أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    الجيش المغربي يشارك في تمرين بحري متعدد الجنسيات بالساحل التونسي        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوفا: الدستور الحالي فيه عيوب والملك فهم بسرعة مسار التغيير في العالم
وزير التربية الوطنية قال إنه ليس كل عاطل عن العمل يصلح أن يكون مدرساً وزمن التعليمات إنتهى في قطاع التعليم
نشر في المساء يوم 06 - 03 - 2012

«جلالة الملك محمد السادس فهم بسرعة مسار التغيير في العالم، الذي يتجه إلى تعزيز الحريات والمشاركة الشعبية،
وأيضا استوعب بقوة سريعة أن النمو الاقتصادي غير كافمحمد الوفا وزير التربية الوطنية، وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.
- مرت سنة على الحراك الشعبي الشبابي، الذي توج بتعديل دستوري وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، ثم صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم لأول مرة في تاريخ المغرب. كيف يمكن تعزيز هذه الإصلاحات التي تحققت خلال هذه السنة؟
بداية أريد أن أقف عند مفهوم ما يعرف بالربيع العربي، وهو مفهوم ينم في نظري عن سوء فهم من طرف شعوب جنوب المتوسط للتغيرات الكبرى، التي عرفها العالم بعد سقوط جدار برلين، فالعالم كان يسير في توجه هو أن الانفتاح الديموقراطي وممارسة الحريات الفردية والجماعية وحرية التعبير أضحت مطلبا كونيا، فما حدث في أوروبا الوسطى والشرقية من تغيرات جذرية في هذا الاتجاه كان بمثابة مقدمات لما سيحدث بعد سنوات في جنوب المتوسط، أي تونس ومصر وليبيا، وإلا كيف نفهم أن الثورات العربية انحسرت في الحوض الجنوبي للمتوسط؟ فما يعيشه شعب ما من تغيرات تكون لها تداعيات على شعوب أخرى.
ولكي أوضح هذا التصور، أعطي مثال ما عاشته أمريكا إبان حرب الفيتنام من احتجاجات ستصل تأثيراتها إلى أوروبا في ثورة الشباب 1968، حيث وقعت تغييرات كبيرة في أوروبا، والذي حصل لشعوب جنوب المتوسط هو أنها لم تفهم اتجاه التغيير الذي وقع في العالم.
وللتاريخ أقول إن المغفور له الحسن الثاني كان على وعي بهذا التغيير الذي يحصل في العالم، لذلك قام بإصلاحات سياسية بدأت في التسعينيات وتوجت بمشاركة المعارضة في الحكم بعد سنوات غياب. وما وقع في 2011 هو أنه في تونس مثلا، ورغم الطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي حصلت، اعتبر الشعب التونسي الحرية مطلبا لا يقل أهمية عما تحقق، وأنه لا بد من الحرية، وهو الأمر الذي لم تفهمه كل الأنظمة التي تم إسقاطها فيما بعد في ليبيا ومصر والآن في سوريا.
ما حصل في المغرب هو أن جلالة الملك محمد السادس فهم بسرعة مسار التغيير في العالم. فالعالم يتجه إلى تعزيز الحريات والمشاركة الشعبية وتعزيز حرية التعبير، وأيضا استوعب بقوة سريعة أن النمو الاقتصادي غير كاف. لذلك جاء الخطاب التاريخي ل9 مارس، فعندما قرأت الخطاب وأنا بعيد عن المخاض الحاصل في الشارع المغربي بحكم مهامي الديبلوماسية، فهمت منه رغبة أكيدة في فتح عهد جديد في الدستور، لذلك لا أقول إننا عدلنا الدستور، بل وضعنا دستورا جديدا، لأنه يضع مقاربة جديدة لمفهوم السلط. ويمكن أن أضيف، كمواطن مغربي، أن الدستور الحالي فيه عيوب، وهي عيوب يمكن إصلاحها مع الممارسة، لكن روحه حددت معالم النظام المستقبلي للمغرب، بإعطاء أهمية للأحزاب والممارسة السياسية بالمغرب، فالدستور الحالي يضع لبنات قوية لدولة المؤسسات.
