إن تحقيق المدرسة المواطنة، بمفهومها الشمولي، يستوجب تأهيل الأدوار التربوية والتعليمية للمدرسة المغربية وتطوير وظائفها المجالية التنموية والمدنية من أجل توسيع الشراكة بينها وبين الفاعلين المحليين للنهوض بمقومات المواطنة والسلوك المدني وإعلاء ثقافة الديمقراطية في الحياة المدرسية ومحيطها الاجتماعي. ولن يتحقق ذلك إلا ببناء مشاريع برامج تسعى إلى المساهمة فعليا في بلوغ عدة أهداف، أهمها توسيع وتطوير علاقات التعاون والتنسيق والشراكة الفاعلة والمندمجة بين المدرسة والمجالس المنتخبة وهيئات المجتمع المدني ومؤسسات التأطير والتنشيط الاجتماعي والثقافي والرياضي المحلية، تقوية القدرات المؤسساتية وتأهيل الموارد البشرية للمؤسسات التعليمية في مجال التربية على المواطنة وترسيخ وتنمية السلوك المدني، إيلاء الاهتمام لكفاءات وقدرات جمعيات الآباء وأمهات التلاميذ سعيا إلى تنمية التمدرس وتفعيل الوظائف الاجتماعية والتربوية للمدرسة، ثم أخيرا العمل على توسيع وتعزيز المشاركة المواطنة لفئة التلاميذ في تدبير وتنشيط الحياة المدرسية من أجل هدف مركزي يحقق تطوير وتوسيع تفاعل المؤسسات التعليمية مع المحيط الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والإعلامي لتقوية احتضان كل الفاعلين وانخراطهم الإيجابي في جودة الخدمات التربوية للمدرسة العمومية. إن السعي الحثيث إلى تحقيق هذه الأهداف يجد أهميته في المؤشرات التربوية التي يتحدث عنها الجميع وتشكل في مجموعها خارطة طريق للإلحاح على مبدأ التحالف المدني. وهذه المؤشرات محددة في تدني نسب التمدرس والنجاح والهدر المدرسي ومستوى الجودة المطلوبة، بالإضافة إلى محددات ضعف المشاركة المدنية في المشهد المدرسي وانحسار النقاش العمومي حول المدرسة وتراجع ملحوظ في انخراط مكونات المجتمع المدني داخل هذا النقاش، مع وجود نفور غير مبرر لدى جمعيات الآباء عن المساهمة وأداء دور في تنشيط هذا النقاش، دون الحديث عن مؤشرات ضعف التعبئة والانخراط الإيجابي في مشاريع المخطط الاستعجالي وبروز طابع الانتقائية فيه للأسف. وإن قراءة متأنية للتشخيص السابق وفرز السلبيات وتحديد المؤشرات كفيل بتحديد دوافع تبني مشروع التحالف المدني في ثلاثة مفاصل أساسية تتحدد في: - تحفيز الجمعيات على توسيع الدعم والمساندة للمدرسة؛ - تعبئة القيادات التربوية للمدرسة على الانفتاح على المحيط؛ - تمكين جمعيات الآباء من المشاركة الواسعة والانخراط الفاعل. وإذا ما حصل الاقتناع لدى كل المجموعات المعنية بإحداث هذا الأفق المرغوب، فإن الغرض الأسمى يبقى محددا في مصاحبة جمعيات الآباء في مسلسل تقوية القدرات وتعبئة الفاعلين من أجل تأهيل ورفع درجة المشاركة، وبالتالي الجرأة على فتح نقاش عمومي يسمح بتحقق شراكة حقيقية ترتكز في إقدار الأسر عبر جمعياتها على المساهمة في مسلسل تقوية الديمقراطية والتربية المواطنة. إن بادرة منتدى المواطنة المتمثلة في إنجاز وتتبع مشروع التحالف المدني، بتعاون مع مؤسسة سند وشراكة مع وزارة التربية الوطنية عبر نيابات الأكاديميات بكل من تمارةالصخيرات والرباط والقنيطرة والخميسات، تشكل ضمانا لدعوة المجتمع المدني وجمعيات الآباء والأمهات ومجالس التدبير إلى تحقيق التعاون والتكامل، وتحسين جودة التربية وفق مقاربة مجالية عبر آليات دورة مشروع المؤسسة أو المشروع الرديف لها لجمعية الآباء، من جهة، وآليات الشراكة والتشبيك والمرافعة من أجل الوصول إلى مجلس حلفاء المدرسة (المجتمع المدني + جمعيات الآباء + الفاعلين المحليين)، من جهة أخرى. إن الانخراط الجدي في التتبع والمواكبة وتقوية الجسور بين الأسر والجمعيات والإدارة التربوية، وبالتالي تحقيق تلك المصالحة المفقودة بين المكونات التربوية الثلاثة (الإدارة، الأسر، هيئة التدريس) من