطفى المعتصم، واحد من السياسيين الستة الذين وجهت إليهم تهم ثقيلة في ملف خلية بلعيرج، في اعترفاته ل«المساء»، تفاصيل مثيرة ارتبطت بحياته الشخصية والدعوية والسياسية. ويعترف مصطفى المعتصم بأنه كان وراء إطلاق «العمل الإسلامي» في الثانويات والجامعات أيام كانت قلاعا يسارية، ويحكي كيف تعرف على عبد الكريم مطيع، زعيم «الشبيبة الإسلامية»، ليصبح قياديا فيها بعد هروب هذا الأخير إلى الخارج إثر اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، حيث سيقابله في السعودية ليقول له مطيع: «احذر عبد الإله بنكيران فهو عميل للنظام». ويحكي المعتصم تفاصيل ما دار بينه وبين عبد السلام ياسين وكيف تخلص منه مرشد العدل والإحسان قائلا: «أنت تصلح لحزب التحرير وليس لجماعتنا». ويقف مطولا عند علاقته بعبد القادر بلعيرج، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضايا الإرهاب، وتجربة توحيد الحركات الإسلامية، وتجربة القطب الديمقراطي مع حرزني وصلاح الوديع وآخرين سنة 2002، وتأسيسه حزب «البديل الحضاري» ثم اعتقاله بتهمة الإرهاب، وكواليس استنطاقه ومحاكمته، ثم تجربته السجنية.
- ما هو النشاط الحركي الذي انخرطت فيه بعد إطلاق سراحك في يناير 1982؟ كنت قد غادرت كلية العلوم في خريف 1980 في اتجاه المدرسة العليا للأساتذة بالتقدم. وعندما تم اعتقالي نهاية 1981 كنت في سنة التخرج. وبعد إطلاق سراحي في نهاية يناير 1982، عدت إلى المدرسة العليا للأساتذة؛ وكان لزاما علي استدراك ما فاتني من دروس وامتحانات وإنجاز بحث نهاية الدروس وإجراء تدريب عملي على التدريس في إحدى ثانويات الرباط؛ وفي يونيو 1982، تخرجت أستاذا للسلك الثاني وعينت بثانوية زينب بطنجة. - وماذا عن علاقتك بتنظيم الاختيار الإسلامي بعد الإفراج عنك؟ بعد الإفراج عني أصبحت علاقتي بالتنظيم محدودة جدا، بحيث لم تعد تتعدى العلاقة بالمكتب الوطني، وبالأخص الأخوين محمد الأمين الركالة ومحمد المرواني، حيث كنا نشكل قيادة ثلاثية. - لماذا؟ لأني كنت أعتبر نفسي ورقة محروقة أمنيا، كما أن الإخوة كانوا يعتبرونني كذلك. وهذه كانت قناعتي وقناعتهم . - ماذا تعني تحديدا ب«ورقة محروقة أمنيا»؟ أعني أني كنت معروفا لدى الأجهزة الأمنية ومراقبا، وفي العديد من الأحيان كنت أخضع للمراقبة عن قرب، خصوصا عندما كان المغرب يشهد حدثا مهما كمؤتمر القمة العربي أو مؤتمر القمة الإسلامي، وبالتالي فقد كانت علاقتي بقواعد التنظيم محدودة جدا وتحركاتي قليلة، وقلما كنت أمارس عملا تنظيميا قاعديا. كانت هذه أصول العمل السري طبعا، ولهذا السبب بقيت على هامش التنظيم الذي سيصبح كليا في يد المرواني، خصوصا بعد تعييني في طنجة وتعيين محمد الأمين الركالة في الشاون كأستاذين للتعليم الثانوي في يونيو 1982.. ولقد بلغ حجم الضغط الممارس علي أني كنت مرغما على تقديم نفسي إلى أقرب كوميسارية، سواء في الرباط حتى يونيو 1982 أو في طنجة حيث عشت بين سنتي 1982 و1984 أو في فاس حيث أقمت بين سنتي 1984 و1988، لأوقع على محضر وجودي بالمدينة التي أكون فيها، كلما حل ضيف كبير بالمغرب أو كلما كان هناك مؤتمر رسمي في بلادنا. - في يونيو 1982 سيتم تعيينك في طنجة؛ كيف أصبحت علاقتك بتنظيم الاختيار الإسلامي حينها؟ كما قلت سابقا، علاقتي بالتنظيم كانت محدودة حتى عندما كنت أوجد بالرباط، اللهم ما كان من علاقة بالإخوة في المكتب الوطني، وبالأخص محمد المرواني ومحمد الأمين الركالة. كنت قياديا في الاختيار الإسلامي، ولكني لم أكن معروفا بشكل كبير، وربما كان الإخوة في قواعد التنظيم يسمعون عني دون أن تكون لهم علاقة بي. هذه هي مقتضيات العمل السري. - في هذه المرحلة، أسستم جناحا طلابيا تحت اسم جند الإسلام.. هذا اسم من الأسماء التي تم إطلاقها على تنظيمنا الطلابي، بالإضافة إلى: الطلبة الرساليين واليسار الإسلامي والتيار الإيراني؛ ذلك أننا لم نعمم اسم «الاختيار الإسلامي» إلا سنة 1990، مما أفسح المجال لمنافسينا وخصومنا، وحتى لأصدقائنا، كي يطلقوا علينا الاسم الذي شاؤوا. وللأسف الشديد، كان المقصد من العديد من هذه الأسماء غير بريء. - كيف استمرت علاقتك بالاختيار الإسلامي بعد استقرارك في طنجة؟ حاولت أن أطور نواة التنظيم الأولى التي بناها الأمين الركالة في طنجة. أما على المستوى الوطني، فباستثناء لقاءات المكتب الوطني -كما قلت سابقا- لم أكن أقوم بأية مهام أخرى. - هل كانت تعقد اجتماعات سرية في المنازل؟ نعم، كانت تنظم لقاءات المكتب الوطني أو القيادة الثلاثية في كل عطلة مدرسية، واستثناء كلما دعت الضرورة إلى ذلك، بالمنازل. - في هذه المرحلة (بداية وأواسط الثمانينيات)، كنتم لا زلتم تعملون على «إخصاب» شروط قيام ثورة في المغرب؟ عندما أسسنا الاختيار الإسلامي في خريف 1981، أردناه أن يكون تجربة مغايرة للشبيبة الإسلامية ومنتقدة لسلوك قيادتها السياسي الذي اعتبرنا أنه قد أضر كثيرا بعلاقتنا بالجماهير وبالقوى الوطنية والحية، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان يتمتع حينها بدعم جماهيري كبير. ولم نكن أبدا نؤمن بالعمل المسلح وإلا لكنا تعاملنا مع عبد الكريم مطيع، زعيم الشبيبة الإسلامية، حينما دعا بصراحة إلى العمل المسلح في مطلع الثمانينيات عبر مجلة «المجاهد» وحينما دخل الجزائر وبعدها ليبيا وأسس نواة للكفاح المسلح (مجموعة حاكيمي). - ولكنكم، حتى في تجربة الاختيار الإسلامي، كنتم مع تغيير نظام الحسن الثاني؟ صحيح أننا كنا نتبنى خيار التغيير الجذري، ولكن من خلال الجماهير، وكان موقفنا راديكاليا من النظام السياسي القائم، وقد كانت لانتفاضة يونيو 1981، أو ثورة الكوميرا كما أسماها البصري، بالدار البيضاء وبعض المدن المغربية الأخرى، أثر كبير في دفعنا إلى الاعتقاد بفاعلية الخيار الثوري. وفي سياق دولي اتسم بالصراع الأمريكي الإيراني (أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران وفشل العملية العسكرية الأمريكية في صحراء طبس) وبالصراع الدائر في أفغانستان بين المجاهدين والاحتلال السوفياتي وبتداعيات اتفاقية كامب ديفد على القضية الفلسطينية والفصائل الفلسطينية، خصوصا في لبنان التي كانت في منتصف السبعينيات ساحة لصراع دموي ولحرب أهلية ستنتهي باحتلال العدو الصهيوني لبيروت سنة 1982؛ وفي سياق محلي مأزوم بعد شروع الدولة في سياسة اقتصادية لاشعبية نتيجة خضوعها لتوجيهات ووصفات البنك الدولي المسمومة التي نتج عنها تأزم الوضعية الاقتصادية، برزت حركية ثورية داخل المجتمع. ويمكن اعتبار الفترة الممتدة بين سنتي 1981 و1984 فترة ستحظى بأولوية التنظيمي والتربوي، فكان هاجس الوجود على مستوى مدن وأقاليم المملكة حاضرا.