- هناك من قال إن حركة 20 فبراير ساهمت في التسريع بوتيرة هذه الإصلاحات..
حركة 20 فبراير صحيح أنها حركة شبابية، لكن ليست الأولى في تاريخ المغرب، فهذه نسخة من نسخ الدينامية، التي يعيشها المغرب دائما، فمنذ استقلال المغرب عرفنا عدة حركات كانت لها تأثيرات سياسية قوية على المغرب. ولذلك فهذه الحركة ساهمت من جهتها، على كل حال، في بداية هذا العمل الذي أنجز في المغرب، أي توفير شروط المرحلة الجديدة التي يعيشها المغرب.
- هل تعتقد أن التيار الإسلامي «خطف» ثمار الحراك الشعبي؟
هذه قراءة في تقديري خاطئة، فإذا عدنا إلى مسار الإصلاح، الذي توج، كما قلت، بالدستور الجديد، نجد أن هذا الدستور وضع الأسس لكي تكون الممارسة السياسية ذات معنى، ومن الطبيعي أن كل الأحزاب التي تقبل الاشتغال وفق المبادئ التي قام عليها هذا الدستور، من الطبيعي إن أقنعت الناخبين ببرنامجها السياسي أن تصبح في الحكومة.
وعندما نريد رسم الصورة العامة، نجد أن هذا الدستور يعطي مكانة خاصة لجلالة الملك، لأن الملكية في المغرب عنصر رئيسي في توحيد المغرب على مدى قرون، فنحن لسنا دولة وليدة، بل دولة لها تاريخ عريق قبل وبعد مجيء الإسلام، والنظام الملكي هو الذي جمع الأمة المغربية بتنوعها الثقافي واللغوي، فالمكانة المتميزة للملكية بالمغرب لابد للمغاربة من حمايتها، وفي اعتقادي نحن في عهد أصبحت فيه الملكية هي العمود الفقري للدولة، والأشياء الأخرى يختلف فيها المغاربة و يتوافقون حسب توجهاتهم وأفكارهم ومصالحهم.
- وقد نتجت عن هذا المد الإصلاحي حكومة. صحيح أن العدالة والتنمية يتصدر لائحة الانتخابات، لكن هذا ينبغي أن يفهم على أنه نتاج طبيعي لكون المغرب اختار النزاهة في الانتخابات بدل الانتخابات الموجهة. ولأن جلالة الملك اختار النزاهة والشفافية فقد تصدر هذا الحزب قائمة الانتخابات، ولأنه لا يمكن لهذا الحزب أن يسير المرفق العام لوحده، فقد ظهر هناك تحالف، وأنا شخصيا، كنت أتمنى أن يشارك الاتحاد الاشتراكي في هذا التحالف، لكون الاتحاد ساهم بنضالاته وتراكماته التاريخية في توفير المناخ السياسي، الذي وصل إليه المغرب، وهو مناخ جديد كما أشرت سابقا، مناخ يعيد إلى لحياة السياسية قيمتها، والسؤال الذي أوجهه إلى لاتحاد الاشتراكي هو: كيف يشارك في حكومة التناوب وساهم في إنضاج مقاربة سياسية جديدة للعمل السياسي في البلد، ومع ذلك اختار موقعا لا يكون فيه فعالا؟
هذا ليس انتقادا، ولكن قناعة عندي، فأنا كنت من المؤمنين والمناصرين للعمل الكتلوي، فأملي هو أن الكتلة يمكنها أن تساهم إلى جانب حزب العدالة والتنمية في هذه المرحلة التاريخية التي تمر منها البلاد اليوم.
