إنهاء "أزمة طلبة الطب" يطرح إشكالية تعويض الأشهر الطويلة من المقاطعة    هكذا علق زياش على اشتباكات أمستردام عقب مباراة أياكس ومكابي تل أبيب    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهمامي: حزب النهضة يكرس الاستبداد في الإدارة والقضاء ويوظف السلفيين
رئيس حزب العمال التونسي للمساء : زرت المنصف المرزوقي ووجدته قلقا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس
نشر في المساء يوم 18 - 07 - 2012

حمة الهمامي، زعيم حزب العمال الشيوعي التونسي، الذي عانى الاعتقال والتعذيب في سجون تونس،
وكان الحالة الفريدة التي اعترف بورقيبة أن البوليس السياسي مارس عليها التعذيب. مع مجيء بنعلي إلى الحكم سيرفض الهمامي الميثاق الوطني، الذي وقعت عليه كل الأحزاب السياسية التونسية، بما فيهاحركة النهضة الإسلامية، فكان مصيره السجن والمراقبة اللصيقة للبوليس السياسي، حتى اللحظات الأخيرة من سقوط الديكتاتور بنعلي، حيث اختطف وزج به في أحد أقبية وزارة الداخلية وظل معتقلا إلى ما بعد فرار بنعلي إلى السعودية. التقته «المساء» في مؤتمر النهج الديمقراطي بالدار البيضاء، وكان لها معه الحوار التالي.
- قبل أسابيع حذفتم كلمة شيوعي من اسم حزبكم. ألم يكن ذلك تنكرا لأهم مكون في الهوية الإيديولوجية لحزب العمال الشيوعي التونسي؟
لا، نحن لم نغير خطنا الفكري والسياسي، ولم نغير برنامجنا، ولكننا غيرنا التسمية، بهدف تسهيل الاتصال بالجماهير الواسعة؛ فقد لاحظنا بأنه عندما يذهب رفاقنا لملاقاة الناس أثناء الانتخابات وفي كل الحملات يجدون أنفسهم يدافعون عن تسمية الشيوعية لرفع اللبس والشبهات عنها، عوض شرح البرنامج السياسي والدفاع عنه. كما لاحظنا أن الناس يقولون لنا أنتم أصحاب أحسن برنامج ولكم مصداقية وأوفياء للشعب التونسي ولثورته، لولا هذه التسمية التي تحدث خلطا في أذهان الناس مع الكفر والإلحاد ومحاربة الدين، فيما هدفنا نحن ليس توحيد الناس حول عقيدة، بل حول برنامج سياسي يسمح بتغيير الأوضاع. من ناحية أخرى أكدت التجارب بأن أسماء الأحزاب ليست هي ما يحفظ هويتها؛ فهناك أحزاب تحمل اسم الديمقراطي وهي ليست ديمقراطية، وفي العراق هناك الحزب الشيوعي، وهو يتعامل مع الاستعمار الأمريكي، كما أن هناك حزبا إسلاميا شيعيا وآخر سنيا، وهما يتعاملان مع الاستعمار أيضا.
- ما هو تصوركم لتدبير المسألة الدينية في تونس؟
القوى اليسارية الثورية في تونس لها تصور واضح للمسألة الدينية، فهدفنا ليس مقاومة الدين، بل مقاومة الفقر والاستغلال والاستبداد والفساد. أما فيما يخص الدين فنحن نعرف أن غالبية الشعب التونسي غالبية مسلمة، وبناء عليه، فإن حزب العمال التونسي هو الذي قاوم التضييق على حرية العقيدة في تونس زمن ديكتاتورية بنعلي، وليس الإسلاميين الذين كانوا يخشون مواجهة بنعلي. حزب العمال هو الذي دافع عن فتح المساجد التي كانت تغلق في تونس، وهو الذي رفض دخول البوليس إلى المساجد للمراقبة، ودافع عن المحجبات. شبابنا في اتحاد الشباب الشيوعي دافعوا عن الطالبات المحجبات، اللواتي كن يحرمن في زمن بنعلي من اجتياز الامتحانات. لكننا في نفس الوقت قاومنا المتاجرة بالدين، سواء من طرف بنعلي أو من طرف الجماعات السياسية الدينية، ونحن نعتبر بأن الجمهورية الديمقراطية العلمانية هي الوحيدة الكفيلة بضمان حرية العقيدة بكل حرية وطمأنينة، ومن ثم ضمان الوحدة الوطنية. وقد أظهر الواقع والتجربة بأن الجماعات التي تتحدث باسم الدين هي التي تمزق وحدة التونسيين، ونحن سعداء لأن الشعب التونسي بدأ يفهم ذلك.
