ارتبطت أسماؤهم بعالم الجريمة، سرقوا، اغتصبوا وقتلوا بوحشية، ظلوا دائما موضوع مذكرة بحث، وأصبح كل واحد منهم مسجلا خطر. تنوعت أساليبهم الإجرامية ولكن الغاية واحدة قتل وتنكيل، أصبحوا معها حديث الشارع العام. لقد كان همهم الوحيد هو بث الرعب في قلوب المواطنين. ظلت الجريمة دائما حرفتهم الوحيدة، لذلك حملوا لقب أخطر المجرمين. فمن هم؟ وما هي دوافعهم الإجرامية؟ وكيف تحولوا إلى كوابيس مزعجة؟ «المساء» تفتح زاوية خاصة لتسليط الضوء على بعض أشهر قضايا الإجرام التي شهدها المغرب، وتنقل القارئ للتعرف على بعض أخطر المجرمين، الخنفوري، بولحوش، الحاضي، سفاح مديونة، زويتة وغيرهم... والذين انتهى بهم الأمر خلف القضبان وتنوعت الأحكام التي صدرت في حقهم بين السجن المؤبد والإعدام. في بداية تسعينيات القرن الماضي، دخل الخنفوري إلى السجن بعد ارتكابه جريمة قتل وحكم عليه بالإعدام، ففكر بعد ذلك في الهروب من وراء القضبان، ولم يتطلب الأمر منه وقتا طويلا، فقد نجح في الفرار بعد أن قتل أحد زملائه في السجن. واستطاع خارج أسوار السجن أن يكون عصابة إجرامية مهمتها مهاجمة الأعراس وزرع الرعب في نفوس المواطنين في منطقة الغرب، إذ أصبحت أعراس الزفاف أمرا محرما على كل المتزوجين.. كبر نشاط العصابة الإجرامي وأصبحت تعترض سبيل المارة وتوقف حافلات النقل وتستولي على أغراض المسافرين. وقد انتهى شريط الرعب بعد القبض على الخنفوري وإيداعه السجن من جديد والحكم عليه بعقوبة الإعدام. خلف القضبان بعد أن قتل أحد أصدقائه، لم يكن الخنفوري، وهذا هو لقبه، واسمه الحقيقي المدون في شهادة الميلاد هو عيسى غفار، قد أكمل عامه العشرين حينما وجد نفسه محبوسا خلف القضبان بالسجن المركزي بالقنيطرة. لم يعد يطيق في تسعينيات القرن الماضي المكوث في السجن، وأمامه سنوات عديدة قبل أن يعانق الحرية، ففكر في مغادرة السجن، فكر في أن ينهي مدة الحبس قبل الأوان، ولم يكن من سبيل آخر لذلك غير الهروب، ومغادرة أسوار السجن، ليس من اجل توبة نصوح وغنما رغبة منه في مواصلة عمله الإجرامي، كانت الأيام تمضي ثقيلة على الخنفوري في سجنه، كان عليه أن يفكر في الأمر أكثر من مرة وينهي كابوس قفص حديدي عن طريق تدبير طريقة جهنمية للهروب، وبالتالي الاستمرار في ارتكابه جرائم أخرى اهتزت لها منطقة الغرب. خطة للهروب وضع المتهم، دون أن يحتاج إلى مساعدة أي شخص آخر، خطة للهروب من السجن نفذها ببراعة. كان أمر بقائه في السجن مجرد مسألة وقت فقط، ففي ليلة الهروب، قتل زميله في الزنزانة حتى لا يشي به لدى الحراس، ثم قتل حارس سجن تصدى له وحاول منعه من الفرار، بعد أن وجه إليه طعنة قاتلة، لم يكن يطيق أن يعترض سبيله أحد، لم يكن لديه ما يخسره خاصة وأنه محكوم عليه الإعدام، ولن تغير مسألة الهروب من الحكم شيئا، فواصل طريقه خارج أسوار السجن رفقة سجين آخر انتهز الفرصة ليفر معه كذلك من السجن. وكانت الحرية وبداية مسلسل إجرامي استمر طويلا. كون الخنفوري عصابته الإجرامية، لم يجد صعوبات في ذلك بحكم علاقته مع العديد من المجرمين، وقرر الاستقرار في منطقة الغرب بين مدينتي القنيطرة وسيدي قاسم. كانت جريمته