- هل يمكن أن نقول إن الكتلة انتهت بعد هذا التخبط التي عاشته مكوناتها للحسم في الموفق من المشاركة في الحكومة الحالية؟
لا بد من القول هنا أن كل مكون من مكونات الكتلة كانت له مشاكله واعتباراته المرتبطة أحيانا بإكراهات العمل الحكومي أو التقهقر الانتخابي والمشاكل التنظيمية، لكن ما أريد قوله هو أنه بعد تولي عبد الرحمان اليوسفي الحكومة وقع نوع من التراخي في العمل الموحد على مستوى الكتلة، في تقييم أوضاع البلد، وفي معالجة مشاكل البلد. صحيح أننا دخلنا عهدا جديدا مع محمد السادس، لكن هذا لا يمنع من أن نبقى مجتهدين في العمل على تقوية بلدنا، والله يهدي الجميع.
- بعد الإعلان عن لائحة وزراء حزب الاستقلال، ظهرت تصريحات ومواقف لأسماء استقلالية عبرت عن عدم رضاها عن الطريقة التي تم بها فرض أسماء وإقصاء أخرى، إلى درجة عزم البعض الإطاحة بالأمين العام الحالي. ماذا يجري بالتحديد في حزب الاستقلال الآن؟
حزب الاستقلال كأي حزب يمر بظروف صعبة الآن، وهي ليست الأولى التي يمر بها، لكن ما يميز هذا الحزب أنه اكتسب مناعة في مواجهة مثل هذه الظروف. حزب الاستقلال الآن مقبل على مؤتمر، هو مناسبة لإجراء تقويم شامل للعمل الحزبي، منذ الصعوبات التي عاشها، بدءا بحكومة التناوب إلى الآن، والإخوة سيذهبون إلى المؤتمر برؤية موحدة لأنه ليست لنا اختلافات فكرية. لذلك فما يعيشه الحزب هو صعوبات عادية تتعلق بتسيير بعض الأمور، ويمكن التغلب عليها، لكن الأهم أن يفهم الحزب أن المغرب يشهد تحولا نوعيا في الممارسة السياسية والمشاركة السياسية وتأطير المواطنين، وهذا هو المهم، وباقي الخلافات تبقى ثانوية جدا.
صحيح أن هناك مناضلين غاضبين من عدم استوزارهم، وهم يستحقون، لكن الاستوزار ليس هدفا في ذاته، والنضال لا ينتهي بالاستوزار، فأنا مثلا كنت سأعين وزيرا سنة 1981 وسنة 1983 وفي حكومة عبد الرحمان اليوسفي، لكن لم يتحقق ذلك في كل هذه المناسبات، فالعالم لا ينتهي بمجرد عدم الاستوزار. وعدم الاستوزار ليس مبررا ليغير المرء موقفه من حزبه، فالاستوزار ليس جوهرا، لأن الجوهر الذي ينبغي لحزب الاستقلال التفكير فيه في المؤتمر هو مكانته في الوضع السياسي للبلد.
والذين يتكلمون عن أن حزب الاستقلال على أبواب الانفجار لا يعرفون جيدا مميزات هذا الحزب، فهو مدرسة لها تقاليد سياسية ثقيلة وتراكمات، والانشقاق الذي وقع فيه سنة 1959 لا يزال حاضرا باعتباره محنة كبيرة، يتم استحضارها دائما حتى لا تتكرر، وعندما يكون الإخوة في الحزب يناقشون موضوعا ما، فإن الخط الأحمر الذي يضعه كل استقلالي هو ألا ينبغي أن نكرر محنة 1959، لأن هذا الانقسام أثر على المغرب إلى حدود حكومة التناوب.
