بدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما جولة منذ يوم الأربعاء الماضي في عدد من الولايات التي تشهد حاليا انطلاق مشاريع ضخمة للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، ومنها ولايات نيفادا ونيو مكسيكو وأوكلاهوما وأوهايو. ووصف مراقبون في واشنطن جولة أوباما بأنها «جولة الطاقة»، لأن الهدف منها هو الدفاع عن سياسة أوباما في هذا المجال أمام الهجمات المتتالية للجمهوريين ورجال الأعمال الذين يتهمونه بالتسبب في ارتفاع ثمن البنزين إلى مستويات قياسية لدرجة دفعت بعض الأمريكيين إلى تنظيم صلوات جماعية من أجل التضرع لله لخفض ثمن البنزين، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تشهدها البلاد منذ 2007 وتهدد بالإطاحة بالرئيس الأمريكي من مكتبه في البيت الأبيض في سنة انتخابية حامية. استأثر خبر تنظيم عدد من الأمريكيين القاطنين في مدن ولاية ميريلاند المتاخمة للعاصمة واشنطن لصلوات أسبوعية من أجل التضرع لله لخفض ثمن البنزين، باهتمام وسائل الإعلام الأمريكية التي تركز هذه الأيام على ما أصبح يسمى أزمة الطاقة في أمريكا. فثمن غالون واحد من البنزين يفوق في بعض الولاياتالأمريكية خمسة دولارات وشكوى الأمريكيين من هذا الأمر باتت على جميع صفحات الجرائد وتستحوذ على نسبة كبيرة من نقاشات البرامج الحوارية، التي تنقل معاناة المواطن الأمريكي بسبب هذا الارتفاع الكبير في ثمن البنزين. بل إن هناك مراقبين حذروا من إمكانية أن تطيح أثمنة الوقود المرتفعة بأوباما من البيت الأبيض وتدفع الأمريكيين إلى عقابه في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية القادمة. إيران وإسرائيل والآخرون تحمّل وسائل الإعلام الأمريكية الرئيس أوباما مسؤولية غير مباشرة عن ارتفاع أسعار الوقود بسبب عدم تدخله في الحرب الكلامية الدائرة بين إيران وإسرائيل والتهديد بشن حرب بين الطرفين، مما زرع قلقا كبيرا في أسواق النفط العالمية من إغلاق معبر هرمز الحيوي في الخليج الفارسي في حالة اندلاع أي نزاع مسلح في الشرق الأوسط. وأفادت افتتاحيات صحف ذات توجه محافظ أن أوباما كان يجب أن يكون أكثر حزما مع إيران وأن يزن تصريحاته جيدا قبل أن يدلي بها لوسائل الإعلام وأن يضمنها تهديدات مباشرة لإيران بأن واشنطن لن تبقى مكتوفة اليدين إن بادرت طهران بالهجوم على تل أبيب، مع القيام بخطوات واضحة في هذا المجال. كما تُحمل تلك الصحف أوباما مسؤولية الارتفاع الصاروخي في ثمن البنزين عبر منعه شركات أمريكية من التنقيب عن النفط داخل أمريكا وسنه قوانين جديدة لحماية البيئة، لكنها تضر بمصالح شركات النفط الأمريكية العملاقة، بالإضافة إلى رفضه مشروعا ضخما لبناء أنبوب لنقل النفط من كندا إلى الولاياتالمتحدة عوض نقله بحرا بكلفة عالية للغاية. وقال مراقبون في واشنطن إن التوتر الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط وعدم قدرة أوباما على التعامل مع الأزمة السياسية في سوريا، والتداعيات المحتملة لسقوط نظام بشار الأسد هناك دفعت بأسعار النفط إلى الارتفاع في الأسواق العالمية، مما أثر مباشرة على أسعار البنزين