شكل المنتدى الحواري، الذي انعقد بين 3 و6 نونبر 2008، مناسبة مهمة لتعميق الحوار في ما بين الحضارتين المسيحية والإسلامية على خلفية الحساسيات التي باتت تسم، اليوم، العلاقات بين المنتمين إلى هذه الديانة أو تلك. لكن إذا كان الموضوع أكبر من أن يُناقش في ثلاثة أيام، فإن اللقاء كانت له رمزيته الكبيرة، خاصة أنه جمع شخصيات هامة من عالم الفكر الديني والحضاري في العالمين المسيحي والإسلامي. ومن بين القضايا التي غذت النقاشات، التي دارت في جلسات مغلقة، وضع الأقليات المسيحية في البلدان الإسلامية التي باتت تثير القلق في الفاتيكان والآراء التي عبر عنها البابا بنديكس السادس عشر تجاه الإسلام في خطابه براتسبون في شهر شتنبر 2006، الذي ربط فيه بين الإسلام والعنف ونعت فيه الإسلام بالدين اللاعقلاني؛ وهو الخطاب الذي رد عليه علماء مسلمون برسالة سُميت بال«رسالة 138» والتي كانت عبارة عن نداء موجه إلى البابا وإلى جميع المسؤولين المسيحيين دعت إلى «التوحد حول كلمة واحدة مبنية على حب الله وحب الآخر» وكانت وراء انعقاد لقاء روما. ورغم الرغبة في الحوار التي تحذو هذا الطرف وذاك، هنالك توترات أخرى تحدث بين الفينة والأخرى تعيد العلاقة بين المسلمين والمسيحيين إلى الوراء وتزيد من تعمق الهوة بينهم على خلفية تشبث كل طرف من الطرفين بقيمه الدينية؛ ومن الأمثلة على ذلك إشراف البابا على تعميد شخص ترك الإسلام ليعتنق المسيحية خلال شهر مارس الأخير وما قاله أمام قساوسة فرنسا خلال زيارته لهذا البلد، إذ خطب فيهم بقوله: «إن الهدف من الحوار (ما بين الديانات) هو البحث عن الحقيقة. والمسيح نفسه حقيقة. ومن الصواب البدء بالإنصات قبل الانتقال إلى النقاش الثيولوجي للتوصل، أخيرا، إلى الجهر بحقيقة الإيمان». وهو ما اعتبره بعض المسلمين تشجيعا من البابا على ترك المسلمين لدينهم ومعانقة المسيحية، بينما ذهب المسيحيون إلى اعتبار المسألة عادية وأن ما قاله البابا لا يعني إلا المسيحية والمسيحيين. مثل هذه الاختلافات في الرأي والتناقضات في التبرير هي التي تجعل من موضوع الحوار الحضاري الديني موضوعا معقدا، وهو التعقد الذي أرخى ظلاله، حسب مصادر صحافية مطلعة، على جانب من الجلسات بين المشاركين. في هذا السياق، ذكرت بعض المصادر أن جلسات اليوم الأول، التي خُصصت لمناقشة موضوع الثيولوجيا، شهدت صداما بين شخصية مسيحية وأخرى إسلامية بعدما تدخلت الأولى لتقول إن بني الإنسان، حسب الكنيسة، لا يمكنهم أن يقتربوا من الله إلا عن طريق المسيح؛ وهو الكلام الذي رد عليه العالم الإسلامي سيد حسين نصر بالقول إن هذا الرأي يلغي غير المسيحيين من محبة الله. إلا أن النقاشات عادت إلى الهدوء وتتابعت في جو من الاحترام والود المتبادل، وهو ما عبر عنه أحد المشاركين المسلمين بما يعني أن المسلمين والمسيحيين في حاجة إلى تبادل الحوار ليعرف بعهضهم البعض أكثر. وكان المجتمعون على موعد، في اليوم الثاني من اللقاء، مع موضوع الاحترام المتبادل، بما في ذلك حرية واحترام الأقليات المسيحية التي تعيش فوق أرض الإسلام، وهو موضوع يوليه الفاتيكان أهمية كبيرة. وفي اليوم الثالث، استقبل البابا المشاركين قبل أن يعود الجميع، خلال الظهيرة، إلى استئناف النقاش في جلسة علنية سعى فيها المشاركون المسلمون إلى العمل على تجاوز حالة الجهل المتبادل بين الطرفين. وفي حوار له مع يومية «لاكروا»، ثمن رئيس الوفد المسيحي مونسينيور جون لوي توران، المكلف داخل الفاتيكان بالحوار الديني البيني، هذا اللقاء وقال إنه يشكل فصلا جديدا في تاريخ الديانتين الذي غالبا ما تميز بالتوتر. من جهته، قال طارق رمضان، الذي كان من بين المشاركين في اللقاء، في مقابلة صحفية مع ال«غارديان» البريطانية، إن هذا الحوار يُعد «أكثر حيوية وإلحاحا من خلافاتنا حول عدد المؤمنين واعتقاداتنا المتناقضة حول الدعوة ومن تنافسنا العقيم حول امتلاك الحقيقة المطلقة». وفي كلمته أمام المشاركين، عبر البابا عن تطلعه إلى «احترام الحرية الدينية للجميع وفي كل مكان»، ودعا إلى احترام الحقوق الأساسية في إطار حرية الضمير والحرية الدينية الشخصية، مؤكدا أن التصور المختلف بين المسلمين والمسيحيين حول الله ينبغي ألا يحول دون تبادل الاحترام. في السياق نفسه، حذر سيد حسين نصر من مغبة السقوط في تيار«التبشير العدواني الذي يؤدي إلى هدم الإيمان باسم الحرية»، بينما ذكر مفتي البوسنة مصطفى تسيرتيش، رئيس الوفد الإسلامي، بالإبادة العرقية التي تعرض لها البوسنيون خلال حرب يوغوسلافيا. وفي ختام جلسات هذا الحوار المسيحي الإسلامي، اتفق الوفدان على إعلان مشترك يدعو إلى احترام الشخص واختياراته المتعلقة بضميره ووعيه الديني ويدافع عن حق الأشخاص والجماعات في ممارسة شعائرهم الدينية، سواء بشكل شخصي أو عمومي؛ وقد كانت هذه النقطة من أكثر النقط حدة في النقاش. كما أدان الإعلان النهائي «القمع والعنف والإرهاب، خاصة منه ذلك الذي يُرتكب باسم الدين». وتفاءل رئيس الوفد الإسلامي خيرا بفوز أوباما برئاسة الولاياتالمتحدة عندما قال إن هذا الفوز لا يمكنه إلا أن يشجع على «تفاهم أفضل بين المسلمين والمسيحيين». واتفق المشاركون على أن يُعقد مثل هذا اللقاء في غضون سنتين في بلد إسلامي.