- في المغرب أكثر من ثلاثين حزبا، وهو عدد جعل البعض يقولون بوجود تعددية حزبية وليس تعددية سياسية، وإلا ما معنى أن يكون التيار اليساري وحده يضم ستة أحزاب على الأقل؟
شخصيا، لدي تحفظ على بعض التقسيمات التي تصنف فيها الأحزاب المغربية نفسها. في الحقيقة هناك فكر وطني يبني عمله على المقومات التي قام عليها المغرب منذ قرون، وفكر كان في نفس الخط، وأدخلت عليه مقاربة فكرية في الاقتصاد والمجتمع، هو الفكر الاشتراكي، فما حصل في المغرب في مجال التعددية الحزبية شيء خطير، وينبغي الانتباه إليه مستقبلا، حيث وقع تفكيك مقصود للمشهد الحزبي المغربي من طرف أجهزة معينة، وصنفت الناس تصنيفات شوهت مشهدنا السياسي. اليوم دخلنا إلى مرحلة ترسخت فيها التوازنات الكبرى للبلد، والناخبون المغاربة سيعرفون كيف يوجهون التركيبات السياسية الموجودة وليس الإدارة.
أتذكر في زمن مضى أن مسؤولا في البلد قال لي: «لابد من تأهيل المشهد السياسي»، وقلت له: «أنت راجل فضولي، معندك ماتأهل، اللي غايأهلوه هم الناخبون». المشهد السياسي ليس شركة يمكن تأهيلها، أحيانا نستعمل مفاهيم كبيرة خارجة عن السياق. فالذين يتكلمون عن تأهيل المشهد السياسي نسوا أيضا أن يستعينوا بمكتب دراسات أجنبي ليؤهل لهم المشهد السياسي إسوة بعدد من القطاعات التي استعانت بهذه المكاتب، أليس هذا عبثا في عبث.
- مع بداية عمل كوزير للتربية الوطنية، اتخذت قرارات وصفها بعض الفاعلين الاجتماعيين بالجريئة، وفئات أخرى وصفتها بالمتسرعة، خصوصا في ملفات كانت محط نزاع كبير بين رجال التربية و الوزارة. كيف ترد؟
عندما تم تعييني في الوزارة، تتبعت عبر الصحافة الوضع الذي كانت عليه المنظومة التربوية، وبدأت الاهتمام بصفة أدق بالملفات، ودخلت للوزارة في أول يوم، وبدا لي أن هنا ثلاثة موجهات أساسية ستحكم عملي في القطاع. أولا، علي أن أخلق الاستقرار في المنظومة، حيث لن تنزل الوزارة بأي إصلاح أو قرار فوقي دون إجراء مشاورات واسعة. ثانيا، إجراء تقويم شامل لما شهده القطاع من إجراءات وسأقول فيها وجهة نظر. ثالثا، الوزارة لن تكون سجينة الحزبية، إذ هناك وزارة الدفاع الوطني التي تدافع عن حوزة التراب الوطني والمؤسسات، ووزارة التربية الوطنية، التي تكون الأجيال التي ستسير هذه البلاد التي ندافع عن ترابها ومؤسساتها. إذن لا يمكن أن يهيمن حزب أو فكر على وزارة التعليم، لأننا سنكوّن أجيالا مؤهلة عندما ستصل إلى سن الرشد لاختيار الفكر السياسي التي تريد واختيار التطلعات التي تريد.
