أدت الظروف الحالية في مصر الاضطرابات والانتخابات في الأيام الأخيرة إلى صعود الإخوان المسلمين إلى العناوين الرئيسة في الصحف العالمية. والعناوين ليست متفائلة على نحو خاص. في هذه الأثناء يخيل أن الإسلام السياسي ينال الزخم ليس فقط في مصر، بل وفي العالم العربي بشكل عام. إلى أن تكمل مصر في يناير الجولات الانتخابية الثلاثة غير الواضحة جدا للبرلمان، انضم المغرب في نهاية الأسبوع إلى تونس بمنح الأغلبية لحزب إسلامي في الانتخابات. الطريق إلى الديمقراطية في العالم العربي يبدو متعذرا بدون المرور في محطة تسمى الإسلام. ولم تعد المسألة هي «كيف لا نصل إلى تلك المحطة؟» فهذه المسألة باتت خلفنا بل: كيف لا نعلق فيها لفترة أطول مما ينبغي؟ منذ اندلاع الاضطرابات في مصر التي أدت إلى سقوط مبارك، تحاول إدارة أوباما إيجاد الصيغة التي يكون فيها ممكنا دمج الديمقراطية مع الاستقرار. يوم السبت، أجرت الإدارة ذات الاختيار الذي فعلته في يناير: هجر الحكم (في حينه مبارك والآن طنطاوي) في صالح الشارع. وحتى «نيويورك تايمز»، المؤيدة لأوباما، تفهم المخاطرة الكبيرة التي يأخذها الرئيس. الجيش المصري هو الذي حمى مبارك لسنوات طويلة، وكذا المصالح الأمريكية في المنطقة والمسيرة السلمية بين إسرائيل ومصر. ولكن واشنطن قررت الرهان. يوم الجمعة، عندما عينت الطغمة العسكرية الحاكمة كمال الجنزوري القديم في منصب رئيس الوزراء الجديد، نقلت الإدارة رسالة استوعبتها جيدا الجماهير في ميدان التحرير: الولاياتالمتحدة تشترط مساعداتها العسكرية للنظام العسكري في مصر فقط إذا ما نقل هذا في فترة زمنية قصيرة الحكمَ إلى حكومة منتخبة. مع مثل هذه الرسالة واضح أنه لم يكن للجنزوري حتى ولا يوم رحمة واحد. بالمقابل، فإن الإخوان المسلمين يحظون بالذات ليس فقط بأيام رحمة، بل حتى ينالوا حق إدارة حوار مثمر مع واشنطن ومع الدبلوماسيين الغربيين في القاهرة، المهم ألا ينشأ فراغ في القاهرة. الإخوان، بالمناسبة، يعرفون كيف يكونون براغماتيين عند اللازم وصبورين جدا بالأساس. لا أحد اليوم في مصر يعتزم التنازل عن ثلاثة مليارات دولار من أموال المساعدات الأمريكية كل سنة، ولا حتى الإخوان. وبالتأكيد، ليس في الفترة التي تموت فيها السياحة وينهار فيها الاقتصاد. في هذه الأثناء، في مصر وصلنا إلى مرحلة الجميع ضد الجميع. الإسلام المعتدل يغمز، حتى لأوباما. للإسلام «المعتدل»، الذي ولد لنا «ربيع الشعوب»، يوجد أيضا ماضٍ طويل وصبر شديد. الحزب الإسلامي في المغرب، الذي فاز في الانتخابات، وصل إلى المكان الثالث في 2002، وإلى المكان الثاني في 2007 (استقبل في حينه بمفاجأة وقلق)، والآن سيقدم رئيس وزراء. لم تكن تونس والمغرب قريبتين بهذا القدر أبدا. ولم نصل بعد إلى برميل البارود الحقيقي لكل هذا «الربيع»، ألا هو سورية. نظام الأسد سيفعل كل شيء كي يسحب معه أكبر قدر ممكن من الضحايا مع سقوطه، وقبل كل شيء المس بتركيا. وقد أظهرت أنقرة صبرا تجاه دمشق بالضبط مثلما فعلت في البداية تجاه طرابلس في ليبيا. ولكن القمع الشديد للمواطنين من جانب الأنظمة في الدولتين ألزم أنقرة بتغيير الاتجاه. فقد قرر الأسد الثأر بسرعة، وبشكل غير ذكي تماما ومن مكانة ضعف، عندما حاول مساعدة التنظيم السري الكردي في تركيا. وهكذا شق الطريق للتدخل التركي الكفيل بتسريع سقوط نظامه. في هذه الحالة أيضا سيملي الإسلام المستقبل. الأسد يعتمد على إيران الشيعية حيال المعارضة في بلاده التي تعتمد على جبهة سنية من المغرب وحتى قطر، بما في ذلك السعودية. المواجهة بين تركيا وإيران، سياسية أو عسكرية، كفيلة بأن تأتي بأسرع مما اعتقدنا. ليس واضحا إلى أين يتجه كل هذا، هل إلى الديمقرطية أم إلى الاستقرار؟ يوجد أيضا خيار آخر: لا هذا ولا ذاك، لأن التاريخ يفيد بأنه عندما يصعد الهلال بشكل عام يلقي بظلال الحراب الممشوقة.