اقتحم الشّداهُ عقلي بدون استئذان وأنا أتابع مقطع فيديو قصير أضيف إلى جدار صفحتي على الأنترنت، يصور لحظة اختيار ملكة جمال المغرب. واعتصرني ألم خانق لمّا تأكدت أن المرأة التي تقدم المسابقة هي المذيعة القديرة سناء زعيم، التي كنتُ قد حرصْتُ على تلبية دعوتها لأكون ضيفها في برنامجها الشهير على إحدى الإذاعات الخاصة لمدة ساعتين، تقديرا لجرأتها في النقاش واحتراما لمهنيتها.. حاولت أن ألتمس لها أعذارا كثيرة، لكنني عجزت عن فهم كيف لامرأة شريفة كتلك أن تقبل أن تكون طرفا مدفوع الأجر -مهما كان هذا الأجر- وتَعرضَ للجمهور فتيات يافعات -غافلات أو مستغفَلات- كما تُعرَض النعاج يوم النحر في الأسواق.. هي التي احتجت عدة مرات مع ضيوفها على عدم تمثيل المرأة بالشكل اللازم في الحكومة!.. أريد أن أذكّر بأصول هذه المسابقة، حتى يتسنى لها ولنا فهم السياق الذي تأتي فيه هذه التظاهرة والفلسفة التي تحكمها.. فالذي أسس «المسابقة» هو رجل الأعمال البريطاني إريك مورلي، المزداد 1918 والمتوفى عام 2000.. رجل أعمال وليس مفكر ولا مثقف ولا مناضل، رجل همُّه «البزنس» والربح السريع والمتاجرة، وسماه في البداية «المهرجان الدولي للبيكيني»، والبيكيني هو لباس البحر، الذي تحفظت النساء حينها كثيرا على ارتدائه.. وكان، حينَها، قد طرح حديثا في الأسواق، فصار الهدف الأول هو التشجيع على الإقبال عليه، مسوّقا لذلك بكونه لباس الجميلات والرشيقات.. وتحقق ذلك ذات 29 يوليوز من عام 1951.. ولم تشارك في «المسابقة» حينها إلا 5 دول، وفكر مورلي، بعد ذلك، في ضم الدول الأكثر تحفظا إلى تغيير «البيكيني» ب«المايو»، المكون من قطعة واحدة، وتنازل عن كشف السرة.. وقد عارضته الحركات النسائية بشدة، مما اضطر المنظمين إلى إضافة «الذكاء» و»الشخصية» كعنصرين لاختيار ملكات الجمال، إضافة إلى الشكل الخارجي، تشارك فيه أزيد من 100 دولة حاليا ويتابعه زهاء مليار مشاهد عبر العالم ويحكمه نظام «الفرانشيز»، حيث لا بد للدولة المشارِكة أن تدفع الرسوم بالعملة الصعبة للمنظمة البريطانية، حتى تَنضمَّ إلى هذه المسابقة.. ويشترط أن تكون المترشحة امرأة، أنثى المولد (يقصى المتحولون جنسيا) وأن تكون غير متزوجة ولم تحمل من قبل، وعمرها بين 17 و24 سنة.. هنا السؤال، لماذا يريدونها عازبة؟! لسنا نحتاج إلى ذكاء خارق لكي نفهم ماذا يُنتظر منهن.. ليست هذه هي المشاركة الأولى للمغرب، ففي خلسة من أنظار الشعب سبق أن شارك سنة 1968 وأحجم، بعدها، عن المشاركة ولم «يقترف» هذه التفاهة إلا في سنة 2012.. تاريخ هذه المؤسسة أسود، نذكر جميعا عام 2002، حين قررت نيجيريا استضافة نهائيات ملكة جمال العالم في أبوجا، حين قاطعت مجموعة من المشاركات المسابقة تضامنا مع آمنة وال، المحكومة بالإعدام، وقام أحد الصحافيين مستفزا المسلمين بقوله إن «نبي الإسلام سيكون سعيدا بأن يختار زوجة من إحدى المترشحات»!.. وقد تسبب ذاك الصحافي في احتجاجات عنيفة -و هذا أضعف الإيمان- للساكنة المسلمة في