- وصف حليفكم رؤوف العيادي، المنشق عن حزب رئيس الجمهورية، المنصف المرزوقي بأنه رئيس بدون صلاحيات. إلى أي حد هذا صحيح؟
هذا صحيح. المنصف المرزوقي صديقي، ولدينا علاقات جد متطورة على المستوى الشخصي منذ أيام النضال ضد الديكتاتورية، وهو صرح بذلك في وسائل الإعلام.
- بماذا صرح؟
قال: حمة الهمامي وراضية نصراوي (زوجته) أصدقائي وبناتهم تربوا في حجري. من الناحية السياسية، من أسباب خلافنا أن المنصف قبل رئاسة تونس بدون صلاحيات فعلية، ففي تونس كل الصلاحيات الأساسية تمت مركزتها في يد رئيس الحكومة؛ فيما تم تهميش المجلس التأسيسي. كما همشت الرئاسة لفائدة رئيس الحكومة، وهذا انحراف عن أهداف الثورة.
- هل هذا يعني أن حزب النهضة وضع المرزوقي رئيسا لتأثيث المشهد لا غير؟
بالضبط، والمرزوقي قبل ذلك. وإلا فما هي صلاحيات المرزوقي؟ صلاحياته هي أنه القائد الأعلى للجيش، يعلن السلم والحرب، ولا أعتقد بأن تونس ستخوض حربا في هذه الآونة، وهو المسؤول عن السياسة الخارجية مع الوزير، وقد رأينا في قضايا تهم السياسة الخارجية، مثل تسليم البغدادي المحمودي (رئيس وزراء القذافي سابقا) إلى ليبيا، أو في القضية السورية، كيف تم تهميش الرئيس. المشكل الأساسي في تونس هو أن السلطات الفعلية سلمت لرئيس الحكومة، فيما خضع حزب المرزوقي، المؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب التكتل الديمقراطي، لإملاءات حزب النهضة، وهو ما أدى إلى إضعافهما بشكل كبير، حيث وقعت فيهما انشقاقات. وعلى المستوى الشعبي أيضا خبت صورتهما بشكل كبير، وبالتالي ما قاله صديقي رؤوف العيادي بخصوص أن المرزوقي هو رئيس بدون صلاحيات أمر صحيح.
- قبل أسابيع زرت الرئيس المنصف المرزوقي في القصر الرئاسي. هل اشتكى لك من وضعه كرئيس بدون صلاحيات، ومن الأوضاع في تونس؟
نعم، زرته بعد أزمة البغدادي المحمودي، وقد وجدته قلقا جدا، لأنه يرى بأن الإصلاحات لم تتم لحد الآن على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، لكون الحكومة لم تتخذ إجراءات جريئة على مستوى الإصلاح الزراعي. أيضا كان مستاء من عدم تعليق المديونية لإيجاد موارد لتمويل البرامج الاجتماعية. كما وجدته قلقا من الاضطراب المؤسساتي؛ فالأمر أصبح على العلن، هذا يكذب ذاك وذاك يكذب هذا. من ناحيتي، قلت له بأن لا تقدم في هذه الأوضاع إلا بالرجوع لتكريس أهداف الثورة، وأن الاستمرار في نفس الاختيارات سيقود تونس إلى أوضاع ربما أسوأ مما كانت عليه في السابق.
