في قرار وزاري مشترك بين وزيري الاتصال والمالية، صدر عام 2005، صار للدعم الذي تخصصه الدولة للأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة اسم جديد هو «التسبيق على المداخيل».. وهو جديد بالنسبة إلينا فقط، لأنه ليس كذلك بالنسبة إلى بلدان أخرى (على رأسها فرنسا، التي استعير التعبير منها مباشرة)، لكنْ ضمن سياق آخر، مختلف عن سياقنا كل الاختلاف، إلى حدّ أن استعارته في «الحالة» المغربية ينمّ عن أن «المستعيرين» بعيدون كل البعد عن المشهد السينمائي المغربي ولا علاقة لهم به، على الإطلاق. إن تعبير «التسبيق على المداخيل» يعني أن الأفلام المدعومة من قبل الدولة سوف تستعيد ما صرف عليها من أموال على الأقل (دون التفكير في الأرباح المحتملة)، ومن ثمة ستُرجِع ما حصلت عليه من دعم إلى أصحابه، سواء بشكل جزئي أو كلي. ومن الطبيعي أن استعادة تلك الأموال لا يمكن أن تتم إلا عن طريق عرض الأفلام المدعومة في قاعات السينما على طول وعرض الوطن، ليس لأسبوع أو لأسبوعين وإنما لفترة طويلة نسبيا. لكن هذا الأمر غير ممكن على الإطلاق في الحالة المغربية، بسبب الإغلاق المتزايد للقاعات السينمائية وعدم إصلاح المتوفر منها، إضافة إلى التوقف عن فتح قاعات جديدة. معنى ذلك أن الحديث عن «التسبيق على المداخيل» هو حديث خادع، يسعى إلى إخفاء حقيقة أن السينما في بلادنا لا توجد إلا لأن الدولة تدعمها، وبالتالي فإن هذه السينما ستتوقف عن التواجد بشكل شبه كلي إذا تم -لا قدّر الله- إغلاق «صنبور» الدعم في يوم من الأيام، الأمر الذي يعني -من جهة ثانية- أن «صندوق الدعم» قد فشل في المهمة التي أشيء لأجلها، وهي المساعدة على ظهور صناعة سينمائية مغربية، حيث لم تجرؤ الاستثمارات الخاصة، إلى حدّ الآن، على الولوج إلى مجال السينما، بكل بساطة لأنه، والحالة هذه، مجال للخسارة ولي للربح. وينبغي الاعتراف بأن الطريقة التي تم بها تدبير «صندوق الدعم» إلى حد الآن هي المسؤولة، بالدرجة الأولى، عن هذا الإخفاق وعن تحوُّل الصندوق إلى أداة معرقلة لانبثاق الصناعة السينمائية المنشودة: - فتدبير الدعم ركّز على الأفلام وأهمل القاعات، رغم أن القرار الوزاري المنظِّم للدعم ينص على توزيعه مناصفة بين الأفلام والقاعات، -وتدبير الدعم لم ينشغل بتوجيهه إلى الجهات التي تستحقه، وهي الشركات الموجودة أصلا، وأعطى الأولوية لشركات يتم إنشاؤها من قبل المخرجين أنفسهم، مما حوّل المخرجين إلى منتجين تتداخل الحسابات المالية لديهم بالحسابات الفنية، مما ينعكس بالسلب على المنتوج النهائي الذي يظهر وكأنه أعدّ على عجل، في ظروف غامضة وملتبسة، -وتدبير الدعم حوّله من وسيلة لإعطاء دفعة أولى للمخرجين تساعدهم على أن يختطوا طريقهم ويواصلوا عملهم بناء على إمكانياتهم الذاتية (اعتمادا على شركات إنتاج خاصة، مثلا)، إلى وسيلة وحيدة لإنتاج الأفلام، لا يمكن العمل خارجها، بحكم أنها تضمن للمخرج الواحد أن ينجز عددا غير محدود من الأفلام دون أن يتعرض للمساءلة، - وتدبير الدعم أدى إلى «كسل إبداعي» غير مسبوق، حيث صار المخرج ينجز فيلمه بسرعة وكيفنا اتفق، «مطمئنا» إلى أن هذا لن يعرض على الجمهور ولن يخضع لمحاسبته وأنه سيظل في العلب، ومن المعروف أن غياب الانشغال بالمُشاهِد (الذي يفترض أن يقبل على الفيلم ويدفع تذكرة لمشاهدته) من شأنه أن يلعب دورا تدميريا تجاه كل صناعة سينمائية مأمولة ومنتظرة، - وأخيرا، فإن تدبير الدعم (في السنوات الأربع الأخيرة بالخصوص) يؤدي إلى تدمير المهنة والإبداع السينمائيين، بلجوئه إلى تفضيل المشاريع التي يقدمها هواة ومبتدئون (لا علاقة لمعظمهم بالسينما) على مشاريع يقدمها مخرجون درسوا السينما وتخصصوا فيها.. لكل ذلك، ينبغي القول إن تدبير دعم السينما صار، بدوره، في حاجة إلى مراجعة مستعجلة، كي لا يتم عبره إطلاق «رصاصة الرحمة» على السينما المغربية...