شمال نيجيريا، وأدت الأحداث إلى وفاة أزيد من 200 ضحية. وقد نُقلت المسابقة، على جناح السرعة، إلى بلدها الأصلي في لندن، وبقدرة قادر، تفوز شابة مسلمة، هي أزرا أكين، التركية!.. في أوربا وأمريكا، تُرفع عدة شعارات مناهضة للمسابقة، فحسب المنظمات النسائية، تُقدَّم المرأة وتُعطى قيمة فقط بمظهرها الخارجي ومقاسات أعضائها الجسدية.. وقد أقصيت من المسابقة السنة الماضية سانيا دي لابيغا، ملكة جمال المكسيك، ذات العشرين سنة، بسبب زيادة 3 كيلوغرامات في وزنها!.. وعُلل الإقصاء بعدم الالتزام بالعقد! ولذا حذر المربّون من مخاطر هذه «المسابقة» على الشباب، حيث تمارس ضغطا كبيرا على المراهقات حتى يصبحن كالمتنافسات على لقب «ملكة الجمال»، بصرف أموال باهظة على ملابسهن وعلى الماكياج ومستحضرات الشعر والجراحة التجميلية والحميات الخطيرة، مما قد يؤدي إلى الوفاة بمرض فقدان الشهية الكلي أو بالشره المرضي. هل هذه هي المرأة التي نريد أن نصنع بها نهضتنا في بلدنا؟ المرأة/ الشيء، المرأة- الدمية، المرأة- «الباربي»، المرأة/ الجسد، المرأة/ اللعبة، المرأة/ الإثارة، المرأة/ المتعة، المرأة/ الفرجة، المرأة/ الديكور، المرأة/ الأثاث، المرأة/ السلعة، المرأة/ الوسادة، المرأة/ الأداة، المرأة/ الغائبة، المرأة/ الجارية، المرأة/ الأََمَة، المرأة/ الباغية، المرأة/ الغريزة، المرأة/ الاستعراض، المرأة/الفلكلور، امرأة البيكيني، المرأة/ العُري، المرأة المُباعة، المرأة المُشتراة، المرأة المستباحة، المرأة الفرج، المرأة/ الثدي، المرأة/ الأفخاذ، المرأة/ المؤخرة، المرأة/ السِّلكون، المرأة/ المرآة، المرأة/ العيب، المرأة المَنقصة، المرأة/ الفضيحة، المرأة/ العار.. أم إن نهضة الأمم تصنعها المرأة -المروءة، المرأة -الأم، المرأة -الأخت، المرأة -السيدة، المرأة -العزة، المرأة -العفة، المرأة -الكرامة، المرأة -العِرض، المرأة -القوة، المرأة -الأنفة، المرأة -الرئيسة، المرأة -المخترعة، المرأة -العالمة، المرأة -الفقيهة، المرأة -التاريخ، المرأة -المجد، المرأة -الغيرة، المرأة الحامل، المرأة النفساء، المرأة الجليلة، المرأة -الصّمود، المرأة -الأدب، المرأة -الشِّعْر، المرأة -السمو، المرأة -الرقي، المرأة -الحجاب، المرأة -الروح، المرأة -الحياء، المرأة -الحب، المرأة الثائرة، المرأة الشهيدة، المرأة -الأسرة... هل بلغ بنا العجز حتى صرنا نجبن عن امتطاء جياد التفوق الجامحة، فقدّمنا نساءنا قربانا رخيصا للأسياد والقدوة في الغرب؟ هل عجزنا عن أن نكون مثل من خلا من العرب في الجاهلية وليس الإسلام، حين كانوا ينشدون عن نسائهم وأعراضهم: وإذا شربت فإني مستهلك مالي وعرضي وافر لم يكلم وكذلك: أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض بمال أحتال لمال إن فني فأجمعه و لست للعرض إن فني بمحتال وكذلك: أغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها أما في عهد الإسلام فأترك الجواب للحكومة الجديدة لتجيبنا!.. استشاري علوم جنسية