رغم أن قوات الردع المغربية لم تعلن مسؤوليتها عن عملية اختراق الأنظمة المعلوماتية لأحد الأبناك والكشف عن الحساب الجاري لمدرب المنتخب المغربي لكرة القدم، فإن قراصنة الأنترنيت خلصوا ملايين المغاربة من سؤال الراتب الشهري للناخب الوطني والذي ظل يستفزهم كلما مروا أمام وكالة بنكية قطع الهاكر المغربي الشك باليقين وكشف عن السر المكنون، وتبين أن القضية تتجاوز حكاية الراتب الشهري إلى رواتب أسبوعية عبارة عن منح تقدر بملايين الدراهم، وسخاء حاتمي لجامعة قالت فور تعيينها في أبريل 2009 إن الشفافية هي العملة الرسمية في تعاملاتها اليومية، لم ننتبه حينها إلى أن الشهر شهر أبريل الذي يستباح فيه الكذب والبهتان. يبدو أن قوات الردع المغربية قد أحدثت شعبة مختصة في الشأن الرياضي منذ الصيف الماضي، حين أسقط هاكرز مغاربة الموقع الرسمي لدورة الألعاب العربية التي جرت في قطر وموقع الحكومة القطرية وموقع الشيخة موزة وأرسلوا قذائف مدمرة لصفحات الفايسبوك القطرية، بعد حكاية بتر جزء من خارطة المغرب من طرف منظمي الألعاب العربية؛ لقد ظهر حزب جديد اسمه حزب القراصنة تفوق على المجلس الأعلى للحسابات في الكشف عن بؤر الفساد وتسلل، دونما حاجة إلى ترخيص مسبق من جهات قضائية، إلى أرصدة كبار العابثين بالمال العام، دفاعا عن الشفافية والحرية والكرامة. لست ضد هذا الحزب لأنه أعفى الكثير من الصحافيين من محنة البحث عن خبر الراتب، وأعفى محمد أوزين، وزير الشباب والرياضة من الحرج الذي لازمه، منذ أن أعلن استعداده للكشف عن راتب مدرب المنتخب إعمالا لمبدأ الشفافية، وحين اصطدم بجدار الحقيقة تراجع وقال إن الكشف عن الراتب ليس من اختصاص الوزارة، كما أعفى علي الفاسي الفهري، رئيس الجامعة، الذي اعترف أمام البرلمانيين بأن الراتب نقطة سوداء في مساره. لست ضد القراصنة لأن سوء النية غير متوفر في عملية الاختراق، فقد كان بإمكانهم السطو على بطاقة الائتمان البنكية لغيريتس وتحويل مدخراته إلى جمعية خيرية أو إلى فريق كرة في بلدة نائية يعاني من احتباس مالي، لكن العفة وروح المواطنة جعلتهم يكتفون بكشف حقيقة الراتب الذي شغل كل المغاربة. لست ضد الهاكرز لأنه لولا ويكيليكس وما ترتب عنه من حقائق صادمة للقادة العرب لما انتفض الشارع العربي، واستبدل قصائد المديح بشعر الهجاء، ولما اخترع العرب في مختبر الثورة دواء اسمه «إرحل» يتناوله المواطن كل جمعة بعد الصلاة. في آخر خروج إعلامي للمدرب غيريتس، توعد برفع دعوى قضائية ضد الأمين العام لحزب القراصنة المجهول، بتهمة العبث ببريده والكشف عن عائداته، بينما نصحه عضو جامعي يلقبه رفاقه ب«المفرد في صيغة الجمع» بفتح حساب بنكي في سويسرا يضمن الحد الأقصى من الحصانة، واقترح عليه عضو غير كامل العضوية تلقي رواتبه «كاش» بدل التحويلات التي يعترض طريقها القراصنة. لا ننتبه إلى راتب المدير العام للمنتخبات الوطنية لكرة القدم الهولندي بيم فيربيك، رغم أنه يفوق 120 ألف دولار، ولا نعير اهتماما لراتب مدير التكوين الفرنسي بيير مورلان، الذي يتجاوز 30 ألف دولار، لأن الحديث عنها مؤجل إلى ما بعد سقوط المنتخب الأولمبي في امتحان الأولمبياد اللندني. من المفارقات الغريبة في جامعة الفهري أنها تحتمي بالبند السري من كل سؤال محرج، فالسرية لا تشمل رواتب المدربين، بل تتعدى ذلك إلى تعويضات الأعضاء الجامعيين وصفقة وكالة الأسفار والأمتعة الرياضية وموعد الجمع العام وأسماء الحكام الموقوفين، لأن بندا راقدا في دماغ الفهري يحرضه على قضاء حوائجه بالكتمان. السرية والشفافية لا يلتقيان إلا بإذن الله. حسن البصري