كانت السعدية تنتظر عودة ابنتها بشغف من حقول دوار أولاد يوسف الذي يبعد عن دوار أولاد يعيش بمسافة تفوق عشرة كيلومترات، كانت تهيئ عشاء بسيطا يتكون من الشاي والخبز، كانت السعدية تردد أغاني ودندنات حزينة، وتارة تخرج من أعماقها آهات، ولكنها سرعان ما كانت تحمد الله الذي وهبها أبناء، ولم يتركها وحيدة بعد وفاة زوجها قبل ثمان سنوات، وهاهي اليوم تحمد الله أكثر بعدما أصبح أبناؤها الثمانية يبلغون سن الرشد أو يكادون، لا يهم إن كانت أصغرهم البنت التي لم تبلغ السادسة عشرة بعد هي التي تشتغل هذه الأيام، مادام العمل المتوفر في الحقول هو الوحيد، ولكن المهم أن تعود كل يوم بالسلامة، وتحمل قبل يوم سوق الجمعة الأسبوعي بأولاد يعيش بعض الدريهمات تساعدهم في اقتناء حاجياتهم. أصبح ترقب السعدية مشوبا بخوف كبير كلما تأخر موعد وصول ابنتها الصغرى نادية، لم تفق السعدية من هواجسها التي حاولت ما أمكن أن تبعد منها شبح أن يكون حصل لابنتها مكروه، وبقيت على هذا الحال.إلى أن سمعت صراخ رشيدة وفتيحة الذي أخاف كل ساكنة الدوار، كانتا تهرولان بعد قطع مسافة تزيد عن ستة كيلومترات جريا على الأقدام في محاولة لتدارك ما يمكن تداركه.. فيما لم تكن رفقتهن ثالثتهن نادية. فاعل خير كانت بداية ذلك المساء البارد من شهر دجنبر عادية، فبعد أن انتهت الفتيات الثلاث من جني الجزر وغسله بأحد الحقول خرجن كعادتهن من الحقل ووقفن بجانب الطريق في انتظار سيارة أجرة لتقلهن كالعادة إلى دوار أولاد يعيش حيث مقر سكناهن، أو أن يرق قلب أحدهم لحالهن ويوصلهن برا وإحسانا. توقف صاحب جرار فلاحي وأعرب للفتيات عن نيته في الذهاب إلى دوار أولاد يعيش، ورغبته في إيصالهن إلى وجهتهن. عباس الذي تخرج من مدرسة السجون بعدما سبق أن قضى بها ستة أشهر نافذة من أجل الضرب والجرح، أثارته نادية أجمل الفتيات وأصغرهن، لم يتردد في أن يضع مخططا جهنميا سيقوده إلى هدفه، ومادامت الفتيات قد وثقن به وركبن الجرار، فلماذا لا يجرب أن يبدأ في حبك أول فصول جريمته.
