ما بين 1000و15 ألف درهم، تكفي لوضع حد لحمل غير مرغوب فيه، أكثر من 600 حالة إجهاض سري تسجل يوميا بالمغرب، يتم البعض منها في ظروف غير سليمة، لكن الأطباء يجرون هذه العمليات رغم تشدد القانون، لأن الإجهاض السري بالمغرب تحول إلى سوق مربحة لبعض الأطباء. «المساء» تسلط الضوء على هذا العالم وتنقل قصص فتيات عشن التجربة. فتيات في عمر الزهور أو سيدات شاءت الأقدار أن يقعن في حمل غير مرغوب فيه خارج مؤسسة الزواج، لم يجدن إلا طريق الإجهاض كحل لمصيبتهن. فتيات جربن جميع الطرق من أجل وضع حد لحياة جنين، جاء نتيجة خطأ. وبالرغم من صعوبة الاختيار وعدم قانونيته، فإنهن يخترن اللجوء إلى الإجهاض السري سواء بطريقة طبية أو تقليدية، مهما كلفهن الإجهاض من مال أو حتى مضاعفات جسدية ونفسية. فمريم رغم مرور أكثر من ست سنوات على عملية الإجهاض مازالت تعاني تبعات ذلك « إلى الآن ما زلت أشعر بخوف من فكرة الحمل، وينتابني قلق من وقوع شيء ما برحمي لا أعرف ما هو». مبلغ ما بين 1000و15 ألف درهم، يكفي لوضع حد لحمل غير مرغوب فيه، تختلف التكلفة حسب الخطر الذي يتعرض له الطبيب والذي قد يصل إلى السجن، وحسب تقدم مدة الحمل إذ كلما تقدمت زادت التكاليف، كما تختلف حسب ما إذا كانت المرأة متزوجة أم لا، صغيرة أم كبيرة، ويمكن أن يصل المبلغ إلى 15 ألف درهم. تحول الإجهاض السري إلى سوق لاغتناء بعض الأطباء. دخل يومي قد لا يقل عن 3000 درهم، بالنسبة للبعض منهم، يكون في بعض الأحيان مشجعا للأطباء على خوض غمار هذه التجربة التي قد يؤدي فشلها إلى دخول الطبيب إلى السجن... تشدد القوانين لم يمنع هؤلاء الأطباء من تحويل الإجهاض السري إلى سوق تجاري مربح. بعض الأطباء يجدون أنفسهم خلف القضبان بعد وفاة المريضة بسبب حدوث مضاعفات أثناء العملية «يمكن أن يقوم الطبيب بامتصاص الأمعاء عوض الرحم خلال عملية الإجهاض»، يقول الطبيب شفيق الشرايبي، الاختصاصي في أمراض وجراحة النساء وعلاج العقم ورئيس مصلحة الولادة بمستشفى الليمون بالرباط، متحدثا عن مضاعفات الإجهاض السري. «هناك ازدواجية في تعامل الدولة مع الأطباء الذين يُجرون عمليات الإجهاض السري، فهي تحاسبهم إن أخطؤوا لكنها، في حالة الحاجة، تلجأ إلى خدماتهم»، يقول الدكتور الشرايبي مفسرا سبب انتشار عمليات الإجهاض السري بالعيادات الخاصة لأطباء المملكة. بالرغم من صرامة القوانين السارية حاليا في المغرب إذا ما طبقت بحذافيرها، فالإجهاض غير قانوني في معظم الحالات، باستثناء «الإجهاض التلقائي» المعروف أيضا بسقوط الجنين وكذا العمليات التي تجرى من أجل إنقاذ صحة الأم، إلا أن القانون غير دقيق في هذا النطاق. وتكون العقوبات قاسية، حيث تنص المادة 449 من القانون الجنائي على أن المرأة التي توافق على الإجهاض يحكم عليها بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين فيما قد يعاقب المشرع المشاركين في عملية الإجهاض بالسجن من شهرين إلى سنتين. وقد تكون العقوبات أكثر صرامة في حالة وفاة المرأة خلال العملية. ويُشكل نص القانون في مادته 453 التي تعتبر أنه لا يُعاقَب الإجهاض «إذا كانت صحة الأم في