قال الكاتب الإسباني المقيم بمراكش خوان غويتيسولو، في حفل تكريمه نهاية الأسبوع الماضي بمدينة طنجة، إنه «لا وجود لثقافات منغلقة في العالم». وذهب الكاتب العالمي إلى القول إن التراث الإنساني يعتبر إرثا مشتركا بين كل الثقافات والحضارات. وجاء كلام غويتيسولو خلال تسلمه الجمعة الماضي «جائزة الثقافة والكوكب والمحيطات المستديمة»، التي تمنحها مؤسسة «رقص الحضارات». وللتدليل على عدم انغلاق الثقافات على بعضها البعض استشهد صاحب «الأربعينية» بمساهمة الإرث العربي في الثقافة الاسبانية، سواء من خلال ما تركه الحكم العربي الإسلامي بالأندس أو من خلال إغناء اللغة الإسبانية بمعجم كلمات عربي يزيد عن أربعة آلاف كلمة. ولم يفت خوان غويتيسولو في مناسبة تكريمه الإشارة إلى عمق آصرة الارتباط بالمغرب الذي اختاره مكانا لإقامته، حيث إنه انطلاقا من عام 1976 بدأ يقضي بضعة أشهر من السنة في مراكش إلى أن استقر بها نهائيا ابتداء من سنة 1997. وهو يقضي الآن وقته متنقلا بين مراكش و طنجة، وهما الفضاءان اللذان ألهماه العديد من مؤلفاته وكتاباته. ومن جانب آخر، أشاد غويتيسولو بأهداف مؤسسة «رقص الحضارات» من أجل الرقي بالعلاقات بين الشعبين والحضارتين المغربية والإسبانية، والعمل على تعزيز التقارب بين بلدان المتوسط. ويأتي منح خوان غويتيسولو «جائزة الثقافة والكوكب والمحيطات المستديمة»، في نسختها الثالثة، كتتويج لجهوده وكتاباته حول حوار الحضارات والمساهمة في التقارب وإقامة الجسور بين إسبانيا والمغرب. ومن جهته، أعرب رئيس مؤسسة «رقص الحضارات»، مانويل بيريث كاستل، بهذه المناسبة، عن مدى اعتزازه بمنح هذه الجائزة لكاتب كبير عرف، من خلال مؤلفاته، كيف يوطد الروابط الثقافية بين المغرب وإسبانيا وبمنطقة المتوسط عموما. وأضاف بأن تكريم غويتيسولو بطنجة يحمل رمزية كبيرة لمدينة شكلت على مر التاريخ جسرا بين أوربا وإفريقيا، ومكانا التقت وانصهرت فيه ثقافات المغرب وإسبانيا. جدير ذكره أن هذا التكريم هو الثاني من نوعه الذي يحظى به خوان غويتيسولو بمدينة طنجة بعد إطلاق اسمه سنة 2007 على مكتبة المعهد الثقافي الإسباني (ثيربانتيس)، التي تعتبر أكبر مكتبة في المغرب وإفريقيا من حيث المصادر باللغة الإسبانية، وإحدى أقدم المكتبات الإسبانية في الخارج. وتسعى مؤسسة «رقص الحضارات» إلى النهوض بالعلاقات الثقافية والتربوية والمدنية بين مدن وسكان منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط والتعريف بالتراث الثقافي المشترك. والكاتب الإسباني الشهير من مواليد 1931 بمدينة برشلونة، ألف أزيد من أربعين كتابا ترجم أغلبها إلى اللغة العربية، وقرر منذ سنة 1997 الاستقرار بمدينة مراكش التي استلهم منها العديد من مؤلفاته. وكان غويتيسولو قد ابتعد عن محيط عائلته المرموق، إذ في سنة 1956 سافر إلى مهجره الاختياري بباريس حيث تعرف على مندوبين لمجلتي «رواية جديدة» (Nouveau Roman) ومجلة «تيل كيل». ساند وقت الحروب اليوغوسلافية المقاومة البوسنية المسلمة في سراييفو بكل مؤلفاته ومقالاته. وقد حصل سنة 1993م على جائزة نايلي زاكس. يتكلم خوان عن التاريخ الإسلامي ويقول: «أنا لست إسبانيا لأنني لا أفتخر بأن أكون من بلد بدأ على أساس دموي، فمملكة إسبانيا نشأت عند زواج فرينداد وإيزابيل، ملكي قشتالة والأراغون، على حساب المسلمين وعلى حساب قتلهم. أكون إسبانيا عندما نعترف اعترافا كاملا بأن جزءا كبيرا من إسبانيا الدولة والثقافة إرث عربي وإسلامي». ويضيف بأنه من أصل عربي أجبرت أسرته على التنصّر. وغويتسولو معروف بمناصرته لقضايا الإسلام والمسلمين، وخصوصا القضية الفلسطينية. كما أنه اشتهر موقفه ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر، إذ كان معروفا عنه أنه كان يخبئ الجزائريين عنده في البيت ويوفر لهم الحماية. ويعتبر خوان غويتيسولو من أبرز كتاب اللغة الإسبانية في العصر الحاضر.إذ يعدّه الكثيرون أهم كاتب إسباني وأفضلهم بعد الأديب الكبير ثربانتش. كما يعتبره الكثيرون مثل شكسبير. كتب العديد من الروايات، نذكر من بينها «دون خوليان»، «فضائل الطائر المتوحد» و«حياة آل ماركس الطويلة»... كما ألف العديد من الروبورتاجات الروائية عن العالم العربي والإسلامي (القاهرة، الجزائر، غزة، فاس، كبادوكيا واسطنبول وغيرها) وكذا عن حرب الشيشان. تعلم في مراكش العامية المغربية وكتب روايته الشهيرة «مقبرة» التي تستلهم لغات الشارع والحياة اليومية والخيال الشعبي لرواة الساحة.