عباس ابن الدوار تأكدت الفتيات من حسن نية عباس، وسرعان ما انخرطن في إجابات عفوية عن أسئلة كان يهدف من ورائها إلى كسب مزيد من الثقة، أسئلة في أغلبها تبدي تعاطفا مع حالة هؤلاء الفتيات القادمات من بلاد بعيدة، أجبرتهن الظروف على العمل في حقول أولاد اسعيد، واقترح عليهن بدلا من ذلك العمل في حقول أولاد يوسف الذي ينتمي إليه والذي تحول في السنوات الأخيرة إلى جنة خضراء، مذكرا بسخاء أبناء دواره مع «البراني» خاصة بعد أن تحول الفقر إلى غنى فاحش، وتحولت جل الضيعات التي كان يملكها الدوار المجاور أولاد اسعيد إلى ملكية دوار أولاد يوسف، وأطلعهن على أنه ينتظر عقد عمل بإيطاليا سيفتح له أبواب المستقبل الباذخ، ورغم أنه لا يتوفر على البطاقة الوطنية فإن المال في اعتقاده يفعل كل شيء. الحمل الوديع والوحش الكاسر اطمأنت الفتيات إلى حديث عباس، لذلك لم يساورهن أدنى شك في صدق كلامه وحجته عندما انعرج بهن مدعيا نيته في أن يأخذ أموالا من البيت لشراء البنزين، كان مخطط عباس قد أشرف على نهايته، زاد من سرعة الجرار. حينئد انقلب الحمل الوديع إلى وحش كاسر، وفي مكان بعيد عن أعين الناس طلب من الفتيات النزول بعدما أوقف الجرار، وببرودة دم طلب من رشيدة وفتيحة أن تتركاه برفقة نادية التي يريد أن يمارس عليها الجنس، حاولت الفتيات الهرب، إلا أن حركة عباس كانت أسرع، أمسك نادية من شعرها وأشهر سكينا في وجه رشيدة وفتيحة، اقترب من فتيحة التي حاولت أن تقترح نفسها بدلا من الفتاة الصغيرة المسكينة التي لم يشفع لها صغر سنها ولا تضرعها لعباس بالبكاء في تركها، وحاول أن يوجه إليها ضربة بالسكين ففرت هاربة وهي تبكي، ولم تجد رشيدة غير الدموع والعويل، حاولت نادية أن تفلت من عباس، كانت حركات جسدها الغض المنهك بعد يوم من العمل الشاق أشبه بمصارعة ثور هائج، أمسكها من شعرها ووجه إليها صفعات متتالية أفقدتها توازنها، وضع السكين على عنقها مخيرا إياها بين الاستسلام وتسهيل إشباع نزواته أو أن يكون آخر عهدها بالحياة تلك اللحظة، أسقطها أرضا، وقام باغتصابها ومارس عليها شذوذه المرضي ثلاث مرات، محتفظا بها إلى جانبه... هرع كل أهل الدوار بعدما وصلهم النبأ الصاعقة، الصغيرة نادية اليتيمة بنت السعدية اختطفها وحش كاسر من دوار أولاد يوسف واغتصبها، بل وهدد بقتلها، بعدما اتصلوا برجال الدرك بقصبة تادلة، سارعوا إلى مكان الحادث الذي وصفته الفتاتان الناجيتان من بطش عباس، بعض من سمعوا بالحادث من سكان أولاد يعيش، تسلحوا بهراوات، فيما كان البعض الآخر يحاول الوصول إلى مكان الحادث دون أن يفكر في العواقب، كان أملهم أن يجدوا الفتاة على قيد الحياة قبل كل شيء، وجدوا عباس مستلقيا يمسك نادية من شعر رأسها بجانبه، والرعب الشديد يتملكها ولا سلاح لها غير دموعها. اعترف أمام رجال الدرك الذين قدموا من مدينة قصبة تادلة بأنه قام فعلا باستدراج الفتيات واختطافهن من أجل أن يمارس على إحداهن الجنس، لم يخجل من اعترافه طالما أن الضحية يتيمة «برانية» لا أحد سيناقشه أو يحاسبه عما فعل بها. سقوط عباس حاول عباس الذي خرج حديثا من السجن أن يتدارك الموقف طالبا من السعدية أن تزوجه الفتاة القاصر، بعدما تنبه إلى أنه في ورطة قد تعيده من جديد إلى سجن بني ملال، وتذكر كيف أن بعض المهاجرين يتزوجون في المساء ويطلقون في الصباح، يكفي فقط أن يدفعوا أموالا كثيرة، لكن السعدية وأبناء دوار أولاد يعيش لم تنطل عليهم الحيلة ولم تحقق أمنية عباس. محاكمة المتهم تم اعتقال عباس وتقديمه للعدالة، وصدر حكم بإدانته بمحكمة الاستئناف بسنتين نافذتين وبتعويض قدره 15000 درهم، بعدما كان قد أدين بسنة نافذة وأخرى موقوفة التنفيذ، وتعويض مالي قدره 7000 درهم أثناء محاكمته بالمحكمة الابتدائية.