هل «السيّاش بنك أم «مونتيف»؟ بعد عقد من الزمان على فضيحة مولاي الزين الزاهيدي جاء دور خالد عليوة. الرجل الذي وصل إلى المؤسسة عام 2004 كي «يطهرها»، أصبح متهما ب«تطهير» خزينة البنك مع مجموعة من الأقارب والأصدقاء، يشتبه أنه أغدق عليهم العطايا والامتيازات، دون أن يخطر على باله أن الدوائر سوف تدور، وأنه سيجد نفسه في المكان الذي جلس فيه الزاهيدي قبل عشر سنوات، كي يفسر للقضاة أسرار «سخائه» المشبوه، والعقارات التي يشتبه أنه فوتها لنفسه بثمن «بطاطا»، مع الحرص على مصادرة جواز سفره كي لا يقلّد مولاي الزين ويفر خارج البلاد. هكذا انقلب السحر على الساحر، وتحولت حملة «التطهير» إلى «طهارة» أو «إعادة طهارة» يخضع لها عليوة ومن معه، تحت أنظار الفضوليين والشامتين والحانقين. التاريخ يعيد نفسه بشكل كاريكاتوري، ولو أردنا أن نعطي للفساد شكلا أو نختصره في «لوغو» لما وجدنا أفضل من «القرض العقاري والسياحي»، الذي أسسه الاستعمار عام 1920، وصار عنوانا للفضائح المالية، ومصيدة للمدراء الذين يدخلون إلى المصرف غانمين ولا يخرجون سالمين. مولاي الزين الزاهيدي مازال موجودا في مكان مجهول، تطارده عشرون سنة من السجن، وإلى حد كتابة هذه السطور لا نعرف مصير من سمته الصحافة المغربية ب«الشاب خالد» وبال«المتعجرف» الذي اختاره عبد الرحمان اليوسفي في نهاية التسعينيات كي يكون لسان حكومته، وأصبح واحدا من أبرز وجوه «التناوب التوافقي»، وعنوانا لفشل التجربة وانحرافها عن أحلام «القوات الشعبية»، وهي التسمية التي كان يعطيها حزب «الوردة» لجيوش المغفلين الذين وضعوا ثقتهم في الشيخ العائد من كان، كي ينتشل البلاد من أيدي اللصوص والمفسدين، وإذا به يحيط نفسه بأشخاص بيّنت السنوات أن لا فرق بينهم وبين من وصفهم من كان عضوا بالمكتب السياسي للحزب في بداية التسعينيات، محمد نوبير الأموي، ب«المناقطية» وانتهى في السجن، بل إن كثيرا من وزراء الحسن الثاني أنظف من بعض وزراء عبد الرحمان اليوسفي الذين يوجد مكانهم الطبيعي في «عكاشة»، جنب عبد الحنين بنعلو، المدير السابق للمكتب الوطني للمطارات، الذي كان يشغل بدوره منصبا قياديا في «الاتحاد الاشتراكي»، وحين استلم إدارة المطارات لم يتورع عن «التغماس» في الأموال العمومية بكل ما يملك من جشع وبلادة، كي ينتهي مثل العفورة والسليماني. التاريخ يعلمنا أنه كما كان للمرحوم البصري رجال فاسدون، فإنه كان لليوسفي رجاله المشبوهون، أولئك الذين أجهزوا على المشروع «الاشتراكي الديمقراطي»، الذي مازالت البلاد تحتاج إليه، وخلفوا للأجيال الجديدة تركة محرجة، تجعل الواحد يخجل من أن يقدم نفسه ك«اشتراكي» أو «يساري»، رغم نبل الانتماء. أحد القياديين الشباب في حزب «الاتحاد الاشتراكي» أسر لي ذات يوم، بغضب، بأنه بات يخجل من حضور اجتماعات المكتب السياسي، لأنه يحس بأنه يجلس مع أشخاص مكانهم الحقيقي في السجن وليس في حزب عبد الرحيم بوعبيد... «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، لكن ملف «السياش بيس» يطرح مشكلة أخلاقية على حزب الراضي، لأن عليوة كان أحد قيادييه البارزين لمدة سنوات: عضو المكتب السياسي ووزير ناطق باسم الحكومة وباسم الحزب خاض معركة شرسة على عمودية الدارالبيضاء، ناهيك عن ترؤسه لمجلس مدينة الرباط لسنوات عدة، كما تقاتل مع جناح اليازغي داخل الحزب قبل أن يرمي السلاح بعد أن حقق هدفه من العمل السياسي: مراكمة الثروة والنفوذ. وإلى حد الآن، لم يصدر أي بيان صريح يضع مسافة واضحة بين الحزب والمتهم، الخرجات المحتشمة لبعض القياديين لا تكفي، لأن القضية «أحمض» من أن تعالج بتصريحات فردية أو بالسكوت ولغة الخشب. والغريب في الأمر أن الرأي العام، بمختلف أطيافه، يبدو راغبا في رؤية عليوة وراء القضبان، رغم أن القضاء لم يقل بعد كلمته، ببساطة لأن الرجل وأمثاله طغوا أيام كانوا في السلطة، وكذبوا على المغاربة، ولم يتورعوا عن «الأكل» بجشع حين وصلوا إلى مناصب المسؤولية. ولعل أهم مكسب جاءت به حكومة عبد الإله بنكيران أنها أعادت للمسؤولية تعريفها الأول: خدمة الصالح العام، و«اللي فرط يكرط»!