لم يكن إبراهيم، المتحدر من دوار صغير في إقليم طاطا، يحلم يوما أن تدر عليه مهنة «الوساطة والقوادة» أرباحا طائلة بدون كد ولا تعب. كما لم يتصور يوما أن يزُجّ به طمعُه وراء القضبان. محيط إبراهيم المحافظ وانتماؤه إلى أسرة فقيرة مكونة من أب فلاح وأم أمية وثمانية إخوة.. دفعت به، إلى جانب ظروف أخرى، إلى أن يلعب دورا «بطوليا» لرجل المواقف وأخذ زمام المسؤولية كاملة، غير أن مستواه الدراسي لم يكن كافيا لكي يؤهله إلى الاشتغال في وظيفة محترمة ومواجهة متطلبات العائلة المضاعفة، ما دفعه إلى شق طريق محفوفة بالمخاطر. هاجر إبراهيم إلى الرباط في سنة 1973، بعدما انفصل عن الدراسة في المستوى الأول إعدادي، بحثا عن مورد رزق لعائلته وزوجته وأبنائه. بدأ عمله في بيع الأحذية، ليغيّر العمل في سنة 2001 ويصير تاجرا في مدينة سلا. لم يكن مدخوله الشهري يغطي جميع متطلبات الحياة اليومية، فارتأى أن يزاول أنشطة أخرى، بالموازاة مع عمله. كانت أول تجربة له في النصب والاحتيال عندما تَقمَّص دور «مساعد» المواطنين المغاربة المتعطشين إلى السفر إلى الضفة الأخرى، بحثا عن العمل، بعدما استعصى عليهم ذلك في وطنهم. تحايل إبراهيم على عدد من المواطنين، إلا أنه سُجِن بعد تسجيل شكاية ضده، قضى إثرها عقوبة سجنية مدتها 22 شهرا. ونظرا إلى الأرباح التي «تقاطرت» عليه في هذا المجال، عاد بعد خروجه من السجن إلى نفس «العمل». لم يردعه السجن ولم يُثنه عن أفعاله، إذ بعد مرور سنوات قليلة من إطلاق سراحه، أعيد إلى السجن وقضى فيه سنة إضافية. بعد مغادرته أسوار السجن، أصبح يفكر في صيغة أخرى لجني المزيد من الأموال في مجال مربح، بعيدا عن النصب على المغاربة، عبر إيهامهم بقدرته على تهجريهم. بدأ إبراهيم يضع لنفسه خططا أخرى تضمن له موردا مُهمّاً. تعرف على عدد من الوسطاء وأصحاب الشقق المفروشة، دخل معهم في معمعة يكون الداخل إليها مسجونا والخارج منها مولودا. أُعجب إبراهيم ب»عمله» الجديد، فبدأ يوسع شبكته كي لا يخضع لأوامر أحد ولكي يصير وسيطا من «الدرجة الأولى».. بمرور السنين، أضحى من «المشاهير» في سوق الاتجار بلحوم من يقدمن أجسادهن من أجل لقمة العيش.. غير أنه بعد افتضاح أمره، تم اعتقاله لمدة ستة أشهر بتهمة القوادة والوساطة وإعداد وكر للدعارة في أحد أرقى أحياء العاصمة الإدارية. بعد إدمان إبراهيم «تجارة الرقيق»، صار دخوله السجن أمرا «اعتياديا» ولم تردعه السنوات التي قضاها خلف القضبان عن أفعاله، بل تمادى فيها أكثر فأكثر. لُقِّب ب«الفيبرور» وهو اسم أطلقته عليه العاهرات والمومسات اللواتي يتوسط لهن، نظرا إلى مشيته الفريدة والمضحكة. طريقة «اصطياد» الحسناوات اختيار الزمان والمكان من بين الأمور التي يجب على وسيط الدعارة أن يأخذهما بعين الاعتبار. شارع فال ولد عمير أحد الشوارع التي تمر منها الحسناوات من جميع الأطياف: الشقراوات، السمروات وغيرهن من الجميلات. في هذا الشارع، يجد إبراهيم فرائسه اللواتي «يصطادهن» بفن وإتقان لا يعرفه إلا «صْحاب الحْرفة». فرغم «شكل» إبراهيم، الذي لا يعجب الكثير من الفتيات، فإن