خصص مرصد العدالة بالمغرب، ندوته التي عقدها مساء أول أمس السبت بمدينة فاس، ل«الشرطة القضائية»، واستدعى قضاة وحقوقيين ومحامين لمناقشة «صلاحياتها» وطرق الحد من «انزلاقات» بعض ضباطها. وقال عبد الرحمان بنعمرو، رئيس المرصد، إن القانون والحريات والحقوق تعتبر أولى الضحايا في حال غياب الكفاءة لدى رجال الشرطة القضائية. وانتقد بنعمرو محاكمات سياسية سابقة، في التاريخ الحديث للمغرب، وأشار إلى أن عددا من السياسيين والنقابيين وقفوا أمام المحاكم للطعن في محاضر الشرطة القضائية، إما بصفة كلية أو جزئية، وتحدثوا عن «تزوير» في الاستنطاق والتفتيش وتحرير المحاضر. وذكر بأن النيابة العامة في هذه المحاكمات تتبنى محاضر الشرطة القضائية، وترتكز عليها في إصدار الأحكام، في وقت ينسب فيه لرجال الشرطة أخذ التصريحات بواسطة التهديد. وتحدث محمد بوزلافة، أستاذ جامعي متخصص في القانون الجنائي بجامعة فاس، عن صلاحيات واسعة منحها القانون للشرطة القضائية، وأعطى لها إمكانية اتخاذ القرار في البحث التمهيدي التلبسي. ودعا إلى إمكانية المساءلة في حال تجاوز الصلاحيات. واعتبر بوزلافة أن الدستور الجديد يقدم مقتضيات جديدة لحماية الحقوق والحريات، لكن الوقت في نظره لا يكفي لتقييم مدى احترام هذه المقتضيات من قبل العاملين في هذا الجهاز، الذي ارتبط اسمه في السابق بانتقادات تتعلق باتهامات بسوء المعاملة والمحاضر الجاهزة والدفع إلى التوقيع عليها تحت الإكراه، والتقدير في وضع المشتبه فيه رهن الحراسة النظرية. وأشار مرصد العدالة بالمغرب إلى أن تنظيم هذه الندوة، التي شارك فيها نادي القضاة بالمغرب وهيئة المحامين بفاس وجمعية عدالة، يبرر الأهمية التي يكتسيها ما تنجزه الشرطة القضائية من محاضر مشتملة على وقائع ومعاينات وتفتيش للمنازل وغيرها، وما قد يرفق بهذه المحاضر من مستندات ووثائق وأدوات كأدلة قد تستند عليها النيابة العامة وقضاء التحقيق في تقرير المتابعة، كما قد يعتمد عليها قضاء الحكم في الإدانة بعقوبات ترهن مستقبل المدان. ويعهد إلى الشرطة القضائية التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها، كما تقوم بتنفيذ أوامر وإنابات قضاء التحقيق وأوامر النيابة العامة. وتضم الشرطة القضائية، بالإضافة إلى الوكيل العام للملك ووكيل الملك ونوابهما وقاضي التحقيق، بوصفهم ضباطا سامين للشرطة القضائية، ضباط الشرطة القضائية، وضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث، وأعوان الشرطة القضائية، والموظفون والأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية. ووصف المحامي مصطفى اليعقوبي أول قانون للمسطرة الجنائية بالمغرب لسنة 1959 بالمتقدم في تلك المرحلة، وقال إنه كان يلزم ضابط الشرطة القضائية، قبل تمديد الحراسة النظرية، بتقديم المشتبه به أمام أنظار المحكمة والحصول على إذن بالتمديد، لكن سجلت تراجعات في تعديلات 1962، وأصبح تمديد الحراسة النظرية مشروطا فقط بالحصول على إذن كتابي من المحكمة. وأشار المحامي اليعقوبي إلى أن أبرز التراجعات سجلت في تعديلات 1974، والتي ارتبطت بسياق سياسي متوتر، وسجلت في تلك الفترة أكبر محاكمات سياسية. وفي تعديلات المسطرة الجنائية لسنة 1991، سمح للمحامي بأن يحضر إلى جانب المتهم أمام النيابة العامة فقط. وقال اليعقوبي إن هذا الحضور يكون بالجسد فقط، وعادة ما يتقدم المحامي بملاحظات حول سوء المعاملة، حتى في قضايا الحق العام، لكن ممثل النيابة العامة يرفض تحريرها، وإحالة المتهم على الخبرة الطبية. ولم يفتح المشرع الباب، في التعديلات الأخيرة لسنة 2002، أمام الدفاع للحضور «الفعلي» أثناء الحراسة النظرية للمتهم، وهو الأمر نفسه الذي انتقده الأستاذ الجامعي بوزلافة عندما تحدث عن انفراد الشرطة القضائية بالمشتبه فيه، وبالأشخاص والشهود والضحايا والمتهمين، معتبرا أن هذه العلاقة لا يجب أن تكون انفرادية، ولكن يجب أن يكون حضور القضاء، إضافة إلى ما أسماه الجانب الحقوقي. ودعا هذا المحامي إلى ضرورة فصل الشرطة القضائية عن الشرطة فيما يتعلق بالجانب المهني، وجعلها تابعة للسلطة القضائية.