تعودنا في هذه الجريدة منذ العدد الأول على التوصل بين وقت وآخر باستدعاءات للمثول أمام القضاء. وإلى حدود اليوم قاضتنا مؤسسة الدرك الملكي، ومؤسسة القضاء، وحتى الجيش في شخص كولونيل متقاعد. وصباح أمس وصلنا إنذار من الإدارة العامة للأمن الوطني يهددنا فيه محاميها باللجوء إلى القضاء إذا لم ننشر بيان الحقيقة الذي أرسله لنا خلال 48 ساعة المقبلة في الصفحة الأخيرة مكان هذا العمود، وبنفس الحروف، كما ينص على ذلك قانون الصحافة. ولأن محامي الإدارة العامة للأمن الوطني يهددنا باللجوء إلى القضاء في حالة عدم نشر بيان حقيقته مكان هذا العمود، ويهدد بإجبارنا على دفع تعويضات للإدارة العامة للأمن الوطني، سنقوم بترك المكان اليوم للشرقي أضريص لكي يملأ هذا العمود، وستكون لنا أسفله ملاحظات، نرجو أن يتسع صدر الشرقي أضريص ومحاميه لقراءتها وتأملها. «سيدي، نيابة عن الإدارة العامة للأمن الوطني وعلى إثر المقال الذي نشرته جريدة «المساء» في عددها 644 الصادر بتاريخ 15 أكتوبر 2008، في ركن «شوف تشوف» لصاحبه رشيد نيني تحت عنوان «سكارى وما هم بسكارى» والذي تضمن قراءة مغلوطة وملتبسة لمذكرة المدير العام للأمن الوطني، فإن موكلتي ترى ضرورة تقديم توضيحات أساسية في إطار بيان حقيقة قصد تنوير الرأي العام وإبراز الأبعاد الإنسانية والحقوقية للمذكرة مع التأكيد على نشرها طبقا للفصل 25 من قانون الصحافة بالمغرب. لقد زعم صاحب المقال المرجعي أنه كتب ما كتبه انطلاقا من مذكرة داخلية للإدارة العامة للأمن سجلت تحت رقم 3282، وصدرت في 18 يوليوز 2008. لكن، وبالرجوع للمذكرة المحال عليها، يتبين أن صاحب المقال، لم يفهم ما ورد بها ولم يستوعب مضمونها. وعليه، وجب إبداء الملاحظات التالية تفنيدا لما جاء في المقال المذكور، مع احتفاظ الإدارة العامة للأمن الوطني لنفسها باللجوء للقضاء من أجل إنصافها: 1 – مضمون المذكرة لا ينصب أساسا على الأشخاص الذين يضبطون في حالة السكر العلني البين، بقدر ما يهم الضوابط التي يجب على الشرطي الالتزام بها وقت توقيف الأشخاص المشتبه بهم في جميع الجنح والجرائم التي يكون مسرحها الشارع العام، وعرضهم على ضباط الشرطة القضائية الذين لهم الحق وحدهم في الاحتفاظ بهم تحت الحراسة النظرية أو إخلاء سبيلهم حسب ما يمليه القانون وما تأمر به النيابة العامة. بحيث لم يأت ذكر هؤلاء إلا كمظهر من مظاهر ارتكاب الجنح والجرائم في الأماكن العمومية كالمشاجرات والعنف المتبادل وغيرها من الأمور المذكورة في الفقرة الثالثة من المذكرة. 2 – أما فيما يتعلق بجنحة السكر العلني البين وليس «جنحة السكر العلني» كما أورده كاتب المقال، فقد حددت الفقرة الرابعة من المادة الأولى من مرسوم ملكي رقم 66-724 بتاريخ 14/11/1967 الضوابط التي يجب على رجل الشرطة اتباعها في حالة الموقوفين من أجل السكر العلني البين في الأماكن العمومية في أفق «إنجاح تدخلاتهم في احترام تام لكرامة المواطن الموقوف ومراعاة سلامة الشرطي على حد سواء». وفي