فجر تقرير اللجنة المكلفة بالمهمة الاستطلاعية المؤقتة إلى السجن المركزي عكاشة بالدار البيضاء قنبلة من العيار الثقيل في وجه حفيظ بنهاشم، المندوب السامي للسجون، بعد أن كشف عن «تورط» مسؤول كبير في المندوبية ومدير السجن ومرؤوسيه في شبكة لترويج المخدرات وبيع السجائر والتلفون. فيما كشفت مصادر اللجنة النيابية أن الشبكة تمارس نشاطها بتوجيه من مدير بالإدارة المركزية وحمايته مقابل تقاضي حصة أسبوعية. وذكر التقرير، الذي تم تقديمه صباح أمس الثلاثاء في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، أن حراس سجن عكاشة يتولون عملية بيع وتحصيل المبالغ المتحصل عليها من بيع ما بين 3000 و5000 علبة للسجائر بسعر يتراوح ما بين 50 و70 درهما حسب الأوقات، وهي سجائر من النوع الرديء يتم جلبها من التهريب، مشيرا إلى أن تلك المبالغ يتم تسليمها لمدير المؤسسة، فيما تسلم حصيلة المبيعات خلال الليل لمدير المعقل. ويتم ترويج المخدرات على نطاق واسع بمساعدة إدارة السجن، ويخصص الجناح رقم 7 لمستهلكيها، ويتم جمع المبالغ المتحصل منها من قبل حراس السجن، الذين يسلمونها إلى مدير المؤسسة. التقرير، الذي أنجز بناء على الزيارة التي قام بها أعضاء اللجنة إلى سجن عكاشة يوم 24 ماي الفائت، اتهم الشبكة كذلك بالمتاجرة في استعمال التلفون عن طريق تقاضي مقابل مالي من السجناء، ويخصص لهذه الغاية ما يقارب من ألف جهاز للتلفون، فيما يتم بيع تعبئة 10 دراهم ب30 درهما، وتعبئة 20 درهما ب 50 درهما بمعدل 4 ساعات في اليوم لكل جهاز تلفون. إلى ذلك، وجد بنهاشم نفسه في موقف حرج، وهو يستمع إلى الاتهامات الموجهة إلى مسؤولين من مندوبيته بقيادة شبكة ترويج المخدرات والسجائر والتلفون. ولم يجد بنهاشم من الكلمات للدفاع عن مرؤوسيه غير القول: «لا أشكك فيما جاء في التقرير، لكن ما أسجله على التقرير أنه مبني على أقوال السجناء فقط، وأنتم تعلمون أنهم في كل الدول يشتكون، في حين لم تعط الفرصة إلى طرف آخر هو الإطار العامل في السجن. وحتى يكون التقرير كاملا أطلب الاستماع إلى ذلك الطرف»، قبل أن يتابع «هناك اتهامات خطيرة لأشخاص غير حاضرين معنا، أفضل أن يتم الاستماع إليهم، لأن تلك الاتهامات هي مس بكرامتهم ومسؤوليتهم». وفي الوقت الذي تقرر تأجيل نقاش التقرير، الذي وصف ب»الصادم» إلى يوم الأربعاء القادم، بناء على إجماع كل الفرق من أجل تدارسه ومنح الفرصة للمندوب السامي للرد على ما جاء فيه، كشف مصدر من اللجنة أن الجلسة القادمة ستعرف الاستماع إلى رواية المسؤولين الذين وردت أسماؤهم في التقرير، بناء على الطلب الذي تقدم به بنهاشم، متوقعا أن يطيح التقرير بعدد من الرؤوس في المندوبية السامية. تقرير اللجنة ذهب بعيدا حين كشف عن اختلالات مرتبطة بالحكامة، تمثلت في خضوع تعيين مديري المؤسسات السجنية وكذا المديرين الجهويين لمعايير المحسوبية والزبونية والالتزام بأداء إتاوات أسبوعية أو شهرية لفائدة أحد المديرين بالإدارة المركزية، الذي يتمتع، حسب المعلومات المتطابقة التي حصل عليها أعضاء اللجنة، بنفوذ قوي يتمكن بواسطته من تسخير عدد من مديري المؤسسات ومديري المعاقل، بما في ذلك سجنا عكاشة وطنجة. من جهة أخرى، كشف التقرير عن حقائق صادمة بخصوص أوضاع السجناء في سجن عكاشة، كان من أبرزها تنامي الممارسات الشاذة داخل السجن. إذ كشف قيام بعض أعضاء اللجنة بزيارة إلى الجناح رقم 6 المخصص لفئة المثليين، وخاصة الزنزانة رقم 14، أن عددا من قاطنيها تظهر عليهم جليا علامات التحول وحركات التأنيث ووضع المساحيق كأنهم يقومون بأدوار تنكرية. «إنها عملة و»قانون» الانتماء إلى فئة من السجناء ممتهني الجنس»، يؤكد التقرير، معتبرا أن الاكتظاظ أكبر مساهم في مس كرامة السجناء. ورغم أن ظروف سجن النساء تبدو أفضل مقارنة بمعاناة الذكور، فإن التقرير سجل انتشار بعض الممارسات الشاذة بينهن. إذ كشفت معلومات استقاها أعضاء اللجنة من إفادات معتقلتين، عن تعرض إحداهما بمجرد دخولها الزنزانة أول مرة لممارسة السحاق عليها من طرف إحدى النزيلات المحكومات بمدة طويلة، واللاتي تتحكمن في توزيع المؤونة وضبط إيقاع الحياة داخل الزنزانة. في سياق آخر، أماط التقرير اللثام عن أوضاع مزرية فيما يخص التغذية في ظل عدم توفر شروط الجودة المطلوبة، وتوزيعها في أوقات جد متأخرة، ومد السجناء بخبز من النوع الرديء وغير الصالح للأكل. ووفق تقديرات الإدارة، لا تتعدى التكلفة المادية لكل سجين 10 دراهم في اليوم. كما سجل التقرير غلبة الطابع الأمني والزجري، وعدم ضمان الحق في السلامة الجسدية أمام المقاربة التأديبية والتعامل بالقسوة والشدة واستعمال التعذيب في حال ارتكاب أي مخالفة. وهذا الأسلوب هو الطاغي في سجن عكاشة، وفق التقرير البرلماني. وبينما اعتبر التقرير أن تحويل المندوبية العامة للسجون إلى مديرية تابعة إلى الوزارة الأولى وفصلها عن وزارة العدل، يوضح توجهها الزجري، وهذا ما أكده بعض السجناء بوجود انتهاكات في حق السجناء تتعلق بالتعذيب الجسدي (الفلقة والضرب بأنبوب مطاطي) والنفسي ومخاطبتهم بألفاظ مهينة وبذيئة واستعمال الابتزاز والتحرش الجنسي، طالب التقرير بفتح تحقيق في حالات الوفيات المشبوهة وادعاءات التعذيب وانتهاك الحقوق داخل المؤسسة السجنية، وباتخاذ التدابير اللازمة لافتحاص التدبير الإداري والمالي للمندوبية.