سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجامعي: بعض الجرائد تجرؤ على انتقاد الملك لكنها لا تقوى على انتقاد أحيزون قال إن الدولة أظهرت «لوجورنال» كمسيئة إلى الدين لأن صحافييها تصدوا بشراسة للسلطة المالية والاقتصادية
بوبكر الجامعي، صحافي شاب جاء إلى مهنة الصحافة من عالم المال في مرحلة حساسة جدا طبعها انتقال الحكم من الحسن الثاني إلى ابنه محمد السادس. يكشف الجامعي، الذي كان صوتا مزعجا لرجال السياسة ورجال الدولة على حد سواء، كيف أسس بنك «أوبلاين» وهو ابن 25 سنة، قبل أن يتركه ليتبع حرفة أبيه ويؤسس أسبوعية «لوجورنال» التي منعها الزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي مرتين، بعدما نشرت حوارا مع رئيس «البوليساريو» ورسالة للفقيه البصري أظهرت اليوسفي ك«انقلابي متآمر»، ليرد على مؤسسيها قائلا: «قطعت أرجلهم لكي لا يمشوا أبعد مما قاموا به». فوق كرسي «المساء»، يفتح الجامعي علبة أسرار أسبوعيته وعلاقتها بالأمير مولاي هشام وهشام المنظري وفؤاد عالي الهمة وأزولاي وإدريس البصري وحميدو لعنيكري وسميرة سيطايل وآخرين، كما يكشف خفايا مثيرة حول ملفات أقامت الدنيا وشغلت الناس ووضعت صناع القرار في حرج حقيقي، مما اضطرهم بعدها إلى إشهار الورقة الحمراء في وجه هذه الأسبوعية المثيرة للجدل. - يعاب على كتاباتك الصحفية، وافتتاحياتك بالخصوص، تميزها بصعوبة وتعقد لغتها؟ ليست هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها مثل هذه الملاحظة، وإذا كان ذلك صحيحا فإنني أعتبره إخفاقا، ويؤسفني أن يذكرني الناس بهذا، لذلك أعتذر لأنني لا أعتبر ذلك مفخرة. أنا أعتبر أن الكاتب الصحافي الجيد هو الذي ينقل أفكارا صعبة بلغة سهلة. وقد كنت أحرص دائما على ألا تكون الأفكار التي أكتبها مسطحة، وذلك احتراما للقارئ. لقد لعبت الثقافة الأنجلوسكسونية دورا كبيرا في ما أكتبه، لأن هناك «مرضا» فرنسيا انتقل إلى العديد من الكتاب باللغة العربية وهو التعقيد. أنا عندما درست في إنجلترا ودأبت على القراءة بالإنجليزية، قرأت كتبا صعبة لكنها مكتوبة بلغة بسيطة، أما في الفرنسية فما زلت أجد، إلى الآن، صعوبة في قراءة بعض الكتب، من فرط تعقيدها. لذلك أعود إلى القول بأن من معايير الجودة في الصحافة التبسيط، لأن مهمة الصحافي هي التواصل. أنا أكتب ليس لكي يقول لي أحدهم إني أكتب بفرنسية راقية بل ليقول لي القارئ إنني أقنعته بأفكاري التي استطعت إيصالها إليه. - ما هي العلامات المضيئة والإيجابية التي استطعت تحقيقها خلال مسارك الصحافي؟ أفتخر بأنه لم يحدث إطلاقا في تجربة «لوجورنال» أننا تحالفنا مع القوي ضد الضعيف، وربما كنا مبالغين في هذه القضية، لأن هاجسنا الأول كان هو الانحياز إلى الضعفاء والمظلومين ومهضومي الحقوق، ومن لا سلطة لهم. من جهة أخرى، فأقوى سلاح صحافي استعملناه في «لوجورنال» ليس هو المواقف التي اتخذناها ولا حتى التحقيقات الاستقصائية التي كنا ننجزها، وإنما هو خلق فضاء ذي مصداقية كافية لتتحاور فيه أفكار متعددة ومختلفة ومتناقضة؛ وقد سعينا إلى تحقيق هذا الأمر لدحض الفكرة التي تقوم عليها السلطوية والكامنة في أن مكونات المجتمع المختلفة لا يمكن أن