أسلوبه وطريقة تعامله مع بنات الشارع، إضافة إلى تجوله على متن سيارة فارهة تسيل «لعاب» من يبحثن عن «اللّعاقة»، كما يصطلح على الأموال في أوساط ممتهني الدعارة، يعطيانه صفة رجل أعمال «بوكو حبة»، وهذه طريقة ينهجها المحترفون في مجال القِوادة لاستدراج الفتيات من مختلف الأعمار. ولإبعاد شبهة التنقل عبر سيارته الفاخرة والتي اشتراها من مدخول «عمله»، لأغراض القوادة، فقد قام بتسجيلها في اسم ابنه، الذي يشتغل، بدوره، وسيطا، والذي اتُّهِم في ملف وفاة أحد رجال الشرطة في شقة خاصة للكراء، ليحصل على البراءة في ما بعد. في كل مرة، يتردد إبراهيم على الشوارع الراقية التي تعج بالفتيات الحسناوات، بحثا عن بنات الهوى، بعد أن يهيئ هندامه ليكون في أجمل صورة، لإرضاء الزبناء الذين يحدد معهم موعدا مسبقا. يُخرِج رأسه من باب نافذة ويلوح بيديه إلى الفتاة التي تعجبه ويجدها «مناسِبة» لأحد الزبائن، وليس أي زبون، فكل فتاة تقارَن حسب جمالها وتمتعها ب»مؤهلات» ومواهب في المجال. يتم تحديد الثمن مع الزبون بناء على هذه المعايير والمواصفات «زيدْ الما زيدْ الدقيق»، كما يقول المثل المغربي، فعاهرة 500 درهم ليست هي عاهرة 10 آلاف درهم.. وينطبق المثل كذلك على نوعية الزبناء الذين يتوسط لهم إبراهيم، بل إن هناك من يتطلبون شروطا دقيقة في «رفيقة الليل»، لذلك يحرص الوسيط على مراعاة هذه الجوانب، لإرضاء الزبون، الذي يكون، من جانبه، «كريما»، إذا تحققت كل طلباته. التنسيق.. سر النجاح بهذا الشعار تسير شبكة وسطاء الدعارة، الذين يُشغّلون معهم عددا من الأطراف، حيث يكون هناك وسطاء صغار، كحراس العمارة، الذين يخبرون مُسيّر الشقة عن كل ما يقع وعن كل التحركات، حفاظا على سلامة المدعوين، الذين يجودون عليهم بالأموال مقابل «لحوم جاهزة». يتم التبليغ عن أبسط التفاصيل بشكل روتيني، بل يحرص الحارس كذلك على عد الزبناء الذين يتم استقطابهم لتحديد المدخول.. أما بنات الهوى فمنهن من تسهر على جلب صديقاتها إلى الشقق المفروشة بمقابل مادي رمزي عن كل فتاة، فيما ينال مالك الشقة نصيبه إذا كان على علم بما يدور. ومهمة هؤلاء الحراس هي التسيير والتنسيق عبر الهاتف أو الهواتف التي عادة ما يتوفرون منها على أكثر من خمس بطاقات رقمية، وفي حال وقوع أي مكروه، يخرج المالك من المشكل كالشعرة في العجين، وينفي علاقته أو علمه باستغلال الشقق في الدعارة. وهناك سائقون يتكلفون بنقل الفتيات على متن سيارات يُشترَط فيها أن تكون من النوع الممتاز. بعد الاتصال بالفتيات، يتم تحديد موعد اللقاء، ليتم نقلهن مباشرة إلى الشقق الجاهزة. أما الزبائن الأجانب الذين يأتون إلى المغرب خصيصا لغرض إشباع النزوات، فيختلف الأمر، إذ يتم تكليف أحد السائقين بإحضاره من المطار، بعد أن يكون الوسيط قد هيّأ كبش فداء في صيغة المؤنث.. يتوفر إبراهيم، «الخبير» في القوادة والوساطة، والذي راكم تجربة تزيد على 11 سنة، على حوالي 39 شقة مفروشة مُعَدّة للدعارة وإقامة الليالي الملاح وتقديم اللحم البشري لكل الراغبين في المتعة الجنسية. أدوات مهيّجة.. الأناقة، الجمال، الغنج.. تحتاج