خلال تكثيف الجهود لتحديد الأولويات وحسن الإنصات للآخر والتواصل الجاد معه، لن يتحقق سوى بفهم وتأمل المنطلقات والمرجعيات المسهلة لذلك، مثل أدبيات الميثاق الوطني والأدوار الجديدة لجمعيات الآباء، وكذا النصوص التشريعية والتنظيمية (مرسوم النظام الأساسي للمؤسسات التعليمية 2002) والمذكرة رقم 3 الصادرة بتاريخ 4 يناير 2006، دون إغفال حيثيات المشروع 2 من المجال 4 والمشروع 12 من المجال الأول. وباستيعاب تلك الأهداف والغايات والانطلاق من تلك المرجعيات سيكون المسعى، دون شك، هو بلورة تصور متوافق بشأنه حول المصاحبة الميدانية وتحديد خطة عمل واضحة بين الفرقاء لكسب رهان التحديات المطروحة، وهي تفعيل أدوار الجمعيات وتفعيل ميثاق العلاقة بين الجمعيات والمؤسسات التعليمية، وبالتالي تفعيل مجالس التدبير. وسيكون من المفيد إثارة الانتباه هنا إلى أن هذه الخطة تهدف في العمق إلى تقوية قدرات الأفراد على التحفيز والتوحيد والإشراك من خلال تبني آليات (المرافعة والوساطة والتواصل) لتحقيق التنمية الذاتية في بعدها العام (تنمية الكفايات، تحسين الأداء والإنجازات، مصاحبة التغيير المنشود). وتجدر الإشارة إلى أن تبني مقاربة التحالف المدني الموسع لتحقيق هدف جودة الخدمات التربوية للمدرسة العمومية يسعى، في الأخير، إلى تنمية الكفايات نظير تحسين أساليب التدبير وتنمية القيادة وتحسين الحكامة وضمان انسجام الفريق وتحفيزه وبناء علاقات الحوار وأسس الثقة والالتفاف الجماعي لبناء المشروع وإنجازه، ثم تتبعه وتقويمه. إن كل ذلك يدفعنا إلى التأكيد على أن مثل هذه المشاريع والأهداف موجهة، لا محالة، إلى صناعة المستقبل وترسيخ سيرورة التغيير وتنمية وتملك أدوات التدبير الفعال والناجع. إن الاعتماد على تشجيع العمل التشاركي وخلق تحالفات استراتيجية بناء على أرضيات وبرامج ومبادئ متوافق بشأنها يسهل، لا محالة، الإمساك بأساليب اتخاذ القرار والقدرة على ربح رهان مساهمة الجميع في بناء مغرب الغد، خاصة مع تنامي مبادرات مشاركة الشباب والجمعيات وحضور الطلب المتزايد على تعبئة الفاعلين بمختلف درجاتهم ولوضع كل المبادرات في مسار نسقي استراتيجي لتمكين الإعداد التشاركي وتمكين المشاركة الديمقراطية في بعدها التنموي في أفق مأسسة حوار وطني جاد لتعبئة الإمكانيات المتاحة وتجاوز المعيقات والإحباطات لتحقيق مداخل ومقتضيات الأجرأة التدبيرية قصد الوصول إلى الهدف المشترك أمام الأصوات المشبعة بالأمل والمستقبل والأصوات المشبعة بالإكراهات والصعوبات، وذلك ما يبين الحاجة الملحقة إلى توحيد الرؤية المشتركة القائمة، لا محالة، على أهمية تفعيل التواصل والحوار ومأسسة النقاش العمومي المحلي والوطني ودعم المرافعة الجادة حول أدوار ووظائف المدرسة العمومية، مع استحضار رسملة التجارب وتوثيقها والربط الجدلي بين قضايا التربية وقضايا التنمية واستنهاض العملاق النائم فينا جميعا بتقاسم التجارب الناجحة والإمساك بتباشير الأمل الوضاءة من بعيد لإعادة الاعتبار إلى المؤسسة التعليمية العمومية واستشراف إمكانيات التحول والتغيير وتجديد الثقة المشتركة بين الجميع عن طريق تبنٍّ ذكيٍّ لنسقية واندماج ثقافة الإنجاز وتقدير الذات وتحسين العيش المشترك، وذلك بإيماننا القوي بأن مختلف الفاعلين المفترضين في هذا التحالف المدني المنشود يشكلون قوة منتجة لثروات معنوية ومادية ولديهم قدرة على الإبداع والتوقع والمطالبة والاقتراح والمصاحبة والتعبئة والتحسيس للنهوض بالقيم الإنسانية التي نتحدث عنها كثيرا مثل المواطنة والديمقراطية والتسامح والمسؤولية، وذلك لتميز الفاعلين أيضا بالقدرة على التقاط الأسئلة والتمييز بين ما هو رئيسي وثانوي وإمكانية لعب أدوار التعبير عن الآمال وإمكانية تحقيق التحولات والتغييرات. مؤطر منتدى المواطنة