- سبق أن صرحت بأنه لو دخلت القوى اليسارية متحالفة إلى انتخابات المجلس التأسيسي لحصلت على نتائج أحسن بكثير مما لديها الآن. كيف ذلك؟
أولا، بالنسبة إلى حزب العمال فإن ثلاثة مقاعد في المجلس التأسيسي لا تعكس حجمنا ولا قوتنا ومصداقيتنا، وهذا تعترف به حركة النهضة، ويعترف به الرئيس المرزوقي، فهما يعبران بأنهما فوجئا بهذا العدد القليل من المقاعد التي حصل عليها حزب العمال، فتاريخ الحزب وتأثيره والتجمعات التي قام بها أثناء الحملة الانتخابية لا تعكس المقاعد الثلاثة التي حصل عليها. بالنسبة إلى اليسار، فمعضلته أنه تقدم مشتتا، وهذه ليست مسؤولية حزب العمال الذي ظل يصر حتى آخر لحظة على أن نتقدم بقائمات موحدة، وكنا نقول لأصدقائنا في الأحزاب الأخرى إن الرهان الحقيقي ليس بيننا وبينكم، وإنما بين مشروعنا المجتمعي والمشاريع الاجتماعية الرجعية. لكن القانون الانتخابي كان يثير الطمع ويوهم بأن ترشح كل حزب على انفراد خير من الترشح الجماعي، وكانت النتيجة أن اليسار لم يحصل إلا على 5 أو 6 مقاعد، بينها 3 مقاعد لحزب العمال، في حين لو أخذت عدد الأصوات ستجد بأن اليسار كان بإمكانه أن يأتي في المرتبة الثانية ب33 أو 34 مقعدا. أكثر من هذا لو كنا موحدين لاستقطبنا أناسا آخرين من خارج المنخرطين في الأحزاب.
- هذا ما قادكم الآن إلى تشكيل جبهة لليساريين والديمقراطيين؟
نعم، نحن الآن بصدد نقاش حول تأسيس جبهة، اعتبارا بأن التشتت كان له انعكاس على اليسار وعلى المجلس التأسيسي وسمح للقوى الرجعية مثل حركة النهضة بالسيطرة على المجلس التأسيسي، وبالتالي الالتفاف على الثورة، فحركة النهضة الآن تحاول الاستيلاء على أجهزة الدولة واستخدامها لبسط نفوذها. نحن دخلنا مرحلة تأسيس جبهة سوف تشمل 9 أحزاب، بالإضافة إلى المستقلين. هذه القوى تجمع بينها الآن وحدة في قراءة الوضع السياسي ووحدة في الأرضية ووحدة في البرامج. هناك أيضا حركة وفاء المنشقة عن حزب المنصف المرزوقي، المؤتمر من أجل الجمهورية. نحن نناقش معهم، لكنهم لا يطرحون مسألة الجبهة، بل يقترحون التنسيق في قضايا لنا نظرة موحدة حولها.
- وصفت مؤخرا تسليم حكومة تونس البغدادي المحمودي إلى ليبيا بأنه عملية حزبية ضيقة تخدم طرفا سياسيا في ليبيا قبل الانتخابات، وكنت تقصد الإسلاميين. كيف ذلك؟
نعم، بالنسبة إلى البغدادي المحمودي لا يوجد أي طرف في تونس يعارض تسليمه مبدئيا. وبالنسبة إلينا كل من ارتكب جرما في حق شعبه، ينبغي أن يحاسب، هذا مبدأ. لكن تسليمه قبيل الانتخابات الليبية كان أمرا مرفوضا من طرف رئيس الجمهورية ومن طرف المنظمات الحقوقية في تونس والمنظمات الدولية، التي كانت تدافع عن الإسلاميين، ومنها منظمة العفو الدولية، وكذلك منظمات المجتمع المدني في ليبيا، حتى لا يتم استعماله كورقة انتخابية. الدافع الثاني لرفض تسليمه في هذه الفترة هو عدم وجود ضمانات في ليبيا لعدم إعدامه، وهذا كاف وحده من حيث المعاهدات الدولية لكي لا يسلم. أضف إلى ذلك أن لجنة الأمم المتحدة المختصة في اللجوء السياسي طلبت من تونس ألا تسلمه، لكنه سلم حتى دون إعلام الرئيس المنصف المرزوقي، إذ سلم في ساعات الفجر الأولى، وما جعلنا نشك في أن الأمر صفقة هو الأخبار التي راجت عن لقاء بين قياديين في النهضة ومسؤولين ليبيين تم الاتفاق خلالها على تسليم البغدادي المحمودي بمقابل. وقد تساءل العديدون عن الداعي من عدم انتظار مرور الانتخابات في ليبيا قبل القيام بتسليم البغدادي.