- كيف ذلك؟
سنكونها على ثلاثة مبادئ كبرى. أولا، مبدأ الوطن. ثانيا، الدين الإسلامي والمذهب المالكي، لأني عشت في الشرق، وعرفت جيدا ما حصل في البلدان التي تنخرها المذهبية، وبلدنا منذ قرون طويلة اختار المذهب المالكي، وهو مذهب استراتيجي للمستقبل، فهو عنصر يخلق اللحمة بين المغاربة. وثالثا الملكية. وكما قلت الملكية عنصر استقرار وعنصر توحيد، والملك حامي الملة والدين، وله أيضا مسؤولية في موضوع التربية. إذن هذه هي المبادئ الثلاثة، التي دخلت بها للوزارة منذ اليوم الأول، وبعد ذلك بدأت في تقويم وضعية التعليم بالمغرب، فوجدت أنه يشهد فتنة، فتنة منذ 2009، وزادت التطورات التي شهدها المغرب في 2011 من قوة هذه الفتنة، فقلت لابد لتحقيق الاستقرار في القطاع وإزالة شروط هذه الفتنة من ثلاث خطوات. أولا، المذكرة 122، فوزارة التربية الوطنية في نظري وزارة سهلة وليست معقدة، فهذه المذكرة هي عبارة عن مذكرة بيروقراطية وإملاءات فوقية، وقلت إن هذه المذكرة ببساطة تعنى باستعمال الزمن كما عرفناه في وقت سابق، وأن مشكلة واضعيها أنهم ضخموا من المفاهيم، التي استعملوها، إذ سموها «تدبير الزمن المدرسي»، مع أنهم يقصدون استعمال الزمن، والذي كان يضعه هو المدير والأساتذة في المؤسسات. لذلك فهذه المذكرة لم تعط هامش الحرية للمدير التربوي ولمجالس المؤسسات لتسيير مؤسساتهم، فعندما يضع المدير بشراكة مع أساتذة المؤسسة استعمال الزمن، يأتي المفتش لمراقبة شيئين، هما التركيبة البيداغوجية حتى لا يكون ضغط على التلميذ، وخلق توازن في اليوم وتوازن في الأسبوع، وبالتالي في السنة، والمفتش له مسؤولية مراقبة تأدية المدرس للساعات الإجبارية للتعليم..
- لكن المفتشين فهموا شيئا آخر هو أن هذه الوثيقة هي تجاوز لصلاحياتهم وإقصاء لهم؟
السادة المفتشون للأسف، وبعقلية التعليمات فهموا من الوثيقة التي أرسلتها بأنني عندما لم أتوجه إليهم مباشرة بالخطاب، فقد أقصيتهم، فاجتمعت بهم، وقلت لهم إنكم على خطأ، فمهمة المفتش حددها القانون. أنا أطلب منكم تطبيق ما ينص عليه القانون المنظم لعملكم. أنا حينما لم أذكر المفتشين في الرسالة، اعتبروا الأمر إقصاء لهم، وأنا شخصيا أفسره بسيطرة عقلية التعليمات عندنا في المغرب، إذ الكل ينتظر التعليمات، وهذا ما سأحاربه في هذه الوزارة. لا مكان لعقلية التعليمات بعد الآن، فهذه المذكرة التي ألغيتها لم تترك هامش الحرية للفاعلين في المؤسسات التعليمية، فإذا لم نترك مجالا للحرية للأساتذة والإدارة التربوية فماذا سيتبقى من المؤسسة التربوية؟ أنا أريد أن أقلب المعادلة. ليست الوزارة هي العمود الفقري للقطاع، بل المؤسسة التربوية هي العمود الفقري، وأنا أريد رد الاعتبار للمؤسسة من خلال إلغاء هذه المذكرة. هذا لا يعني أنني سأترك فراغا، بل أحضر مراسلة الآن للكيفية التي ستنظم عملية إنجاز استعمال الزمن مع إعطاء هامش الحرية للمؤسسات التربوية، لذلك ابتداء من الموسم الدراسي المقبل سينجز استعمال الزمن مع بداية الموسم وليس طوال السنة.