خطر» مثارَ رغبة في تغييره، حيث يطالب المدافعون عن تقنين الإجهاض باعتماد تعريف «صحة الأم»، الذي تعتمده منظمة الصحة العالمية، التي تتحدث عن صحة الأم «البدنية والنفسية».. أي أنه إذا كان الإجهاض يؤثر على نفسية الأم الحامل، فإنه يجوز الإجهاض. هذه الأصوات التي تطالب بأن تتم مواكبة التحولات الاجتماعية التي يعرفها المغرب والتغير النوعي للنظام السكاني بتغير هذه القوانين « المتجاوزة»، لأن القانون عندما يصبح عاجزا عن مواكبة التحولات الاجتماعية نصبح أمام مشاكل من قبيل الأطفال المتخلى عنهم، والأمهات غير المؤهلات اجتماعيا، التي تسجل جمعيات المجتمع المدني بخصوصها أرقاما مرتفعة. فحسب بعض الأرقام التي تقدمها جمعيات المجتمع المدني فإنه يتم تسجيل 153 ولادة لأطفال خارج مؤسسة الزواج، ضمنهم 24 طفلا يتم التخلي عنهم، وأن 38 في المائة منهم تم التخلي عنهم بطريقة غير قانونية، أي حوالي 3329 طفلا. الدكتور الشرايبي، قال في حوار مع «المساء» بأن « القوانين يجب أن تتغير لتواكب التغيرات التي يعرفها المجتمع، وعليه فإنه من غير المقبول أن يستمر العمل بنصوص قوانين تعود إلى سنوات الخمسينيات». لكن أصوات المدافعين عن تقنين الإجهاض ولو حتى في بعض الحالات على الأقل تقابل بتشدد أصوات رجال الدين الرافضين لتقنين الإجهاض، مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي لوجدة، يعتبر أن الإجهاز على حياة الجنين حرام من الناحية الشرعية، ويقول «لا حاجة للبحث عن مسوغات من شأنها الالتفاف حول هذا الحكم مادام أن الإسلام يحرم بشكل صريح مسألة قتل النفس». الأرقام التي تحاول حصر هذه الظاهرة تبقى غير دقيقة؛ في ظل غياب أرقام رسمية لوزارة الصحة حول العدد الحقيقي لعمليات الإجهاض السرية التي تخضع لها المغربيات في مختلف المدن. لكن جمعيات المجتمع المدني تقدم أرقاما، يرى البعض أنها تدق ناقوس الخطر، حول مدى تفشي هذه الظاهرة في العيادات الخاصة لأطباء المملكة؛ فالجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري أشارت إلى ما بين 500 و 600 حالة إجهاض طبية تسجل يوميا بالمغرب، وما بين 150 و 250 حالة أخرى غير طبية، وأرقام تلامس تلك المقدمة من طرف «الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة»، والتي أنجزت دراسة ميدانية في الموضوع. بعض الفتيات يحاولن التخلص من الجنين مهما كلف الأمر مخافة ردة فعل عنيفة من الأسرة والمجتمع. خديجة تحكي قصة ابنة الجيران التي حاولت التخلص من حملها عبر تناول بعض الأعشاب التي تساعد على إسقاط الجنين دون مشاكل. لكن بعد مضي أقل من أسبوع، تحكي خديجة أن ابنة الجيران أصيبت بنزيف حاد تطلب نقلها على وجه السرعة إلى المستشفى، الذي رقدت فيه ولم تخرج منه إلا جثة هامدة. لكن المجتمع المغربي رغم أنه يعرف انتشار هذه الظاهرة، إلا أن بعض فئاته مازالت تبدي تحفظا بخصوص الإجهاض. لكن في مقابل ذلك، بدأت تتعالى بعض الأصوات خاصة في صفوف الشباب من أجل المطالبة بتقنين الإجهاض في بعض الحالات التي تطرح إشكاليات على صحة الأم وسلامتها البدنية والنفسية، كحالة الاغتصاب أو زنا المحارم.