تفرض الحياة علينا ضغوطاً يومية، كما أن للجسم حاجيات يومية، أهمها طاقة الجسم التي نستمدها من الغذاء، الذي يمكن أن يحسن أو يعقد طريقة التعامل مع هده الضغوطا، وقد يصل الحال بالبعض منا إلى حد الشعور بالإحباط وربما بالاكتئاب، لطول المدة التي يعاني فيها من مشكلته أو مشاكله، وقد ينتاب البعضَ الشعورُ السلبي دون سبب معين.. تمر علينا هذه الحالات جميعا، ويجب أن نعتقد أن الحياة فيها كثير من الأمور الجميلة، فإذا اقتنعنا أن المشاكل تمر على كل البشر ويمرون بحالات من الفرح والحزن والسعادة والتعاسة، بأسباب مختلفة، كبيرة أو صغيرة، بل أحيانا بدون سبب.. يجعلنا نتقبل تلك الحالات ونبدأ في علاجها ومقاومتها، قبل حدوثها.. وقد باتت الحاجة ملحة لإيجاد وسائل للتخلص من الضغوط النفسية التي يواجهها العالم بأسره، بمختلف طبقاته واختلاف جغرافيته، ولم تقتصر تلك المشاكل على عمر أو جنس معينين، بل إن كل الفئات تشكو نوعاً أو أكثر من تلك الضغوط النفسية. والاختيار الطبيعي هو الغذاء، بعد أن تخوّفَ الناس من الدواء غير المأمون، وبعد التطور الحاصل خلال السنوات القليلة الماضية، وُجِد تزاوج بين بعض الأدوية النافعة والأغذية المساعدة والواقية في نفس الوقت، لهذا كان التأثير ايجابياً باستخدام بعض الأغذية الطبيعية والابتعاد عن المصنعة كحل لتلك الأزمة. أما بالنسبة إلى الغذاء فالحل المثالي لكل المشاكل الصحية ولجميع الناس -سليمهم ومريضهم- هو تناول الغذاء المتوازن، الذي يحوى جميع العناصر، وهي الكربوهيدرات والبروتينات والدهون والفيتامينات والأملاح المعدنية والماء. وتتأكد الحاجة بصورة أوضح لمن يعاني من أمراض عضوية أو نفسية، فبلا شك هم اكثر الناس استفادة منها، ولربما احتاج مثل هؤلاء إلى مزيد من العناصر. ومن السلوكات الواجب الرجوع اليها الأكل الجماعي، الذي يبقى أفضل بكثير من الأكل الفردي، فلقاء العائلة على طاولة الغذاء ونقاشهم وتقديم كل شخص الطعام للآخر فيه تقوية للعلاقة والمحبة والرفق بين أفراد الأسرة، إضافة إلى أن طريقة تقديم الغذاء مهمة جداً، فواضح للجميع أن الطعام -مهما كان مفيداً- إذا قدم بطريقة غير مناسبة لا تقبله النفس، وحتى أبسط الأشياء تؤثر، فمثلاً الشاي إذا قدم في فنجان القهوة أو العكس فإن ذلك لا يُشعرنا بالطعم الحقيقي للمشروب!.. لهذا تستخدم هذه الطريقة كأحد أنواع التعذيب في السجون، وذلك بتقديم الغذاء بشكل غير مناسب.. وقد أوضحت بعض البحوث أن تقديم الغذاء بأسلوب مناسب له تأثير كبير في تهدئة الحالة النفسية. كما أن الأكل باليد له معنى وفيه حكمة، لأن الرسول (ص) كان يأكل بيده وليس بأداة أخرى. وأظهرت دراسة طبية أن الأطفال الذين يتولون بأنفسهم اختيار طعامهم، من خلال الأكل بأصابعهم، يميلون أكثر من غيرهم إلى تناول أطعمة صحية وهم يكبرون وإلى الحفاظ على وزن سليم. كما يفضل التجديد في تقديم الغذاء وعدم الرتابة، فأكل البيت هو الأفضل، ولكن التغيير مطلوب وأحيانا مكان تناول الغذاء مطلوب وطريقة تقديمه، وليس من الضروري تقديم أنواع مكلفة من الأطعمة، فقط تغيير طريقة التقديم، مما يضفي جواً من الراحة والاستقرار. كما أن لكل عمر ما يناسبه من أنواع الأغذية، فمثلاً بالنسبة إلى الشباب ممن لديهم مشاكل نفسية، مثل القلق آو كثرة الحركة الناتجة عنها، وجب تقليل السكريات والدهون في أطعمتهم، لأن فيها طاقة