ثانيا، المذكرة 204 حاولت أن أعطيها تصورا جديدا ومختصرا حتى لا تكثر التأويلات، فقلت إن بيداغوجيا الإدماج لن تدخل للثانوي حتى ننجز تقويما لها في التعليم الابتدائي، وحين يتبين لنا أنها أعطت نتائج على مستوى الجودة، ساعتها يمكننا تعميمها. أما الآن فسنقوم بتقويمها، فألغيت أيضا التقويمات التي كان الأساتذة يقومون بها على ضوء هذه البيداغوجيا، بناء على استشارات واسعة جدا مع متخصصين ومديرين وأساتذة، فما رأيته في طريقة إجراء المدرس لهذه التقويمات تعني ببساطة أن المدرس ستنتهي مهمته التربوية الحقيقية، ويجب أن تكون لدى كل معلم كاتبتان خاصتان، و لدى المدير عشر كاتبات، ولدى كل مفتش عشر كاتبات لأن ذلك يتطلب مجهودا ورقيا محضا لا مكان للتربوي فيه. لذا أوقفت عملية التقويم الورقي، وسأعطي للمعلم هامشا للحرية، بحيث يقوم بالتقويم بالطريقة التي يراها مناسبة على أساس التكوين المستمر، وبالطريقة التي كان يتم بها قبل هذه المذكرة، وهي مسألة سهلة وسلسة بعيدا عن تعقيدات هذه المذكرة. وما قمنا به مع هذه المذكرة هو إعطاؤها تسميات كبيرة، لكنها فارغة في العمق. والذي يريد تنفيذ مضامينها لن يجد نفسه مربيا، بل كاتبا عموميا على الأوراق، لذلك يجب إرجاع الهوية التربوية إلى المدرس.
ثالثا، مدرسة التميز. أحد المديرين اتصلت به لأن تلاميذ مؤسسته نظموا وقفة احتجاجية، وسألته له: هل قرأت الوثيقة على الأساتذة والتلاميذ؟ فاكتشفت أن هذا المدير لم يقرأها. إذ أن الوثيقة التي أرسلتها قرأناها أكثر من عشرين مرة، حتى تمت صياغتها بطريقة واضحة، وهذا المدير يقول لي: «قابلة للتأويلات»، لذا سألته: هل أنت هو المجلس الدستوري؟ فإذا عدنا إلى الوثيقة، فإنني ألتمس منهم العودة إلى صيغة المؤسسة العادية، بما يضمن السير العادي للدراسة ويراعي مصلحة المتعلمين والمتعلمات، ولكن بعد سلسلة الاحتجاجات وحجمها، عرفت أن وراءها أشياء لا علاقة لها بالتميز كهدف نبيل، بل بوجود بعض الأساتذة الذين يعملون عشر ساعات، ويدرسون عشرين تلميذا، فحرضوا هؤلاء التلاميذ. إن التلميذ الذي ظهر في ثانوية مكناس يقود الاحتجاجات، اتصلت به في منزله، وشجعته على نضاله، فقد يكون غدا زعيما سياسيا في هذا البلد، وطلبت منه أن يفسر لي ما فهمه من الوثيقة، وقلت له: «من قرأ عليك الوثيقة كذاب»، وطلبت منه أن يعود إلى من حرضه وأن يطلب منه أن يقرأ عليه رسالة الوزير ليس شفويا.
- وماذا عن مراكز التكوين الجهوية بعد قرار إلحاق المدارس العليا بالجامعات واستمرار تولي هذه المدارس مهمة تكوين أساتذة التعليم الثانوي لنجد أنفسنا أمام هذه المفارقة: أساتذة جدد في المراكز الجهوية مكلفون تكوين مدرسين جدد؟
هذا موضوع فعلا يحتاج إلى تنسيق مع وزارة التعليم العالي، وأنا والسيد الوزير لحسن الداودي، نشتغل بشكل تشاركي مكثف، لأن المتخرج من قطاع التعليم المدرسي يلتحق بالتعليم العالي، والعكس صحيح أيضا. ونحن ننسق لكي نضبط حاجياتنا للتدريس. ويظهر أننا سنعاني من خصاص في المستقبل على مستوى هيئة التدريس في الفرنسية والرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض. كما لنا خصاص الآن في تخصص الإنجليزية، ونحن ننسق لكي ننظم عملية التوجيه للتلاميذ الحاصلين على الباكلوريا لهذه التخصصات.
