هل نحن شعب معقد؟ أكيد، وأكثر عقدنا خطورة تظهر في رمضان، لذلك يجب أن نعتبر هذا الشهر بمثابة «سكانير» اجتماعي حقيقي يكشف عن مكبوتاتنا الدفينة التي نحاول طمسها طوال العام، لكنها في رمضان تطفو على السطح مثلما تطفو كرة بلاستيكية فوق الماء. هذه الأيام لا يعرف الناس ماذا يفعلون بأزبالهم الكثيرة، لأنه في كل مكان توجد جبال من القمامة الناتجة عن الاستهلاك المفرط للأكل. ومن يفحص هذه الأزبال يجد أن نصف الأكل، على الأقل، لم يتم استهلاكه، وتم رميه بعد أن تعفن. العيون تشتهي أكثر من اللازم، والبطن لا تحتمل أكثر من اللازم، وحتى براميل القمامة لم تعد تتسع لكل هذه الأزبال ففاضت في كل مكان. هذه الأزبال تكشف عن شيء آخر، وهو هاجس الخوف عند المغربي الذي لا يثق في الزمن ولا في المستقبل ولا في العمل ولا في أي شيء، بما فيه رمضان، لذلك عندما يأتي هذا الشهر يحس الناس بأن الصيام مجرد خديعة من أجل تجويعهم، لذلك ينتقمون ليلا من صيامهم نهارا. هوس الاستهلاك في رمضان جعل هذا الشهر يتبوأ قمة الغش، لأن كل الذين لديهم بضاعة فاسدة يقررون إنزالها إلى الأسواق في هذا الشهر، بدءا بالبيض وانتهاء باللحوم والأسماك، والذين يغرقون الأسواق بالمواد الفاسدة يعرفون جيدا أن كل شيء يؤكل في هذا الشهر. والغريب أن رمضان جاء أصلا لكي يقلل السموم في أجساد الصائمين، فحول الصائمون رمضان إلى زيادة سموم الأكل في أجسادهم. رمضان تظهر فيه علل وتناقضات أخرى، فالمغاربة، على ما يبدو من شكاواهم الكثيرة، متواضعون ماديا، وهم دائمو الشكوى من ارتفاع الأسعار، لكن لماذا يتزاحمون على سردين بثلاثين درهما؟ ولماذا لا يترددون في شراء «لافوكا» بخمسين درهما؟ أكيد أن المغاربة لا يفعلون ذلك كلهم، لكن هناك إصرار، حتى من طرف الفقراء، على إنفاق الكثير من المال من أجل الأكل في رمضان. نزعة التبذير تصل حدا أكبر عندما يقترب العيد، فمغاربة كثيرون يتوجهون هذه الأيام إلى الأسواق ويشترون ملابس أطفال بألف درهم أو أكثر. ومن يرى تهافت أسر كثيرة على إنفاق كل هذه الأموال لا يصدق أبدا أننا شعب فقير يعيش ربعه بأقل من عشرة دراهم في اليوم. وعموما، فإن الأحوال المادية للمغاربة محيرة دائما. أحيانا، ترى شخصا تعتقد أنه يستحق منك صدقة، ثم يصعد أمامك في سيارة فارهة بمائة مليون ويتركك تتنفس دخان بنزينه، أو ترى شخصا تعتقده أميرا، فتجده بعد ذلك يرهن معطفه الجلدي من أجل توفير ثمن عملية ولادة زوجته. لكن أبرز مظاهر تناقضنا في رمضان هو الدين، فمساجد المغرب تتحول منذ اليوم الأول لهذا الشهر إلى قطع مغناطيس تجتذب إليها المصلين من كل مكان، مساجد تمتزج فيها روائح الجوارب بعطور القرشي و«بارفانات فيرساتشي». لكن كثيرين يقولون إن ظاهرة اختناق المساجد بالمصلين في رمضان ظاهرة إيجابية جدا، لأن كثيرا من الذين يجربون الصلاة في هذا الشهر يستمرون كذلك طوال العام، وربما طوال حياتهم. لكن المشكلة أن لا أحد يعثر لهم على أثر بعد آخر صلاة في رمضان، لكنهم بالتأكيد سيظهرون العام المقبل في رمضان جديد وهم يتزاحمون على الصفوف الأولى. يقال، والله أعلم، إن خلو المساجد من المصلين بعد رمضان مرده إلى أن أغلب مرتاديها في هذا الشهر الكريم هم من سكان كواكب أخرى، وأنهم يعودون إلى كواكبهم التي جاؤوا منها مباشرة بعد نهاية رمضان. هكذا، إذن، تبدو المسألة أكثر وضوحا.