تبنى المشرع الدستوري المغربي نظام ثنائية التمثيل البرلماني أو الثنائية المجلسية في دستور 1962 قبل أن يتخلى عنه في دستور 1970 بسنه لنظام الأحادية البرلمانية. وعاد في دستور 1996 إلى إقرار ثنائية التمثيل لدواع تتعلق، أولا، بالرغبة في إعطاء دفعة نوعية للجهوية بعد ارتقاء الجهة إلى مستوى الجماعة المحلية في دستور 1992؛ وثانيا، بنمط الاقتراع الخاص بانتخاب مجلس النواب، حيث أضحى كافة أعضاء هذا المجلس ينتخبون بالاقتراع العام المباشر. وينعكس نظام ازدواجية التمثيل البرلماني على التشريع كأهم وظيفة ينهض بها البرلمان، حيث مقترح أو مشروع القانون يتداول فيه من طرف غرفتي البرلمان في سبيل المصادقة على النص القانوني. ودون الخوض في النقاش النظري حول مزايا هذا النظام بالمقارنة مع نظام أحادية التشريع، فإن هذه المساهمة تتوخى تسليط الأضواء على الآليات القانونية المعتمدة من طرف المشرع الدستوري في دستور 2011 ذات الصلة بثنائية التمثيل البرلماني، بعد التمهيد لذلك ببيان أهم ما كان سائدا في ظل الدساتير السابقة التي عرفت تطبيق ثنائية التمثيل البرلماني. المحور الأول: مسطرة المناقشة والتصويت على القوانين في ظل الثنائية البرلمانية لما قبل دستور 2011 بالعودة إلى دستور 1962، نجد أنه أقر قاعدة أسبقية مجلس النواب في التداول في مشاريع القوانين، كما نص على أن مجلسي البرلمان يتداولان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون بغية التوصل إلى نص موحد. وفي حالة عدم إفضاء التداول إلى نص موحد بعد قراءتين لكلتا الغرفتين أو إذا أعلنت الحكومة الاستعجال بعد قراءة واحدة لكل منهما، فإن مشروع أو مقترح القانون يعرض على الغرفة الأولى حيث المصادقة على النص أو رفضه رهينة باستيفاء شرط أغلبية الثلثين. وإذا كانت هذه المسطرة لا تطرح إشكالات قانونية من حيث رجحان وضع مجلس النواب في دستور 1962 الذي له الأسبقية في التداول وله حق البت النهائي وفق ضوابط معينة، فإن الأمر كان على خلاف ذلك في دستور 1996 الذي سن نظام ثنائية تمثيلية متكافئة Bicaméralisme égalitaire قوامها التوازن بين المجلسين، وهو توازن لا يختل لفائدة مجلس النواب إلا عند استغناء الحكومة عن مجلس المستشارين وإيكال الأمر إلى الغرفة الأولى، وكذا في الحالة القصوى التي كانت تتيح للحكومة إمكانية الذهاب إلى حد ربط مواصلة العمل الحكومي بالتصويت على النص محل الخلاف. وبفعل التوازن بين غرفتي البرلمان في الوظيفة التشريعية، سن المشرع الدستوري، في الفصل 58 من دستور 1996، قواعد وضوابط تتيح الاتفاق على إقرار نص موحد، مع إمكانية الاستغناء عن مجلس المستشارين في العملية التشريعية عند الاقتضاء وفق التقدير الذي تجريه الحكومة. وهكذا نص دستور 1996 على أن كل مشروع أو مقترح قانون يتم التداول فيه بين مجلسي البرلمان بالتتابع قصد التوصل إلى نص موحد، ولم يخول لأي مجلس الأسبقية في إحالة مشاريع القوانين ولم ينط بالغرفة الأولى صلاحية التصويت بمفرده على النصوص القانونية إلا على سبيل الاستثناء على النحو المبين أدناه. وتفيد قراءة الفصل 58 من دستور 1996 بأن النص المتداول بشأنه كان مفتوحا أمام الاحتمالات التالية: 1 - اتفاق المجلسين على نص موحد، فتستكمل الإجراءات الموالية بإحالة النص على المؤسسة الملكية لإصدار الأمر بتنفيذ القانون مع مراعاة حالات النظامين الداخليين للبرلمان والقوانين التنظيمية التي تستدعي الإحالة الوجوبية على المجلس الدستوري ابتداء، وكذا الإحالة الجوازية في ما يتصل بالقوانين العادية. 