رضاب فيصل قل لي ماذا ترتدي أقول لك من أنت؟.. هذه حقيقة اجتماعية أثبتت صحتها مع تطور الأزمنة والأمكنة.. فالأزياء لا تدل فقط على فوارق طبقية بل تدل، أيضاً، على حياة نفسية واجتماعية وثقافية وتاريخية. وبالنظر إلى أهمية الأزياء في حملها معلومات توثيقية عن تاريخ وحياة الشعوب، أطلق مشروع «كلمة» في هيأة أبو ظبي للثقافة والتراث ترجمة كتاب «تاريخ الأزياء العربية منذ فجر الإسلام إلى العصر الحديث»، وهو من تأليف: ي. ك. ستيلمان وترجمة صديق محمد جوهر. وكما قالت المؤلفة التي خطّته، فإن «دراسة الأقمشة والألبسة تشكل جزءاً لا يتجزأ من حقل الدراسات الاجتماعية والتاريخية التي تندرج في إطار الدراسات الثقافية أو دراسة الثقافة المادية». والكاتبة ي. ك. ستيلمان واحدة من أبرز الخبراء في مجال الأزياء والألبسة العربية والإسلامية ولها مجموعة من الدراسات الأساسية ذات الطابع الإثنوغرافي في تاريخ الأزياء والملابس الشرقية. وقد سعت في كتابها هذا إلى الحديث عن تطور الزي العربي منذ بداية الإسلام وما قبله وحتى عصرنا الحالي، عبر 9 فصول متسلسلة وفق التطور التاريخي والزمني. وإذ نبدأ من الفصل الأول من هذا الكتاب، وهو «جزيرة العرب بين الجاهلية ونشأة الأمة الإسلامية»، فإننا نبدأ من قراءة للثياب العربية في مرحلة ما قبل ظهور الإسلام، لنكتشف أن العرب وقتها كانوا متأثرين بالثقافة الاجتماعية لواحدة أو أكثر من الإمبراطوريات الكبيرة التي كانت قائمة، وبالتالي فإن أزياءهم جاءت محاكية للأزياء التي كانت سائدة بين شعوب هذه الإمبراطوريات. ونلاحظ، أيضاً، أن أزياء الجنسين كانت متشابهة قليلاً وكان يساعد على تمييزها عن بعضها وجود الزينة والثنيات والحلي، إضافة إلى نعال القدمين.. وفي هذا الفصل أيضاً، نكتشف أن الإسلام في بدايته لم يغيّر أو يعدّل إلا القليل على هذه الأزياء، نظراً إلى القيّم الأخلاقية التي كان ينادي بها، حيث كانت في غالبيتها فضفاضة ومتهدلة ومحتشمة نوعاً ما. أما بعد انتشار الإسلام على مدى واسع وامتداده إلى أماكنَ وإمبراطوريات الشرق الأوسط بأسره تقريباً، فقد وجد العرب أنفسَهم تائهين بين التقليد تارةً وفرض الزي الخاص بهم وفقاً للشريعة الإسلامية، تارة أخرى، وهو ما تتحدث عنه ي. ك. ستيلمان في الفصل الثاني من الكتاب، والذي حمل عنوان «نشأة منظومة الألبسة الإسلامية في عهد الخلفاء المسلمين الأوائل». كما تَعرَّض هذا الفصل لتطوّر الزي العربي بين العصر الأموي والعصر العباسي، إضافة إلى توضيحه الفرق بين ملابس المسلمين وغير المسلمين، وبالطبع شرحه لتطور لباس المرأة في مرحلة تطبيق الشريعة الإسلامية. أما الفصل الثالث من الكتاب فقد حمل عنوان «المشرق العربي تحت الحكم التركي -منذ أواخر العصور الوسطى إلى بواكير العصور الحديثة»، ويتم التركيز في بدايته على ملابس النخبة العسكرية، التي جاءت إلى المنطقة العربية مع الأُسر العسكرية التركية التي حكمت الشرق الأوسط. ونجد في هذه الفترة أن ثمةَ استمرارا ملحوظا لاتجاهات الفترات السابقة من حيث الأزياء، إلا أن بعض سكان المدن كانوا قد شرعوا في تقليد الملابس التركية الرجالية منها والنسائية. ونعلم من عنوان الفصل الرابع «المغرب الإسلامي: شمال إفريقيا وإسبانيا» أنه خُصِّص لدراسة خصائص المغرب العربي جغرافياً وسياسياً بعلاقته بنمط وشكل الأزياء لديه. كما خصّص الفصل الخامس لشرح ماهية لباس مواطني الدولة الإسلامية من غير المسلمين، حيث جاء عنوانه طويلاً نوعاً ما، دالاً على محتواه، وهو «لباس غير المسلمين في ظل قوانين («الغيار») -المعاهدة العمريّة ونشأة تشريعات اللباس إبان المراحل الباكرة من الدولة الإسلامية». وطبعاً فإننا بقولنا منظومة إسلامية وشريعة إسلامية من الضروري الخوض في موضوع الحجاب والنقاب، لنقرأه في ظروفه التاريخية والتشريعية، وهو ما تم الحديث عنه بصورة وافية وشاملة في الفصل السابع «الحجاب والبرقع ضمن منظومة الأزياء الإسلامية». ولم تهتم ي. ك. ستيلمان في فصولها التسعة بدراسة شكل الزي فقط، بل درست النوعية والملامح الفنية من خلال تطور الأقمشة وفن التطريز. وقد أفردت لهذا الموضوع فصلاً كاملاً، وهو الفصل السادس وعنوانه «دار الطراز: عالم الفخامة والترف والأزياء النفيسة». وتنتقل في الفصل الثامن «اللباس في العصر الحديث» إلى دراسة الأزياء العربية التي ارتبطت وقتها بخطوط الموضة الأوربية والأمريكية، بغضّ النظر عما إذا كان الزي تقليدياً أو رسمياً أو عسكرياً أو شبابياً. ولكن ستيلمان وجدت أن الرجال كانوا أكثر سرعةً من النساء في التخلي عن الملابس التقليدية واستبدالها بأزياء الموضة الغربية الحديثة. كما تحدثت في هذا الفصل عن تطور اللباس العربي التقليدي إلى شكله اليوم لدى بعض الشعوب العربية التي ما زالت ترغب في الحفاظ عليه كجزء من الهوية العربية التراثية الأصيلة.