وفيما يخص مراكز التكوين الجهوية لابد من أن تكون لنا سياسة تكوينية لكي نواجه الخريطة المدرسية. ونحن لنا خصاص كبير يتم سده مؤقتا بأساتذة سد الخصاص والساعات الإضافية، لأن الدولة لا يمكنها أن تخلق كل ما يحتاجه القطاع اليوم من خصاص. نحن في حاجة إلى 15 ألف منصب سنويا، لكن الدولة غير قادرة على ذلك، فقانون المالية المقبل لا تتعدى المناصب الجديدة فيه 26 ألف لجميع القطاعات، وكتلة الأجور في التعليم ترتفع يوما عن يوم مقارنة بكتلة الأجور في باقي القطاعات، لذلك علينا ضبط عملية التكوين. وما قلته للدكاترة مثلا، هو أن تحقيق مطالبهم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأنه لا يمكن ترك الفراغ في مستويات التعليم الأخرى، التي كانوا يشتغلون فيها. وبخصوص إلحاق الدكاترة بمراكز التكوين الجهوية ابتداء من السنة الدراسية المقبلة، لا يعني أن كل من حصل على الدكتوراة هو بالضرورة مؤهل ليصبح مكونا، ففي الجامعة ذاتها هناك تدابير للانتقاء تقوم بها لجن لمعرفة الأصلح لمهمة التدريس في الجامعة.
لا يمكن الاستمرار في تخريب تعليم بلادنا، فتعلمينا لا يعاني بسبب مستوى التلاميذ، بل لأن الأستاذ عليه أن يكون مؤهلا للمهمة التي يقوم بها، أن يكون «صنايعي» ومحترفا له رغبة في التعاطي مع هذه المهمة، فليس كل عاطل لم يجد عملا في قطاع ما يصلح أن يكون مدرسا، لأن مهنة التدريس تفترض رغبة وحافزا. لذلك سننهج سياسة تكوينية خاصة، سواء بالنسبة إلى الأساتذة الجدد أو الأساتذة القدامى في إطار التكوين المستمر. هذا هو سبيل الجودة.
- وماذا عن مصير الميزانية الضخمة التي خصصت للبرنامج الاستعجالي؟
نحن الآن بصدد تقويم البرنامج الاستعجالي في جانبه المادي، والمنجزات الحقيقية والمشاريع التي لم تنجز، وهذا يحتاج إلى وقت لتحصيل هذا التقويم والاستنتاجات. وبالنسبة إلي إما أن تكون المدرسة مبنية أو غير مبنية، وأنا بعثت بلجان إلى كل الأكاديميات لمعرفة حقيقة المنجزات والتعثرات التي سنعترف بها، وبعض الأكاديميات لا تملك للأسف آليات لمراقبة عملية الإنجاز وتتبعها، وهذا أمر سنعالجه بوسائلنا الخاصة وبهدوء، والقول بالحكامة الجيدة لا يعني أن نقوم «بمطاردة الساحرات» مرة ثانية، بل هناك خطوات مؤسساتية مضبوطة، فهناك مفتشية للمالية والمجلس الأعلى للحسابات، وبعد ذلك نلجأ إلى القضاء، وما أريد التأكيد عليه للرأي العام هو أني ألتزم بألا يدخل للوزارة مكتب دراسات أجنبي، وسأعتمد على كفاءاتنا الوطنية وتجاربنا التي راكمناها على مدى الستين عاما بعد الاستقلال، لأنه إن لم توجد هذه المكاتب فهذا معناه أننا ننادي على الاستعمار، وبلادنا بها خبراء، وهذا مهم بدل الاعتماد على مكتب دراسات أجنبي ينتمي إلى بلد لم تطبق ما يقوله هذا المكتب. إن حمى مكاتب الدراسات في وزارة التعليم انتهت الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.