المفضلة هي مهاجمة الأعراس وترهيب ضيوفها، وبالتالي اغتصاب العروسات، ولم يسلم من جرائمه أحد، ونتيجة لذلك، كان يحول العرس إلى ميتم، وكان يمضي سعيدا بعمله الإجرامي، طال ظلمه جميع سكان منطقة الغرب الذين حرمهم الخنفوري متعة الفرح وإقامة الأعراس، فحرصوا جميعا، طيلة شهور عديدة، على إقامة حفلات الزواج في تكتم شديد خشية التعرض لهجوم من عصابة الخنفوري. ولم يعد الإعلان عن الزواج أمرا مرغوبا فيه بين أهالي المنطقة. كان عيسى غفار يتعامل بصرامة بالغة مع أفراد عصابته والمتعاونين معه، حيث لم يتردد في قتل بعضهم وقطع ألسنة آخرين، حسب طبيعة الجرم الذي ارتكبوه، من خان يُقتل، ومن وشى أو حاول الوشاية يُقطع لسانه ليكون عبرة لباقي أفراد العصابة. وقد اشتهرت هذه العصابة كذلك بإقامة حواجز أمنية وهمية في الطرق الثانوية لمنطقة الغرب على مدار الساعة، ليلا ونهارا، لسلب المسافرين الذين يمرون منها أموالهم وممتلكاتهم. وقد طال إجرام الخنفوري وعصابته أيضا كبار الفلاحين وملاكي الأراضي بالمنطقة، الذين كانوا مضطرين إلى دفع إتاوات للخنفوري مقابل السماح لهم بإنجاز نشاطاتهم الفلاحية ورعاية مزروعاتهم. طغى الرجل كثيرا، لم يسلم من بطشه أحد، وكان لابد من البحث عن سبيل لإنهاء كابوس ظل يؤرق نوم وراحة سكان الغرب. القبض على الخنفوري أمام تعدد جرائم الخنفوري، كان لابد لرجال الأمن من تكثيف حملاتهم التمشيطية والبحث عن هذا المجرم الخطير الذي تمادى في نشر الذعر وإلحاق الأذى بالعديد من المواطنين، وكان يفلت في العديد من المرات من قبضة رجال الأمن، كان حريصا في تنقلاته، ولكنه كاد في إحدى الحملات أن يسقط في يد رجال الأمن بعد أن نجح دركيان في محاصرته في حقل لقصب السكر، لكنه استطاع أن يتخلص من الدركيين بسهولة بالغة، قتلهما ببرودة دم نادرة، ثم انصرف إلى تدبير شؤون عصابته. ولم يكن يفكر أبدا في العواقب، واستمر في طغيانه، ولم تنجح السلطات الأمنية في إلقاء القبض على الخنفوري إلا بعد تحريات كثيرة، إذ تمكن ضابط من إحكام قبضته عليه، رغم محاولة الخنفوري طعن ذلك الضابط. كان لابد من تقديم تضحيات كبيرة لوضع حد لنشاط الخنفوري الإجرامي. محاكمة الخنفوري
شدت أطوار محاكمة الخنفوري انتباه الرأي العام بالمغرب، واحتفل سكان منطقة الغرب بنهاية كابوس مجرم خطير روع ساكنة المنطقة وقض مضجعهم طيلة شهور عديدة، ولم يتردد بعد ذلك أعيان ووجهاء المنطقة في نصب خيام للاحتفال بإلقاء القبض على الخنفوري والحكم عليه بالإعدام. هذه المرة أصبح الفرح ممكنا وإقامة الأعراس أمرا ممكنا كذلك، وحق للعرسان أن يفرحوا بأعراسهم بعيدا عن شبح الخوف من مجرم كان يعرف بالخنفوري. نهاية مسلسل الرعب شكل القبض على الخنفوري حدثا سارا بالنسبة إلى كل الشباب الراغبين في بناء عش الزوجية، فقد أجل الكثير من العرسان إقامة حفل الفرح، كان اسم الخنفوري يتردد على كل الألسنة، وكان الخوف من أن تتكرر مأساة جديدة، وانتهى مسلسل الرعب الذي كان بطله الرئيسي الخنفوري، بوضع الأصفاد في يد مجرم خطير بادر معه كل الراغبين في الزواج إلى إقامة الأعراس والفرح بحرية بعيدا عن شبح خوف اسمه الخنفوري.