داخل أمريكا التي مازال اقتصادها متعثرا ولم يتعافى بعد من تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يشهدها منذ 2007، بل زاد من تعميق تلك الأزمة. أوباما صديق البيئة ويحاول المسؤولون عن حملة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرد على منتقديه من الجمهوريين ومن رجال الأعمال واللوبي المدافع عن مصالح شركات النفط العملاقة عن طريق تسويق صورة «الرئيس صديق البيئة»، الذي يرفض الاستسلام لضغوطات الشركات الخاصة وجماعات الضغط ويراعي مصلحة البيئة قبل كل شيء. وهكذا بدأ البيت الأبيض في إصدار بيانات صحفية تؤكد حرص أوباما على عدم السماح لأية عمليات تنقيب عن النفط قرب الشواطئ الأمريكية مخافة التسبب في تسرب نفطي تكون نتائجه وخيمة على البيئة وعلى سكان المناطق المحاذية لمناطق التنقيب، كما وقع قبل سنوات قليلة في خليج المكسيك وقبالة سواحل ولاية لويزيانا، مما اضطر شركة «بريتش بتروليوم» التي كانت تقوم بأعمال التنقيب إلى دفع مليارات الدولارات كتعويضات للسكان الذين تضرروا وكنفقات لعملية التنظيف التي مازالت مستمرة حتى اليوم. كما حرص البيت الأبيض على إصدار بيانات إعلامية تؤكد أن المخزون الاستراتيجي القومي الأمريكي من النفط ارتفع في عهد أوباما إلى رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ البلاد. ويروم المسؤولون في البيت الأبيض من وراء هذه الأرقام التأكيد على أن أوباما حريص على المصالح الاستراتيجية لأمريكا، لكنه حريص أيضا على البيئة ويحاول حمايتها والحفاظ عليها لمصلحة الأجيال القادمة من الأمريكيين. ولم يتردد مسؤولون في حملة إعادة انتخاب أوباما في وصفه بأنه الرئيس الأكثر صديقا للبيئة في تاريخ البلاد.
علاج أمريكا من إدمانها على النفط كرر باراك أوباما خلال الأسابيع القليلة الماضية شعارا كان قد استعمله كثيرا خلال حملته الانتخابية الأولى التي حملته إلى البيت الأبيض ويتلخص في أن جهوده ستنصب مستقبلا على علاج أمريكا من إدمانها على نفط الشرق الأوسط. وقال أوباما أكثر من مرة : «هذا الإدمان يجب أن يتوقف، لأننا لا يمكن أن نربط مصيرنا ومصالحنا الحيوية بما يحدث في الشرق الأوسط.. أمريكا يجب أن تعالج من إدمانها هذا ويجب أن يتوقف في أقرب وقت ممكن». ورغم قيام أوباما بتدشين مشاريع عديدة تهدف إلى استغلال مصادر طاقة جديدة كالرياح والفحم وأشعة الشمس والذرة، إلا أن جهوده لم تفلح في إقناع الأمريكيين بالتخلي عن قيادة السيارات رباعية الدفع التي تستهلك كميات كبيرة من البنزين أو حتى اقتناء السيارات الهجينة التي تعمل بالبطاريات، بالإضافة إلى البنزين. فقد قالت مسؤولة عن جمعية لرصد مبيعات السيارات داخل أمريكا لإذاعة «إن بي آر» إن مبيعات السيارات الهجينة أو ما يسمى الهايبرد تراجعت السنة الماضية بأكثر من اثنين في المائة، في الوقت الذي كان يجب أن ترتفع فيه بأكثر من خمسة في المائة، بالنظر إلى التقلبات الحادة التي يعرفها سوق النفط العالمي. كما أن العدد الهائل للسيارات الشخصية في أمريكا، والتي بلغ عددها سنة 2007 أكثر من 245 مليون سيارة مسجلة (دون احتساب الشاحنات الصغيرة