يتغير تحديد جودة العمل السينمائي بتغير أهداف صناعه وصداه عند الجمهور، فالمنتج يعتبر العمل جيدا إذا حقّق أرباحا مادية ولاقى تجاوبا عبر شبابيك التذاكر، أما نقاد السينما فإنهم يحصرون اهتمامهم في ما تضمنه العمل من مميزات ومواصفات جمالية، فيما يبقى دور الجمهور أساسيا في رحلة بحث الفيلم عن النجاح، لأن المخرج يتعامل مع هذا العنصر وكأنه ناخب يضع تصويتاته في شبابيك التذاكر، فإن أقبل على عمل دون غيره، فإنه، بطريقة أو بأخرى، يختار أو ينتخب مخرجه رئيسا! وعلى اختلاف زوايا النظر التي ينطلق منها المتلقي، بكل أصنافه، فقد يحصل الإجماع على جودة عمل سينمائي معيّن. ويحتفظ تاريخ السينما بالعديد من النماذج التي استحوذت على اهتمام الجمهور ونالت الحظ الوافر من الجوائز، كفيلم «ذهب مع الريح» (gone wiht the wind)، الذي حصد 01 جوائز أوسكار، كما احتفظت به الذاكرة السينمائية كأحد أبرز الأفلام وأكثرها شعبية. واستطاعت عديد من الأفلام تحقيق معادلة أسر الجمهور والفوز بالجوائز، كفيلمَيْ «تايتنك» و«ملك الخواتم» وغيرهما... لكنْ، في مناسبات عديدة، تتقاطع الآراء وتختلف، فنجد الجمهور يحتفي بعمل معيّن، بينما تُهمله لجن التحكيم في المهرجانات، فيكون حظه من الجوائز قليلا بالمقارنة مع احتفاء الجمهور به، أو عكس ذلك، كأن تحتفي به المهرجانات السينمائية، بينما لا يُلاقي نفس الصدى عند الجمهور. فإذا كان الجمهور ينظر إلى العمل بما يُلبّي ميولاته الشخصية التي يعكسها ذهابه إلى قاعات السينما، فإن هذا لا يعني حصول هذا العمل على الجوائز السينمائية، وهو ما يدل على أن معايير نجاح الفيلم في قاعات السينما ليست هي نفس المعايير التي تجعل منه فيلما مُرصَّعاً بالجوائز، فكثير من الأفلام تهدف إلى تحقيق أرباح مادية وكثير منها تهدف إلى بث رسائل مختلفة، بينما تسعى بعض الأعمال إلى نيل الجوائز في المهرجانات السينمائية، لذلك نجد بعض المخرجين يُوجّهون أفلامهم بما يُرضي لجن التحكيم أو يشكل قاسما مشترَكاً لمعظمها، فأصبح الطريق إلى الجوائز السينمائية واضحا أمام من يريدونه، لكنّ هذا لا يعني، أبدا، نجاح الفيلم بمنطق الجمهور إذا لم يكن يحمل مقومات النجاح، التي تلبي حاجاته، وهو ما يفسر بقاء بعض الأعمال السينمائية رهينة العلب والمستودعات، رغم حصدها جوائز عديدة. وكما هو معلوم، فجائزة الأكاديمية (Academy Award)، التي تُعرف كذلك بجائزة «الأوسكار»، التي تشرف على تقديمها سنويا أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، تُعَدّ من أرفع الجوائز السينمائية، وهي أهم تتويج قد يحظى به عمل سينمائي، لكن توزيعها السنوي يصاحبه نصيب كبير من النقد والجدل، لأن تاريخها يُثبت الخبايا السياسية التي تتحكم في منحها. ولعل جوائز السنة الماضية قد أكدت هذا الطرح بما لا يدع مجالا للشك، وينطبق هذا الحديث، تماما، على تتويج فيلم «خزانة الألم» بست جوائز أوسكار فكانت صالة «مسرح كوداك» (المكان الذي ينظم فيه حفل الأوسكار) مسرحا حقيقيا لعرض توزيع الجوائز، وكان بطله فيلم «خزانة الألم»، للمخرجة كاثرين بيغلو. فقد اتّسمت أفلام الموسم السابق، عموما، بالتنوع من حيث المواضيع والنجاح، حيث كان التنافس بين الفيلم «أفاتار»، لجيمس كامرون، الذي بلغت تكاليف إنتاجه نصف مليون دولار، وهي الأعلى في تاريخ هوليود، أما إيراداته فقد بلغت مليارين ونصف المليار دولار، أما ميزانية «خزانة الألم» فقد بلغت 51 مليون دولار وإيراداته 91 مليونا، ما جعل هذا العام استثنائيا من حيث كم الجدل الإعلامي الذي صاحَب هذه الدورة، لكن هذا الجدل تناول ما هو سطحي في هذا الموضوع، على اعتبار أن المتنافسين كانا زوجين سابقين وأن هذا الأمر هو منبع الإثارة في هذه الدورة. لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير، فتتويج هذا العمل يحمل أكثر من دلالة، حيث تطفو على السطح فكرة تبرير الغزو، فيبرز الجانب البطولي للجندي الأمريكي عن طريق التركيز على التضحيات التي يقدمها في البلدان العربية! مع ممارسة نوع من التعتيم الفاضح لصورة الطرف العربي، وتمثلت في عدم إبراز معاناة العراقيين وتجاوزات الجيش الأمريكي... إن تمجيد صورة الجندي الأمريكي في الخارج هو دعوة إلى إعادة الاعتبار إلى هذه المهنة وتلميعها في وجه المواطن الأمريكي. في مقابل ذلك، نجد «أفاتار»، الذي حُرِم من الجوائز الكبرى وفاز فقط بجوائز تتعلق بالجوانب التقنية، لأنه يحمل في طيّاته دعوة صريحة تعترف بأحقية الشعوب في الدفاع عن أوطانها، حتى إن كان هذا الوطن افتراضيا، فالواضح أن الأكاديمية ثمنت الفيلم الذي يتماشى مع السياسة العامة للولايات المتحدة. وبأي حال من الأحوال، فالطرح السياسي حاضر في كل دورة من دورات توزيع الجوائز العالمية، لكنه يخفُت في بعضها ويقوى في جائزة الأوسكار، على اعتبار قيمتها والتغطية الإعلامية التي تصاحبها. أما جائزة ال«غولدن غلوب» أو«الكرة الذهبية» ففي غالب الأحيان تكون اختياراتها أكثر موضوعية، حيث تركز على الجوانب الفنية والجمالية في العمل السينمائي، إضافة إلى نجاحه في شباك التذاكر، بينما تبقى جوائز مهرجان كان السينمائي أكثر جهة تبحث في القيمة الجمالية للعمل السينمائي، حيث تُعلي من قيمة المعايير الفنية، وهو ما يفسر عدم احتكارها من طرف الأفلام الأمريكية فقط، بعكس جوائز الأوسكار، التي تُخصص جائزة واحدة فقط للفيلم الأجنبي. كاتب وناقد سينمائي