2 - عدم إفضاء المناقشة إلى إقرار مشروع أو مقترح القانون بعد القراءة مرتين في كلا مجلسي البرلمان أو إذا أفصحت الحكومة عن الاستعجال بعد قراءة واحدة في كل منهما، فيسوغ لها العمل على عقد اجتماع لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين يعهد إليها باقتراح نص مشترك بشأن الجوانب موضوع الخلاف بين المجلسين. وعمل اللجنة مفتوح أمام احتمال نجاحها في حسم جوانب الخلاف بالاتفاق على نص موحد أو احتمال فشلها في تحقيق الغاية المنشودة، وفي حالة نجاح اللجنة في المهمة المنوطة بها يحق للحكومة أن تواصل الإجراءات بعرض النص على مجلسي البرلمان، ولها أن تعرض عن ذلك وفق ما تراه مناسبا. وفي حالة عرض الحكومة النص المتوصل إليه على غرفتي البرلمان، فإن هذا الأخير لا يجوز له إدخال تعديلات على النص المعروض عليه إلا بموافقة الحكومة. وعند اتفاق المجلسين على إقرار نص موحد استنادا إلى ما أعدته اللجنة الثنائية المختلطة، ينتهي الإشكال ليستكمل النص باقي الإجراءات إلى غاية نشره في الجريدة الرسمية بعد خضوعه للرقابة الجوازية (عند مباشرة حق الإحالة ممن له الاختصاص) أو الوجوبية، وبعد صدور الأمر بتنفيذه. -3 عدم إقرار المجلسين للنص المقترح من طرف اللجنة المختلطة كما في حالة ما إذا تعذر على اللجنة بلوغ نص مشترك بشأن الأحكام محل الخلاف بين الغرفتين. وهذا لا ينفي إمكانية مواصلة الحكومة المسطرة التشريعية عند حرصها على إخراج القانون إلى حيز الوجود، حيث يمكنها أن تستغني عن مجلس المستشارين وتحيل النص على مجلس النواب بعد أن تدخل عليه ما تتبناه من التعديلات المثارة أثناء المناقشة البرلمانية وفق ما كانت تقتضيه الفقرتان الثالثة والرابعة من الفصل 58 من دستور 1996 لحسم الإشكال حسبما تمليه طبيعة الموقف. وبمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 58 من الدستور، كان من المستساغ للحكومة أن تستغني عن مجلس المستشارين وتلجأ إلى مجلس النواب لاعتبارات تتصل بكون مجلس النواب منتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر وكون الحكومة منبثقة من أغلبية هذا المجلس. ويحتاج تمرير النص في هذه الحالة إلى أغلبية موصوفة حددتها الفقرة الثالثة من الفصل 58 في الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، بمعنى أن الحكومة تكون في إبانه مطالبة، والحالة هذه، بتعبئة الأصوات لضمان التصويت لصالح النص بعدد يعادل أو يفوق 163 صوتا. وما كان يميز الفقرة الرابعة من ذات الفصل هو إحالتها على الفصل 75 من الدستور، بمعنى أن الحكومة قد تكون إزاء حالة قصوى تكشف عن حقيقة تصدع الأغلبية، وبالتالي يصل الموقف إلى ربط التصويت على النص، مثار الجدل، بمواصلة الحكومة لعملها، وبالتالي يترتب عن عدم التصويت على القانون سحب الثقة عن الحكومة والاستقالة الجماعية لأعضائها كما هو صريح الفقرة 3 من الفصل 75 من دستور 1996. ونظرا إلى ما يتسم به الإجراء من خطورة وحرصا على الاستقرار الحكومي، فقد استلزمت الفقرة الثانية من الفصل 75 الآنف ذكره شرطين أساسيين، هما: - أن التصويت على النص لا يقع إلا بعد انصرام 3 أيام على طرح الثقة في ارتباطها بالنص المقترح، لحكمة تتوخى تمكين الحكومة بصورة أساسية من حيز زمني كاف لإجراء مشاورات تخدم الغاية المسطرة من جانبها. - اعتبار أن النص مصادق عليه إن لم تصوت ضده الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، وهي طريقة في التصويت تجعل الحكومة في وضعية مريحة، مقارنة بتقنية التصويت المتطلبة بنص الفقرة 3 من الفصل58، إذ ينتقل عبء استجماع 163 صوتا من أعضاء مجلس النواب على الأقل إلى المعارضة وفق ما كانت تستلزمه الفقرة الثانية من الفصل 75 من الدستور المحال عليها بموجب الفقرة 4 من الفصل 58. يتبع... سعيد أولعربي - باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية