لم يكن أحد يدرك ما سيفعله «عادل العثماني»، المشتبه فيه الرئيسي في تنفيذ تفجيرات «أركانة». لم يصدق أحد من أفراد أسرة «عادل العثماني» أن الشاب الهادئ سيكون مصدر الاستنفار الأمني الدولي. التحقيقات التي باشرتها المصالح الأمنية مع «عادل العثماني» أشارت إلى أنه استغل المنزل الثاني الذي تعود ملكيته إلى والده والكائن بحي «مفتاح الخير» شمال آسفي، بعيدا عن حي «دار بوعودة»، الذي تقطن فيه أمه وشقيقه وشقيقة أخرى، لتحضير المواد المتفجرة، التي استعملها في تخريب «أركانة»، سيما أن المنزل نفسه يوجد في حي مازال خاليا من السكان وجل منازله مغلقة، لأن ملكية العديد منها تعود إلى مهاجرين مغاربة بأوربا. تحضيرات قبل ساعة الصفر حرص المشتبه فيه على أن تبقى أعماله التحضيرية بعيدة عن الأعين، بل إن زوجته الحامل في شهرها الثالث، كان يحرص على نقلها معه كل صباح من حي «مفتاح الخير» حيث منحه والده المقيم بالديار الفرنسية شقة به إلى منزل حي «دار بوعودة». كان يبدو «عادل العثماني» عاديا ولم يبد على تصرفاته الارتباك أو الخوف مع اقتراب ساعة الصفر. إذ عمد المشتبه فيه في الأيام التي سبقت عملية تفجير مقهى «أركانة» إلى مزاولة مهنته المتمثلة في بيع الأحذية المستعملة، لكن ما لم يكن عاديا ولم يلق له بالا أي من أفراد العائلة هو قراره القاضي ببيع جميع الأحذية، التي كانت بالدكان الذي يسيره، دفعة واحدة، موهما أسرته بأنه يريد تغيير الحرفة. لم يكن التدين باديا على سلوكات «عادل العثماني»، ولم يعرف عنه التشدد، في حين كان يتعاطى التخدير في بعض الأحيان، كما كان يقوم بسلوكات مشينة داخل منزله، حسب ما يحكيه أحد أصدقائه، فقد تسبب مرة في فوضى داخل البيت من خلال تكسيره لبعض الأواني. لم يكن عادل العثماني «سويا»، وهذا ما جعل والده يخصص له بأسفل البناية التي يمتلكها محلات تجارية قسمها بين ابنيه الذكرين، ليمارس «عادل» تجارة بيع الأحذية المستعملة، فيما شقيقه فتح مقهى في المحل المجاور. هذه المجاورة خلقت شنآنا كبيرا بين الفينة والأخرى بين الشقيقين، بسبب اكتظاظ المقهى، سيما في وقت مباريات كرة القدم، ما يجعل زبناء المقهى يحتلون الواجهة الأمامية لمحل عادل، مما كان يدفعه إلى التعامل بعصبية مع الزبناء. التجربة في انتظار «يوم القيامة» كان «عادل العثماني» يعد تجارب لمعرفة نجاعة المتفجرات، التي يمكن أن تدوي بشكل قوي في أرجاء المقهى الشهير، وهكذا اختار منطقة «سيدي دنيان» الهادئة والبعيدة عن أعين «أصحاب الحال» من أجل أن تمر التجربة بسلام، ولا يبقى سوى «يوم القيامة». الغريب في الأمر أن الطريق إلى سيدي دنيان، فضاء التجربة كان محفوفا «بخطر» الحواجز الأمنية التي أقيمت على الطريق المؤدية إلى «سيدي دنيان». لم يمنع ذلك «عادل العثماني» من السفر نحو «سيدي دنيان» المعمل التجريبي الذي كان فضاء لتجارب المتفجرات التي صنعها «عادل العثماني». هناك قام باختبار «الكوكوت مينوت» ومدى قوتها في «الزلزال». الطريق إلى «أركانة» جاء يوم التنفيذ، صباح يوم الخميس الأسود استقل «عادل العثماني» القطار القادم من مدينة آسفي والمتوجه صوب مدينة