- تم تسليمه دون إعلام رئيس الجمهورية؟
نعم، لأن رئيس الحكومة حمادي الجبالي كان يعلم بأن المرزوقي ضد تسليم البغدادي المحمودي في هذه الفترة، وبالتالي سلمه حتى لا يعترض الرئيس علانية. وقال رئيس الحكومة عندما سئل في موضوع عدم إخبار الرئيس: «لقد وجهنا رسالة لإعلامه». رغم أن رئيس الحكومة كان عشية تسليم البغدادي المحمودي إلى جانب المرزوقي في اليوم الوطني للجيش ولم يخبره. وعندما سئل رئيس الحكومة: لماذا لم تهاتف الرئيس قبل تسليم البغدادي المحمودي؟ أجاب بأن المرزوقي كان موجودا في الصحراء ولا توجد هناك شبكة اتصالات. هذه مهزلة، إذ كيف يعقل أن رئيس دولة بيده إعلان الحرب والسلم لا يتم إعلامه بمجرد تسليم شخص إلى دولة أجنبية.
- على أي أساس انتقدت مؤخرا المبادرة التونسية لفتح الحدود مع الدول الجارة؟
نحن نعرف بأنه لم تكن هناك حدود في السابق بيننا نحن المغاربيين، وأنا أقول دائما إن ابن خلدون كان يتحرك دونما حاجة إلى جواز سفر، لكن في المرحلة التي نعيشها، وبالنظر إلى وجود دول وطنية، فأي خطوة من هذا القبيل يجب أن يتم التشاور فيها، ولا ينبغي لأي نظام من الأنظمة أن يتخذ إجراء أحاديا، والدليل على ذلك أن الجزائر قالت إنها لم تكن على علم بفتح الحدود التونسية معها. وأضافت بأنها ستطلب من وزارة الخارجية التونسية وضع حد لهذا الانفلات الديبلوماسي. لقد كانت هذه خطوة إرادوية، ربما للتغطية على الأوضاع الداخلية في تونس لأن هناك لخبطة كبيرة على مستوى السياسة الخارجية في تونس، من قبيل طرد السفير السوري دون أي نقاش في المجلس التأسيسي، الذي لم يناقش أيضا خطوة فتح الحدود هذه، ولا ناقش تسليم البغدادي المحمودي. السياسة الخارجية برمتها لا تناقش داخل المجلس الوطني التأسيسي. والحقيقة أن كل الأشياء المصيرية لا تناقش داخل هذا المجلس.