والكبرى والسيارات الكبيرة التي تسمى تاون كار) آخذ في الارتفاع داخل الولاياتالمتحدة بسبب عدم وجود وسائل نقل عمومية بديلة في المناطق القريبة من التجمعات السكنية الكبرى أو ما يسمى هنا الميتروبوليتان، حيث يدفع بعد المسافات بين أماكن العمل والتجمعات السكنية الناس إلى اقتناء سيارات خاصة يقودونها لمسافات بعيدة، مما يتسبب في اختناق الطرقات وارتفاع مستوى التلوث وتدمير البنية التحية والبيئة وأيضا ارتفاع فاتورة البنزين الذي يستهلكونه يوميا. ورغم محاولات السلطات المحلية في عدد من المدن الرئيسية في أمريكا سن قوانين تشجع على ركوب الحافلات العامة أو ركوب أكثر من شخص واحد في كل سيارة على حدة وتخصيص خطوط خاصة بهذه السيارات في الطرق الكبرى، فإن تلك الجهود فشلت في إقناع الأمريكيين بالتخلي عن السيارات الخاصة. كما أن معظم سائقي هذه السيارات ينتمون إلى الطبقة المتوسطة التي تتحمل بشكل مباشر أعباء ارتفاع ثمن البنزين، بالإضافة إلى باقي الأعباء الاقتصادية الأخرى، وهي الطبقة نفسها التي تتوجه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات للإدلاء بأصواتها، التي غالبا ما تكون حاسمة في ترجيح كفة مرشح دون آخر. النفط سلاح انتخابي فعال على الرغم من تصريحات المسؤولين في المملكة العربية السعودية، سواء بشكل سري أو علني، بأنهم مستعدون لتعويض أي نقص قد يشهده سوق النفط الدولي بسبب إغلاق مضيق هرمز أو وقف إيران لصادراتها من الذهب الأسود بشكل كامل، فإن القلق الذي يساور المسؤولين في أمريكا يتعاظم يوما بعد يوم. وحتى التجار المسيطرون على سوق النفط الدولية يدركون مدى صعوبة تحقيق هذا الأمر، ولهذا مازالت الأسعار ترتفع كل يوم. ويبدو أن هذه القضية ستتحول إلى سلاح انتخابي فعال في أيدي الجمهوريين المناوئين لسياسة أوباما، والذين يتمنون رؤيته حاملا حقائبه ومغادرا البيت الأبيض بعد قضائه ولاية رئاسية واحدة فقط. إذ أكد واضعو الخطط الاستراتيجية للحزب بأنهم سيستعملون سلاح النفط كثيرا خلال الأسابيع القادمة للتأكيد على ضعف أوباما في مجال السياسية الخارجية وفشله في التعامل بفعالية وابتكار مع التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. كما قال هؤلاء المتخصصون في الحملات الدعائية إن أوباما فشل فشلا ذريعا في إنعاش الاقتصاد الأمريكي المتدهور، الذي لن تزيد الأسعار المرتفعة للوقود سوى في إضعافه. وحذر هؤلاء من تداعيات ارتفاع أسعار البنزين، خصوصا على سوق الشغل الذي قد يشهد ارتفاعا كبيرا في مؤشر البطالة بسبب عدم قدرة الآلاف من العاطلين على البحث عن عمل جديد لعدم تمكنهم من التنقل. بالإضافة إلى اتساع عدد أفراد الطبقة الفقيرة التي ستزيد أسعار البنزين المرتفعة من تعميق أزمتها وتحد من حرية حركتها أو قدرتها على ذلك، مما سيدفعها إلى الاعتماد بشكل كامل على المساعدات الحكومية التي تشكل بدورها عبئا على الإدارة الأمريكية التي يبدو أنها حائرة إزاء كيفية معالجة هذه المشاكل الاقتصادية الكثيرة والمعقدة في سنة انتخابية حاسمة لأوباما، الذي يطمح إلى حكم أقوى اقتصاد في العالم (رغم ضعفه) لأربع سنوات إضافية.