كبيرة، بل إن المطلوب أحياناً محاولة استنزاف تلك الطاقة، من خلال التمارين الرياضية والتمارين الذهنية بإشغالهم في حل تمارين ومسابقات تقلل من استمرارية التفكير في المشاكل التي يتوقعونها. وقد يحتاج الأشخاص الأكبر سناً الى ذلك، ولكنْ بدرجة أقل. فلا يجب أن ننسى أن الغذاء كائن حي له موسم الجني الطبيعي، له لون طبيعي، له مذاق طبيعي، له شكل طبيعي وله أمد حياة.. فإذا تدخل الإنسان في تغيير قانون من هده القوانين فقد أصبح المنتوج غير طبيعي وتتغير مكوناته، وبالتالي، سيكون تأثيره على الجسم سلبيا، فهذه المواد ترهق الجسم وتؤثر على المزاج والمناعة، وبالتالي توازن الجسم. وهناك مجموعة من الدراسات تؤكد وجود علاقة وثيقة بين أنواع الأطعمة والصحة النفسية، فهناك مواد كيميائية توجد في الغذاء ذات تأثيرات متباينة، فبعضها مفيد ومنها ما هو ضار يجب تجنبه، إذ هناك مواد تعمل على إثارة وتنشيط الجهاز العصبي وإبقائه يقظا ووجودها في مجرى الدم بكميات كبيرة ولمدة طويلة تؤثر سلبيا على الصحة الجسدية والنفسية في آن واحد، حيث إنها تزيد عدد ضربات القلب وحاجته إلى الأوكسجين وربما تؤدي إلى النوبة القلبية وربما ترفع ضغط الدم. كما تؤدي هذه الهرمونات إلى إرهاق الجهاز العصبي، مما ينعكس في مشاعر التوتر والقلق وربما السلوك العدواني. ومن الأغذية الضرورية لسلامة الصحة العقلية الفواكه والخضر وكل الأغذية المحتوية على الأحماض الدهنية الأساسية، التي توجد في الأسماك، وكذلك صفار البيض (البلدي) إضافة إلى القرع أواليقطين المكسرات والقطاني. فالجسم يتأثر كثيرا بنوع الغذاء الذي يتناوله الشخص، لذلك فإن نقص بعض الفيتامينات والمواد المعدنية والأحماض الدهنية الضرورية يمكن أن يترك تأثيرات كبيرة على المزاج والصحة العقلية، مثل ظهور أعراض داء الفصام عند حصول نقص في فيتامين «ب»، المركب. كما أن تناول الأغذية الغنية بالزنك والحديد بشكل جيد يُحسّن النفسية والذاكرة القصيرة. أما الزنك فهو ضروري لعمل فيتامين «ب -6» في الدماغ، فيبقى النظام الغدائي المتوازن أفضل الحلول، إلا أن المشكل الذي نعاني منه هو أن الكل يطالب بالحل السريع، مع العلم أن النتائج فعالة في علم الحمية، لكنْ تتطلب الصبر أولا، وثانيا أخد المعلومة من المتخصص، لأنه، للأسف، ضعف المريض وظروفه يجعلانه عرضة لتصديق أقوال وأفكار بعيدة كل البعد عن الأسس العلمية. وأغلب الحالات التي نتعامل معها تأتي بمعلومات ليست لها أي صلة بعلم التغذية، وبالتالي، يكون أول شيء نقوم به هو تصحيح المعلومات وإعادة الثقة في ما يعرف ب»الريجيم».. فالكل يتحدث عن «الريجيم» كأنه شبح، في حين أنه مجرد «نظام» يساعدنا على التحكم في شهوة الأكل وليس بتلك الصورة التي رسموها له. فالنظام أساس الحياة، فلننظم حياتنا للتمتع بعقل سليم، لأن العقل السليم في الجسم السليم، فالسيارة تتحرك بالوقود، أي الطاقة، وكذلك الإنسان، وطاقتنا من غذائنا وفي غذائنا سعادتنا وسعادتنا نحن كمغاربة هي المحافظة على الموروث الغذائي، الذي عرف به المغرب من القدم.. ولا يجب ان نترك العولمة تغير وتغرق مائدتنا بمواد لا تفهمها حتى عقولنا، فكيف سيتعامل معها جهازنا الهضمي؟ فغذاؤنا يتحكم في تركيزنا، مزاجنا، مناعتنا وفي سعادتنا، أي بمعنى أخر في حياتنا، فالداء والدواء في الغذاء والمرض وارد والشفاء مطلوب والوقاية خير من العلاج..