إلى أشياء أخرى تدخل في خانة ما يطلق عليه في عالم البغاء «ديسير الجنس»، كأنْ تقوم المرأة ب»الستريبتيز» أو أن تُجبَر على ممارسة نوع من الشذوذ الجنسي على الطريقة التي تروج لها المواقع الإباحية، كاستعمال القضيب البلاستيكي وارتداء ملابس مثيرة نصفها عارٍ وارتداء نعل ذي كعب عالٍ، إضافة إلى الرقص والتموج على رقصات الموسيقى الخليجية، لتهييج غرائز الزبناء، المتعطشين إلى أجساد تباع وتشترى في سوق البغاء. تقول بشرى، التي تم اعتقالها في المدينة الحمراء، بعدما ضُبِطت في حالة تلبس داخل إحدى فيلات حي كليز، إن «الحْوالا» ليسوا كالمغاربة، أهمّ ما فيهم هو كونهم «كرماء»، لكن شروط قضاء الليلة معهم متعبة، حيث تلجأ العاهرة إلى التصنع في كل شيء، كما أنهم يعشقون المومس التي تتفوه بكلام نابٍ أثناء ممارسة الجنس عليها.. وأحيانا، يتم استعمال الضرب. تتوقف بشرى عن الكلام ولا تجيب عن سؤال يتعلق بالضرب.. حاولت أن تُغيّر الموضوع بعيدا عن عالم لم تجن منه سوى المشاكل، رغم أن المشكل المادي لم يعد عائقا بالنسبة إليها، بعد أن تمكنت من مواصلة دراستها في الجامعة وهي تقطن بالحي الجامعي، الذي يعرف حركة غير عادية في الليل، حيث تخرج بعضهن ليلا بحثا عن زبناء يجودون عليهن بالمال، لسد حاجيات الدراسة والملبس والمشرب، بعدما عجزت أسرهن عن ذلك.. لم تنس بشرى التجربة المريرة التي مرت منها، خاصة أن الجمع بين الدعارة والدراسة أمر صعب، وأن أغلب الامتحانات التي اجتازتها، تقول مبتسمة، «دوزتهومْ غيرْ بالغش»، حيث إنها تقضي الليل في السهر على نغمات الموسيقى واحتساء الخمور ونفث دخان السجائر، وفي الصباح، يستعصي عليها الالتحاق بمدرج الكلية..
وكالة وهمية لم يكن سهلا على إبراهيم تحقيق أرباح مادية في ظرف وجيز، هو الذي كان يعيش على عتبة الفقر، لذلك رسم خططا ذكية تُسهّل عملية إنجاح مشروع الاتجار ب»اللحوم الحية»، ولا بد من اتخاذ خطوات تُوهِم بها الناس لكي يضعوا ثقتهم فيك ويتعاملوا معك ك«وكيل عقاري».. كانت خطة إبراهيم لبلوغ مستوى مادي مهمّ عن طريق التحايل على الناس، وبعد فشل خطته في إيهام الناس بقدرته على تهجيرهم خارج أرض الوطن وكذا إمكانية الحصول على عقدة العمل في البلد المضيف، والتي قضى على إثرها عقوبة حبسية. كان لا بد من تغيير أشرعة السفينة نحو وجهة أخرى، فكانت وجهته، هذه المرة، تأسيس «وكالة عقارية» وهمية، تمكّنَ من خلالها من تسيير عدد من الشقق المفروشة في حي أكدال، الراقي وبعض منها في حي الرياض، ووضع فيه مالكو الشقق ثقتهم، خاصة أن مظهره لا يعطي انطباعا عن شخص يمتهن فنون النصب والاحتيال على البشر، وملامحه الصحراوية تبعد عنه شبهة العمل في ميدان الدعارة والمتاجرة بأجساد الفتيات. ولإبعاد أي شبهة عنه، فإن إبراهيم أعدّ سبعة دفاتر يُدوِّن فيها مصاريف ومستحقات كراء الشقق المفروشة، نظرا إلى كثرتها، كما يتوفر على الطابع المطاطي وعلى دفترين لتوصيلات الكراء، يستعملهما في استئجار الشقق لإيهام مكتريها بأنه يتوفر على وكالة عقارية للكراء، حتى لا يلفت انتباههم إلى أنها أوكار للدعارة.