عبد الله الستوكي صحافي وكاتب وناشر ومؤسس جرائد حزبي التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري، وأحد مؤسسي وكالة المغرب العربي للأنباء، عاين عن قرب التحولات التي عرفها المغرب بصفة عامة، وصحافته بشكل خاص، على مدى عقود من الزمن. - ألم تشك عندما تم تكليفك بإنشاء جريدتي «الميثاق الوطني» و«المغرب» في أن الأمر كان يتعلق بحزب جديد في طور التأسيس؟ < كنت أشك في ذلك، خاصة وأنه سيتم الإعلان عن تأسيس حزب «التجمع الوطني للأحرار» بعد بضعة أشهر من تشكيل مجموعة النواب، وكانت نقطة التقائهم تتمثل في الورقة البيضاء، رغم أن الأحزاب لم يكن يسمح لها باتخاذ اللون الأبيض شعارا لها (كان اللون الأبيض موجها للاستعمال الإداري، في حين يعتبر لون الملك في المتخيل الشعبي). كلتا الجريدتين أصبحتا بشكل أوتوماتيكي في ملكية الحزب الجديد. - كيف كانت علاقاتك مع أحمد عصمان في تلك الفترة؟ < لم يكن أحمد عصمان يمارس الوصاية على المستويين السياسي أو الإيديولوجي، وإنما كانت الأمور تسير بشكل طبيعي دون أوامر محددة أو توجيهات خاصة. وحتى أجيب عن السؤال المطروح، أقول إنه من الصعب أن يدعي أحد معرفة عصمان على نحو جيد، وإن كنت أعجبت ببعض الكفاءات والمؤهلات التي أبان عنها هذا الرجل إلى حدود اليوم الذي تركت فيه الجريدتين اللتين لاحظت أنه سجل ملكية مقرهما باسمه. - اشتغلت مع عصمان بصفتك مكلفا بمهمة في ديوانه عندما كان وزيرا أول قبل أن يصدر جريدتيه. ما هي الذكريات التي تحتفظ بها عن تلك التجربة؟ < كنت مكلفا بالصحافة والاتصال في الوزارة الأولى، وبأشياء أخرى بالنظر إلى أن الوزارة الأولى ليست لها هيكلة إدارية، إنها ديوان موسع، خاصة وأنني كنت في القطاع السياسي الذي كان أقل تنظيما من القضايا الاقتصادية. - أسست كذلك جرائد حزب الاتحاد الدستوري، وأصبحت بمثابة متخصص في تأسيس الصحف الحزبية.. < نعم مع الأسف (يبتسم). - ولماذا تتأسف؟ < لا يمكن أن أعتبر ما أنجزته عملا بطوليا، وإن كنت بذلت مجهودات من أجل الرفع من جودة المنتوج الصحافي، في وقت لم تكن فيه الظروف تسمح بالمستوى الضروري من حرية التعبير لممارسة مهنة الصحافة. - هل سبق لك أن كنت ضحية للرقابة أم إنك كنت تُدير «صحفا حكيمة»؟ < ربما أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة إلى صحف التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري، لكنني أتذكر أن الملك الراحل الحسن الثاني عقد ندوة صحافية عندما كنت رئيس تحرير «لاديبيش» أحال في معرض حديثه عن علال الفاسي على قصيدة جميلة لم يتوفق في ذكر الاسم الحقيقي لناظمها، حيث قال إنها للشاعر فرانسوا كوبي، في حين أن الأمر كان يتعلق في الواقع بقصيدة «المزهرية المكسرة» ل«سولي برودوم» الحائز على أول جائزة نوبل في التاريخ. أشرت إلى ذلك في مقال، وبلغني أن إدريس السلاوي قال للملك إن ما فعلته تكبر وصلف من جانبي، لكن الملك أكد له أنه سلوك شريف يجب تشجيعه. وأشير إلى هذا لأن بعض الجرائد المغربية تقول إن الملك الراحل كان يكره التشجيع، وإن كان مسؤولا عن بعض الأخطاء. إنني ضد هذه الافتراءات لأن الملك الراحل يمكن أن يكون ارتكب أخطاء مثل باقي البشر، ولذلك سيبقى استثنائيا ورئيس دولة كبيرا رغم كل العيوب التي يمكن أن تلصق بشخصه. - هل التقيت بالملك الراحل الحسن الثاني؟ < في الواقع لم ألتق به سوى مرات قليلة، ربما مرة أو مرتين. لقد كان من الصعب أن لا أبهر به بالنظر إلى سني في تلك الفترة، خاصة وأن لقائي الأول معه تم عندما كنت أعمل في الوزارة الأولى بعد مرور مدة قصيرة عن المسيرة الخضراء، حيث قدمت له كتابا عن تلك الملحمة توليت مهمة التنسيق بين مؤلفيه، وكان أول كتاب يتناول هذا الموضوع. وقد لاحظت أنه يعرف بشكل دقيق كيف ينظم الأمور ويأمر الناس باتباع بروتوكول يصعب الالتزام به. أشير كذلك إلى استقبال الملك الراحل لصحافي فرنسي من «راديوسكوبي» يدعى جاك شانسيل لتسجيل الاستجواب الشهير للملك. وللخروج عن المألوف في مثل هذه الأعمال، قال له الملك: «هل تعتقد أنه يمكن في ساعة واحدة أن نلم بشخص ما؟ وماذا لو أنني بدأت لعبة الاستجواب؟» أجاب الصحافي: «لكن يا صاحب الجلالة، ابدأ». وفي نهاية الاستجواب، طلب مني الملك أن أرافق الصحافي إلى كازينو مراكش، لأنه فطن إلى أن جاك شانسيل كان لاعبا بارعا، وطلب من مولاي أحمد العلوي أن يعطيني مبلغ 10 آلاف درهم، لم أتسلم منه شيئا. وهكذا توجب علي أن أتدبر أموري وأتولى دفع كل نفقات الصحافي الفرنسي، ولم يتم تعويضها إلا بعد عدة أسابيع، وإن كان شانسيل أثبت أنه لاعب كبير، إذ لم يشرب ولم يأكل شيئا، وإنما اكتفى فقط باللعب. ترجمة - محمد بوهريد