قام عادل العثماني، الشخص الذي شُدّت إليه الأنظار والكاميرات كمنفذ لتفجيرات مقهى «أركانة»، قبل شهور، بزيارة مدينة مراكش، ليس من أجل السياحة والاستجمام، كما تظاهر بذلك، وإنما من أجل تحديد الهدف الذي سيكون محط التفجيرات التي كان يخطط لها في صمت. العثماني يزور «جامع الفنا» كسائح تردد عادل العثماني، ابن مدينة آسفي، الساحلية، والتي تبعد عن مدينة مراكش بحوالي 150 كيلومترا، على ساحة «جامع الفنا»، الشهيرة أزيد من خمس مرات، كأي سائح مغربي. وقد مكّنه ذلك من معاينة جميع المقاهي والمحلات التجارية الكبرى الموجودة على جنبات الساحة، واعتاد الجلوس في «مقهى فرنسا»، المعروفة في الساحة، والتي تستقطب المشاهير والمثقفين، وأخذ صور بواسطة آلة التصوير لعدد من الأماكن الحيوية في المنطقة، إلى أن حدد «هدفه» في مقهى «أركانة»، على أساس أنها المقهى التي تستقبل أكبر عدد من الزبناء الأجانب وتقع في مكان إستراتيجي قريب من «الحلقات»، التي تؤثث ساحة «جامع الفنا»، والتي لا تبعد عن المصلحة الولاية للشرطة السياحة إلا بأمتار قليلة، كما أن مقهى «أركانة» تستقطب السياح الأجانب من مختلف الأجناس والأعمار وطيلة اليوم أكثر من أي مقهى أخرى. السفر إلى مراكش في سرية تامة قبل إقدامه على تفجير مقهى «أركانة» وقتل 17 شخصا، بينهم عمال وسياح أجانب، وإصابة 21 آخرين بجروح متفاوتة، قام عادل العثماني بزيارة المقهى قبل حوالي شهر من تنفيذ العملية الإرهابية. وقد كان العثماني يخطط للتفجيرات في سرية تامة، حتى إن عددا من أفراد أسرته لم يكونوا على علم بسفره إلى مراكش التي كان يقضي فيها، في غالب الأحيان، نصف يوم. وهكذا كان المتهم الرئيسي في هذه التفجيرات يتردد على ساحة «جامع الفنا»، القلب النابض لمدينة مراكش، دون غيرها من الأماكن المشهورة من أجل تنفيذ عمليته التخريبية. إعداد «وسائل» العملية بالموازاة مع ذلك، كان عادل العثماني، الشاب العشريني، الذي كان يقطن في منطقة «دار بوعودة»، جنوب مدينة آسفي، يعد العُدّة التي ستُمكّنه من حصد عدد كبير من الأرواح البشرية، التي لا ذنب لها سوى أن قدَرها أراد لها أن تكون موجودة، لسبب ما، في مقهى «أركانة» أو أن دينها غير الدين الإسلامي الحنيف والسمح. وهكذا قام العثماني، منبهرا بقيادات تنظيم القاعدة ومشايخ السلفية الجهادية، لاسيما أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبي مصعب الزرقاوي وعبد الله عزام، بشراء باروكة لتمويه المارة وأعين السلطة، من إحدى المحلات المتخصصة في الحلاقة في مدينته الساحلية ووفر عددا من اللوازم، المتمثلة في حقيبة كبيرة الحجم، للملابس، وحقيبة خاصة بالقيثارة التي وُلِع بها عادل العثماني في مرحلة من مراحل شبابه الطائش. اجتياز حاجز أمني إضافة إلى الوسائل والحاجيات الشكلية التي عمل عادل العثماني على توفيرها قبل يوم العملية، قام، شهورا قبل اليوم المعلوم، وبالموازاة مع مرحلة التخطيط، بإعداد المادة الحيوية، التي من شأنها أن تدوي داخل أرجاء مقهى «أركانة» وتحدث قتلى وجرحى. وقد استغل العثماني الهدوء الذي يعرفه المغرب ومدينة آسفي ليقطع المسافات صوب منطقة معزولة تدعى «سيدي دانيال»، التي تبعد عن مدينة أسفي بعشرات الكيلومترات وتقع قرب مركب المكتب الشريف للفوسفاط، الذي يوجد في هوامش المدينة، المهمَّشة. والجدير بالذكر أن الطريق التي كان يسلكها العثماني للتوجه نحو «مختبر» عملياته كان فيها حاجز أمني دائم، على اعتبار أن الطريق المذكورة تؤدي إلى المكتب الشريف للفوسفاط، أخطر المناطق تهديدا، وتعرف حركية دائما، اعتبارا لكون المنطقة تتكون من عدد كبير من محطات الاستجمام وتعرف حوادث كثيرة، إضافة إلى أن تلك الطريق هي معبر لتجار المخدرات، الذين يتخذون من تلك المنطقة «مملكة» لهم. «كوكوت مينوت» ومسامير بتوفير عدد من المعدات البسيطة، التي تدخل ضمن الوسائل العادية والمتوفرة لدى الجميع، قام العثماني باستخدام طنجرتي ضغط (كوكوت مينوت) حشاهما بنحو 15 كيلوغراما من المسامير، وأضاف إليها خلطة متفجرات تتكون من عدد من المحاليل والسوائل التي من شأنها إحداث انفجار قوي، وأبرزها سائل الألومينيوم. أجرى العثماني، قبل التوجه صوب «الهدف» في المدينة الحمراء، عدة تجارب من أجل اختبار مدى نجاعة القنبلة التي أعدها ومدى قوة انفجارها. وداخل مزرعة والده في منطقة «سدي دانيال»، النائية، أجرى عادل عددا من التجارب وقام بإدخال التعديلات على المكونات كلما ثبت عدم وجود قوة في الصدى. وبعد محاولات عدة، وقف العثماني على «النموذج النهائي» للقنبلة التي سيستعملها في عمليته يوم 28 أبريل الماضي في مدينة مراكش.