- من هنا دعوت إلى الوقوف ضد تكريس استبداد جديد في تونس. لكن أين تكمن ملامح هذا الاستبداد؟
من الناحية القانونية، الدستور الصغير، أو القانون المؤقت لتنظيم السلط، أعطى صلاحيات فعلية لرئيس الحكومة، وهذا خطأ أول؛ لأننا قاومنا بنعلي نظرا لأن كل السلط كانت بيده. الجانب الثاني أننا بدأنا نعود من جديد إلى الخلط بين الحزب والدولة، وهو ما كان قائما في السابق. هذا الخلط بدأ يظهر جليا في التعيينات. فحركة النهضة تعيّن المسؤولين من صفوفها وليس حتى من حزب المرزوقي وحزب التكتل الديمقراطي حليفيها في الحكم، اللذين يفاجآن بمثل هذه التعيينات. الجانب الثالث والخطير هو ظهور ميليشيات حزبية من حركة النهضة في الشارع لتعويض مؤسسات الدولة، وهذا برز تحديدا أثناء أحداث 9 أبريل في تونس؛ فلما خرجنا لاستعادة شارع الحبيب بورقيبة، وجدنا ميليشيات تعتدي على المتظاهرين والإعلاميين وتفك الاعتصامات، وهذا مسجل بالصوت والصورة. الاستبداد ستعكسه أيضا تهديدات راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، الذي ليست له أي مسؤولية في الدولة، بخوصصة الإعلام العمومي، لمجرد أن وسائل الإعلام العمومية تحاول ألا تكون منحازة إلى حركته ولا إلى باقي الأحزاب. الاستبداد الجديد يظهر كذلك في القضاء، إذ ما زال وزير العدل يتدخل لإعفاء القضاة كما كان الأمر في عهد بنعلي. أما على مستوى الإدارة، فتوجد في تونس 25 ولاية، وقد تم تعيين 22 واليا من حركة النهضة. الاستبداد أيضا يظهر من خلال توظيف الحركة السلفية؛ إذ كلما وقعت حركة النهضة في مأزق ظهر السلفيون في الشارع ليكفروا ويهددوا ويحرقوا.
- على هذا الحال، ألم يكن نظام بنعلي، على الأقل، يضمن الأمن للتونسيين، ويدرأ عنهم تهديدات الجماعات الدينية العنيفة؟
لا، نظام بنعلي لم يكن يحمي الشعب التونسي من السلفيين، بل إن تيارات داخل السلفية ترعرعت في حضن نظام بنعلي. بعد الثورة، وإلى حدود انتخابات المجلس التأسيسي، كان العنف المفتعل في كل مرة يأخذ شكلا من الأشكال؛ مرة يأخذ شكل إثارة صراعات قبلية أو جهوية أو عائلية أو افتعال أعمال عنف ضد تجار وأصحاب حوانيت. وكان الغرض من هذه الأعمال، التي بدأت يوم 15 يناير، أي يوما واحدا بعد سقوط بنعلي، هو ترويع التونسيين وتخويفهم وجعلهم يتحسرون على النظام البائد، وقد كان يُتهم بهذا العنف حزب العمل وغيره من أحزاب اليسار والنقابات، بينما الذين كانوا يقومون بهذه الأعمال هم أوساط المال المتعفنة ومافيا التجارة الموازية، التي كانت مرتبطة بنظام نظام بنعلي، وفلول الحزب الحاكم سابقا. بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 اتخذ العنف طابعا عقديا وأصبح الطرف الأساسي في هذا العنف هو التيار السلفي الجهادي.
- سبق لك أن اتهمت السلفيين ب«تبييض» مجرمي الحق العام وإيواء تجار الخمور. ما دليلك على ذلك؟
ما قلته أنا أكده وزير الداخلية مؤخرا؛ فالذي أحرق إحدى المحاكم في تونس العاصمة مؤخرا، هو صاحب لحية طويلة له 13 قضية في بيعه الخمر بشكل غير قانوني.
- وما تعليقك على الاستطلاع الذي أجراه قبل أسابيع المجمع العالمي لاستطلاعات الرأي، والذي أظهرك في مرتبة متقدمة على راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة؟
هذا مرتبط بالعمل الكبير الذي يقوم به حزب العمال، لأن التونسيين يكتشفون يوما بعد يوم أن الحزب الذي يدافع عن مصالحهم هو حزب العمال. كما يكتشفون أن حزب النهضة وعدد من الأحزاب الأخرى تقول الشيء وتفعل عكسه. والتجارب تعلم الشعوب من هم أصدقاؤها الحقيقيون ومن هم الانتهازيون. استطلاعات الرأي، بالرغم من أنها تبقى نسبية ولا يمكن الاعتماد عليها كليا، مؤشر له أهميته؛ وفعلا هناك الآن في تونس التفاف متزايد حول حزب العمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.