تدبر خلافاتها عن طريق الحوار مع بعضها البعض، بل لا بد لها من وجود سلطة عليا تقرر ولا تُساءل. من جهة أخرى، يروق لي، كلما استحضرت تجربة «لوجورنال»، أن أردد الدعاء المأثور لدى المغاربة: «الله يلاقينا مع اللي احْسن منا»؛ وأعترف بأن تجربة «لوجورنال» سمحت لي، شخصيا، بالالتقاء بأناس لم يكن لي أن ألتقي بهم في أي مجال آخر. ما أتمناه هو أن يذكر القراء أننا في «لوجورنال» قد حاولنا، وحاولنا بصدق، هل نجحنا..؟ وعندما أتحدث عن تجربة «لوجورنال» لا يمكن أن أنكر اعتزازي بمجموعة من الناس الذين التقيت بهم خلال تجربة «الصحيفة»، فوضعوا أيديهم في يدي دون أي ضمانات، أذكر منهم: عبد الرحيم تافنوت، صاحب فكرة تأسيس الصحيفة، ومحمد حفيظ وأحمد البوز وعمر لبشيريت، وآخرين عديدين لا يتسع المجال لذكر أسمائهم. - ما هو الشيء الذي تتحسر على عدم إنجازه خلال مسار «لوجورنال»؟ في الحقيقة، قمنا بكل ما أردنا القيام به. نعم، تعرضنا للعديد من المحن مقابل الحرية التي سمحنا لأنفسنا بممارستها. ومقابل اعتراف القراء بمجهودنا وصدقنا، كانت هناك عملية تشويش وتضييق ممنهجة أرادت الدولة أن تظهرنا من خلالها بمظهر المسيئين إلى الدولة والدين؛ ونحن نفهم ذلك لأننا لم نتصد للسلطة السياسية بل تصدينا بنفس الشراسة للسلطة المالية والاقتصادية، لأنه مع تجربة حكومة اليوسفي كانت هناك صحف تتعاطى بشراسة مع السياسيين، ولكن نادرا ما كان يتم النبش في ملفات رجال المال والأعمال لاعتبارات عديدة، أهمها الخوف من حرمانهم من الإشهار، ولا زال الأمر -للأسف- قائما إلى يومنا هذا، فبعض الجرائد قد تجرؤ على انتقاد الملك لكنها لا تقوى على انتقاد أحيزون، مدير عام «اتصالات المغرب». هذا الهاجس لم يكن حاضرا عندنا أبدا في «لوجورنال». - من المؤاخذات التي كانت تسجل على الخط التحريري ل«لوجورنال» أنها كانت تنتقد الدولة بشراسة وتهادن المجتمع، على العكس من تجربة «تيل كيل» مثلا؟ الفرق بين «لوجورنال» وبين «تيل كيل» هو أننا اعتبرنا منذ البداية أنه مهما كانت نقائص المجتمع المغربي ومهما قيل عن تخلفه فإن ذلك لا يبرر وجود نظام لاديمقراطي يخرق حقوق الإنسان. بالنسبة إلي، الشعب المغربي مثل باقي الشعوب في العالم، وعلاقتي به مثل علاقتي بأمي. هل أمي هي أحسن أمٍّ في العالم؟ لا أدري، ولكنها تبقى أمي التي أنا على استعداد للموت من أجلها. الشعب فيه الجيد وفيه الرديء، ولذلك فأنا بقدر ما أكره تحقير الشعب أكره الوطنية الزائفة التي تقول إننا شعب مثالي. وحتى أبقى في إطار الجواب عن سؤالك، فقد كنا في «لوجورنال» دائما نتناول مواضيع تمس المجتمع؛ ففي مارس 2000، وأثناء النقاش الساخن حول خطة إدماج المرأة في التنمية، كانت هناك مسيرة للإسلاميين الرافضين للخطة في الدارالبيضاء، وأخرى للمساندين لها في الرباط. وفي هذا الخصوص، أنجزت «لوجورنال» ملفا كانت صورة غلاف العدد الذي تناوله عبارة عن شابة فوق كتف صديقها، ظهر لاحقا أنها ابنة محسن عيوش. أيضا، أثناء الجدل الذي واكب فيلم «ماروك» لمخرجته ليلى المراكشي، كنا ضد موقف المنع الذي كان يدافع عنه حزب «العدالة والتنمية» وغيره. هذه المواقف كلها قد لا تجعلنا على وفاق مع فئة واسعة من المجتمع.