تحدثنا في حلقة سابقة عن تأثر الأسرة بإصابة أحد أفرادها بمرض الفصام. فذلك يغير حياتها كثيرا، وأحيانا يقلبها رأسا على عقب. وإذا ابتليت بأكثر من مريض بالفصام، كأن يكون لها ابنان أو ثلاثة كلهم مرضى، فإن المعاناة تكون أكبر والكلفة أعلى. وفي كثير من الأحيان يكون المريض أقل أفراد الأسرة شعورا بالمعاناة بسبب فقدانه الوعي بالمرض وعدم امتلاكه التفاعل الطبيعي - وجدانيا وشعوريا - لتدهور وضعه الذهني والمهني والأسري والاجتماعي. لكن جميع المختصين متفقون على أن الأفضل للمريض أن يعيش بين أهله وذويه. لهذا فإن الوعي الصحيح والمعرفة السليمة وحدهما يمكنانهم من التكفل بالمريض من جهة، ومن تخفيف تأثير المرض على الأسرة من جهة ثانية. نخصص هذه الحلقة لبعض أهم قواعد ذلك التكفل، والمطلوب أن يؤخذ بها في تكامل مع العلاجات والوسائل الأخرى. ولن نكرر ما يتعلق بهذه العلاجات بطبيعة الحال، لكن القاعدة العامة فيها هي اتباع إرشادات الطبيب المختص. نجمع القواعد المذكورة في أربعة محاور. أولا – على أفراد الأسرة تجنب الخلافات فيما بينهم حول كيفية التعامل مع المريض، والخطوات التي يجب سلوكها معه. والضروري الاتصال بالطبيب المعالج والتنسيق التام معه، وتكوين فريق متكامل. لا يوجد أسلوب واحد للتعامل مع مريض الفصام، فلكل حالة أسلوبها الخاص، على الرغم من وجود قواسم مشتركة عامة في العلاج والتكفل. وفي بعض الحالات يتخلى المريض عن التعاون مع أسرته، وقد يرفض تناول أدويته، فالواجب هو الاتصال بالطبيب المعالج، والبحث معه عن الحلول الممكنة. فقد يقوم بإقناع المريض بطريقة معينة، أو يقوم بتغيير شكل العلاج من الأقراص مثلا إلى قطرات للشراب أو حقن طويلة المفعول. ثانيا - إن تصرفات المريض مهما كانت غريبة أو مؤذية أو عنيفة ليست متعمدة، ولا تصدر عن وعي منه، وإنما هي نتيجة وجود اضطراب في عقله. ومن هنا يجب تجنب الرد بالمثل أو اضطهاده أو السخرية منه. ولا فائدة من محاولة إقناعه بخطإ الأفكار الذهانية التي يعبر عنها مثل كونه مراقبا من قبل المخابرات، أو أنه المهدي المنتظر. ولا يعني ذلك تأكيد تلك الأفكار. ولكن الضروري عدم قبولها والتشكيك فيها دون الضغط عليه ليغيرها. ويدخل في هذا المجال أيضا صعوبة إقناع المريض بزيارة الطبيب النفسي لأنه قد ينكر إنكارا تاما كونه مريضا فيرفض الزيارة، وقد يعتبر الأمر مؤامرة عليه. وفي حالات أخرى قد يكون المريض انطوائيا صامتا عازفا عن المشاركة في أي نشاط أو عن مجالسة الأسرة. وعلى الرغم من أن محاولة الحديث معه في هذه الحالة والعمل على جذبه إلى الأنشطة الاجتماعية وتكرار المحاولة قد يكون مفيدا، لكن الأفيد منه هو اللجوء إلى العلاجات الطبية المناسبة. ومن الأعراض الأكثر ملازمة لمرض الفصام إهمال المريض لنفسه، ولنظافته وهندامه. والواجب في هذه الحالة تجنب التعامل بانفعال أو غضب أو صراخ أو أوامر صارمة أمام عدم اهتمامه بالنصائح المقدمة. والأولى استعمال أسلوب الترغيب والتحبيب وإظهار المحاسن في انتظار تحسن حالته العامة بالعلاج. ثالثا - في حالة دخول المريض المستشفى يجب ربط الاتصال معه وتعهده بالزيارة أو الاتصال الهاتفي، حتى لا تنشأ عنده فكرة أنه مهمل من أسرته أو مرفوض، فذلك يزرع في نفسه اليأس، ويعقد بالتالي حالته المرضية. ويجب أيضا عدم تذكير المريض باستمرار بتصرفاته الغريبة أو المرضية، وأن ينصب الحديث معه على حاجاته الأساسية وعلى أمور الحياة العامة. رابعا - يعتبر التعامل العام مع المريض من أهم عوامل استقرار حالته واندماجه الاجتماعي ومنع الانتكاسات. لذلك يجب تجنب وصمه بالجنون أو معاملته بقسوة أو بجفاء أو بغضب. كما يجب تجنب الرعاية والدلال الزائدين، فلهما نفس التأثير. ويدخل في العناية به الاهتمام بغرفته ترتيبا وتنظيفا، مع الحرص بالخصوص على إخلائها من كل ما يمكن أن يستعمل في إلحاق الضرر بالذات أو بالغير. طبيب مختص في الأمراض النفسية