بنجرير، في حدود الساعة السابعة صباحا. توقف القطار بكل من اليوسفية وبعدها بنجرير قبل أن يستقل قطارا آخر سيتوجه بعد قليل من وصول «عادل» إلى مدينة مراكش. وصل «عادل» في حدود الساعة الحادية عشرة إلى محطة القطار بمراكش. لم ينتظر طويلا سيارة الأجرة، حيث يقف «طاكسي» صغير يبحث عن الزبائن، استقل «عادل سيارة الأجرة وطلب من السائق التوجه به صوب مسجد الكتبية، الذي شكل نقطة الإعداد. ماهي إلا حوالي خمس دقائق حتى وصل المشتبه فيه الرئيسي إلى المنطقة المذكورة. لم تكن حركة المارة كثيفة، الأمر الذي سهل على عادل إعادة رسم ملامح أخرى لشخصيته وذلك بوضع شعر اصطناعي فوق رأسه وتغطيته بقبعة سوداء، ووضع نظارة مضادة لأشعة الشمس، ليجلس ويعيد ترتيب المتفجرات وسط الحقيبة التي كان يحملها على كتفه. بعد أن أصبحت الحقيبة جاهزة للانفجار، حمل «عادل» أغراضه الوهمية التي كانت عبارة عن غلاف قيتارة، مما جعل العديد ممن التقوا به يظنون أنه أحد شباب «الهبيزم» بمن فيهم النادل «ياسين البوزيدي» الذي لفظ أنفاسه في الحين داخل المقهى على اعتبار أنه كان قريبا من المتفجرات التي خربت الطابق الأول من المقهى بشكل كبير. ساعة «الكوكوت مينوت» وصل «عادل إلى المقهى حاملا أغراضه، دخل بشكل لم يثر الشك والريبة، مع أن العاملين بالمقهى دقيقو الملاحظة بخصوص الزوار. جلس ابن مدينة أسفي في الطابق الأول وطلب من «ياسين البوزيدي» كأس عصير برتقال. بينما توجه النادل البوزيدي لإحضار طلب الزبون، شرع «عادل» في هندسة المكان وطريقة تنفيذ عمليته الإجرامية، حضر النادل حاملا كأس برتقال بارد ليروي عطش منفذ العملية. دامت مدة مكوث «عادل العثماني» داخل مقهى «أركانة» حوالي 45 دقيقة، هذا الأمر أثار الشكوك لدى المحققين، مما جعلهم يطرحون عليه أسئلة بخصوص هذا الأمر، فكان جوابه أن سبب مكوثه في المقهى طيلة هذه المدة الطويلة هو وجود «أخت» منقبة داخل المقهى، انتظر «عادل مغادرة «الأخت» المقهى، وإلى حين تحقق ذلك طلب مجددا فنجان قهوة لعله يكون المشروب الأخير له قبل تنفيذه عمليته. مباشرة بعد انصراف السيدة المنقبة من المقهى قرر «عادل» ترك الحقيبة في مكانه ومغادرة المقهى في الحين، حينها وبمجرد أن ابتعد عن المقهى بأمتار قليلة حمل هاتفه النقال وركب رقما ليتصل بالهاتف الموجود داخل الحقيبة التي كانت تحوي «كوكوت مينوت»، تماس الهاتف أحدث شرارات في الهاتف لتصل إلى المتفجرات التي كانت محشوة داخل «الكوكوت مينوت» ليسمع دوي انفجار قوي دوى صداه وسط ساحة جامع الفنا، وتتناثر الجثث في أرجاء المقهى وخارجه. العودة إلى المجهول بعد أن تأكد «عادل العثماني» من تنفيذ مخططه الإجرامي، تخلص من قناعه ووجهه غير الحقيقي بالقرب من ساحة جامع الفنا. بعدها استقل سيارة أجرة صغيرة توجهت به صوب المحطة الطرقية لنقل المسافرين، هناك تخلص من شاربه، من أجل إزالة أي علامة يمكن أن تثير الشكوك حوله. استقل الشاب العشريني الحافلة وتوجه صوب مدينة آسفي، التي ستكون بالنسبة إليه بعدما كان يعيش فيها آمنا مطمئنا، مجهولا وقبلة للإيقاع به وجعله «نجما» في التخريب، بعد أن كان مواطنا عاديا.