هذا السياق جاءت مذكرة المدير العام للأمن الوطني التي نبهت رجال الأمن، أنه قد يوجد من بين الموقوفين بعض المدمنين على الكحول (ivrognes) أو المخدرات والمعرضين للموت في أي لحظة من جراء الإفراط في الاستهلاك إذ سجلت بالفعل حالات وفيات نشرت في إحصاءات رسمية، مما يجبر المجتمع ومؤسساته بتقديم المساعدة إليهم ونجدتهم لإنقاذ حياتهم، وعليه فقد حثت المذكرة على التعامل معهم بما تمليه الضوابط والقوانين المغربية ومبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، بل إن القانون الجنائي المغربي جرم أي امتناع عن تقديم مساعدة لأي شخص في حالة خطر (الفصل 431 من القانون الجنائي المغربي). 3 – وانطلاقا من هذه المعطيات حرص المدير العام للأمن الوطني على حث عناصر الشرطة العاملين بالشارع العام، في حالة توقيف هذا النوع من المدمنين المرضى على التعامل معهم بما ينص عليه القانون حفاظا على سلامتهم الجسدية بل وحياتهم ونقلهم على الفور بواسطة سيارة إسعاف إلى أقرب مؤسسة استشفائية عمومية أو خاصة إذا رغبوا في ذلك، وإبقائهم في جميع الحالات تحت مراقبة الشرطة لحين استرجاع وعيهم حيث يتم اتخاذ جميع الإجراءات القانونية وتقديمهم للنيابة العامة. وعليه فإن ما ورد بالمذكرة يهدف إلى صيانة كرامة الإنسان وحقوقه ولو كان مشتبها به وارتكب جرما في حالة تلبس وذلك تماشيا مع متطلبات دولة الحق والقانون ودستور المملكة والقوانين الجاري بها العمل». ملاحظات «بسيطة» على هامش بيان الحقيقة : ليسمح لنا الشرقي أضريص، قبل إبداء ملاحظاتنا على بيانه، أن نقوم بترجمة حرفية لما جاء في دوريته حول السكارى، تقول الترجمة إلى اللغة العربية «بصفة عامة، فإن الشرطيين المتدخلين في إطار قضايا السكر بالشارع العام والسكر العلني يتعين عليهم عدم مباشرة إلقاء القبض المنهجي. بل يتعين عليهم أن يعتبروا السكير كالشخص المريض الذي يحتاج علاجا فوريا لدى مؤسسة صحية. ولهذا الغرض يتعين عليهم مصادرة سيارة إسعاف لنقله إلى الجهة المرغوبة حيث يمكن لضابط الشرطة القضائية الذي أخطر بالقضية أن يستعمل صلاحيته في أن يحتفظ به تحت الحراسة النظرية أو تحت مراقبة رجال الأمن في جناح خاص بالمعتقلين المرضى». ملاحظاتي كالتالي : إذا كان المدير العام للأمن الوطني حريصا على تطبيق منطوق الدستور والقوانين الجاري بها العمل كما يقول، فقد كان حريا به أن يحترم البند الذي يتحدث في الدستور المغربي عن كون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمغرب. لذلك فإن أول من يجب أن يلجأ إلى القضاء عند الاطلاع على مضمون هذه الدورية التي وزعها المدير العام للأمن الوطني على مراكز الشرطة، هو عباس الفاسي الوزير الأول. وليس ضد رشيد نيني لأنه نشر محتواها، وإنما ضد الشرقي أضريص لأن مدير الأمن تحدى مذكرة الوزير الأول بخصوص وجوب استعمال اللغة العربية في المراسلات والدوريات، انسجاما مع روح الدستور المغربي، الذي يستشهد به. أليست مخاطبة رجال الأمن المغاربة بغير لغتهم الرسمية التي يفهمونها جيدا إهانة لهم وإهانة لدستور المملكة. وإذا ما قرر مدير الأمن متابعتنا أمام القضاء، فهل سيلجأ إلى القضاء المغربي أم إلى القضاء الفرنسي. وإذا كان سيلجأ إلى القضاء المغربي فهل سيقدم دوريته إلى هيئة المحكمة مكتوبة بالفرنسية كما عممها أم سيقوم بترجمتها إلى اللغة العربية قبل عرضها أمام القضاء. مدير الأمن يحرر مذكرة باللغة الفرنسية ثم يعممها، وكأن الشرطة المغربية تابعة لشرطة باريس، وفي الأخير يلوم الصحافة عندما تنشرها ويتهمها بعدم فهم محتواها. والحال أنه لو كتبها بالعربية، اللغة التي ينص الدستور على وجوب استعمالها في الإدارات العمومية، لما احتاج مدير الأمن إلى اللجوء إلى محامي لترجمة مذكرته وتفصيل الشرح فيها. أما الملاحظة الثانية بخصوص سيارة الإسعاف التي تنص المذكرة على استعمالها لإسعاف السكارى المرضى فهي كون الإدارة العامة للأمن الوطني لا تأمر رجال الأمن بطلب سيارة إسعاف كما يفعل ذلك المواطنون بل بمصادرتها أو الاستيلاء عليها لإسعاف السكارى المرضى. والدورية استعملت كلمة «Réquisitionnée». وترجمتها حسب «لوبوتي روبير» الفرنسي تعني «مصادرة» أو «الاستيلاء» بشكل قانوني على شيء ما. ومن خلال بيان الحقيقة أعلاه، نحصل على اعتراف صريح من مدير الأمن بتوفره على إحصائيات رسمية تثبت بأن هناك حالات وفيات كثيرة بسبب الخمر نشرت في إحصائيات رسمية. ونحن كصحافة نطلب منه أن يبعث إلينا بهذه الإحصائيات الرسمية لكي ننشرها، تعميما للفائدة. جميل أن تستشهد الإدارة العامة للأمن بأدبيات المواثيق الدولية حول حقوق الإنسان. والأجمل منه كان سيكون هو دفاعها عن حقوق الإنسان عندما تتعرض للاغتصاب في قلب جهاز الأمن نفسه. ونحن نستغرب كيف تملك إدارة الأمن كل هذه الثقافة الحقوقية وفي الوقت نفسه تسكت عندما تهان وتغتصب حقوق رجال الشرطة الذين يشتغلون مع هذا الجهاز نفسه. أرونا جازاكم الله خيرا أين هو احترام حقوق الإنسان في سكوت إدارة الأمن عن ضرب أحد عناصرها بالرصاص. وأرونا أين هو احترام حقوق الإنسان في سكوت إدارة الأمن عن دهس أحد عناصرها بسيارة ابن الوالي. وأرونا أين هي حقوق الإنسان عندما «طرش» أحد البرلمانيين رجل شرطة لمجرد توقيفه، ودوس برلماني آخر لشرطية أخرى لمجرد سؤالها عن أوراقه. أم أن هؤلاء «السادة المحترمين» لا يجرؤ مدير الأمن على تهديدهم بالمتابعة القضائية لجرأتهم على سفح دماء وكرامة رجال الشرطة ظلما وعدوانا في الشوارع. كل ما قدره الله عليه هو تهديد هذا العبد الضعيف بالمتابعة القضائية والمطالبة بالتعويض. طبعا نحن لسنا أبناء ولاة ولا نملك حصانة البرلمانيين والوزراء حتى نكون فوق المتابعة القانونية. لكننا نعتقد أن إغماض العين عن كل هؤلاء الذين يمرغون كرامة جهاز الأمن في التراب وفتحها عن آخرها علينا نحن لمجرد أننا تحدثنا عن دورية ونشرنا توضيح إدارة الأمن حولها، فيه من التحرش والتضييق أكثر مما فيه من التوضيح والاستدراك. ولوزير الداخلية واسع النظر.