تختتم، مساء غد السبت، فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان «موازين» بسهرة للفنانة العالمية شاكيرا. ومن المنتظَر أن يحضر هذه السهرة الفنية جمهور قياسي بالنظر إلى شهرة هذا الاسم الفني، كما يرتقب أن تشدد الإجراءات الأمنية لتلافي وقوع أي حادث بعد التهديد باستهداف الفنانة الكولومبية ب«البيض الخاسر»... وبحفل شاكيرا، يسدل الستار على دورة السنة الحالية لمهرجان «موازين»، بعد أكثر من أسبوع من السهرات الفنية المختلفة، تراوحت بين الإيقاعات الروحية والإيقاعات الطربية، فضلا على كثير من الرقصات الشرقية والإثارة المجانية أحيانا. وقد شكّلت سهرة الفنان يوسف إسلام (كات ستيفنس) إحدى أهم السهرات التي نظمت ضمن كل دورات «موازين»، بالنظر إلى تاريخ هذا الفنان ورؤيته الفنية واختيارته الدينية، هو الذي قال في تصريح صحافي: إن «نشر رسالة السلام في عالم يسوده سوء الفهم والنزاعات يعد من بين أسباب عودتي (بعد غياب طويل) إلى المجال الفني، ففي حياتي، تخطيتُ العديد من العراقيل واستطعت تحقيق الكثير من أحلامي. لكن شيئاً ظل ينقصني، إنه الجانب الروحي، الذي كنت في أمَسّ الحاجة إليه وألهمني كثيرا». وتابع قائلا: «لقد وجدت في القرآن الكريم الإجابات الأكثر إرضاء لتساؤلاتي، وتغيرت بعد ذلك حياتي. لقد أصبحت أحسن حالا. وفي هذه المرحلة بالذات، بدأتُ حياتي العائلية والتزامي لخدمة القضايا الإنسانية، ولم يعد لديّ الوقت الكافي للعمل الفني». وأردف يوسف إسلام قائلا إن الغناء بالنسبة إليه وسيلة ل«الشفاء وللتواصل» مع عشاق موسيقاه، الذين «هجرهم» منذ سبعينيات القرن الماضي. يذكر أن يوسف إسلام توارى كليا عن الأضواء ما بين سنتي 1977 و1985، ليعود بعد ذلك، لكنْ بالاقتصار على الأناشيد الدينية. وكان يتوجب الانتظار حتى عام 2006 ليسجل أخيرا ألبوما جديدا، قبل أن يشرع في جولة عالمية عام 2010. وفي نفس الإطار، احتفت أسوار قصبة «الأوداية»، التاريخية، في الرباط يوم السبت الماضي، بالإيقاعات الإفريقية الأصيلة، حيث تناثرت نغمات الفنان المالي ساليف كييتا، الممزوجة بعبق العمق الإفريقي، وقد أمتع كييتا، الذي يصفه النقاد والمهتمون ب«عميد الموسقى العصرية المالية»، والذي أمضى أربعة عقود في المجال الفني، عشاق هذا النوع من الموسيقى، ولأزيد من ساعتين، مبرهنا بذلك على أن الموسيقى لا تعترف بالحدود. وسارت الفنانة ثورية الحضراوي في نفس السياق الإيقاعي الروحي، فليس من شيء أجمل من أن يغني المرء «شمس العشية في أوانها»، تقول الحضراوي لعشاقها في دار الفنون في الرباط من أهل الطرب والغناء، الذين جاؤوا ليشنفوا مسامعهم بإيقاعات صوفية أندلسية ومن رياض الملحون. وقد تفاعل هذا الجمهور مع أغاني وقصائد وأزجال من التراث الموسيقي المغربي الأصيل، في سفر فني عبر الألحان الأندلسية والأنغام المغربية والإنشاد الصوفي.. ومن شأن هذا الانفتاح الموسيقي، تقول الحضراوي، أن يكون مِحكّا لفن الملحون لكي يبحث عن قوالب وأنماط جديدة تمُدّه بنفَس جديد، مشددة على أن الفن الأصيل، وفن الملحون بالذات، «في صحة جيدة» ويشكل مصدر إلهام، لها ولغيرها. وسحرت الفنانة سوزانا باكا، مبدعة الأغنية البيروفية من أصل إفريقي، جمهور مهرجان «موازين -إيقاعات العالم»، الذي يطفئ هذه السنة شمعته العاشرة. وسوزانا باكا، الحائزة على جائزة «غرامي» اللاتينية عن ألبومها «الحزن الأسود»، فنانة عصامية، احتكّت بالغناء منذ نعومة أظافرها في حي الصيادين في ضواحي العاصمة ليما، حيث تأثرت بالبحر وبكفاح الصيادين من أجل لقمة العيش. وتروي مطربة البيرو الشهيرة بصوتها الشجي والعميق قصة زنوج أمريكا اللاتينية التي يجهلها الكثيرون، وكيف زُجّ بهم كعبيد في البيرو، وقد قررت، لحساسيتها تجاه الميز العنصري، تبنّي رسالة خلق جسر بين ثقافة الزنوج في البيرو وبين أجدادهم. وتشكل إبداعات سوزانا باكا أنطولوجيا رائعة لاكتشاف الموسيقى الأفرو -بيروفية، وهي تجمع بين التقليدي والعصري، أولاها «كولور دي روزا بويزيا إي كانتو نيغرو» (لون الوردة شعر وغناء زنجي) سنة 1997، وآخرها «أفرودي أسبورا» (أفارقة الشتات) الذي أصدرته خلال هذه السنة. ومن جانبه، أبدع المغني البريطاني روجير هودسن، مساء الأحد الماضي في مسرح محمد الخامس في الرباط، من خلال أروع أغاني مجموعة «سوبر ترامب»، رفقة الجوق السمفوني الملكي، بقيادة المايسترو أولغ ريفيتش. وقبل استهلاله العرض، حيى هودسن، مؤسس ومؤلف مجموعة «سوبر ترامب»، عشاقه من جمهور الدورة العاشرة لمهرجان «موازين»، الذين حضروا بكثافة للاستمتاع بأغانٍ تعود بهم في سفر فني إلى زمن السبعينيات. وعلى مدى ساعتين، انسجم فيها هودسن مع الجوق السمفوني الملكي، استمتع الجمهور بروائع «سوبر ترامب»، مثل «دريمر» (الحالم)، «بريكفاست إن أميريكا» (إفطار في أمريكا) و«إيفن ذو كوايتست ماومنت» (لحظات السكون)... وبين الأغنية والأخرى، كان هودسن يتفاعل مع الجمهور ليحكي قصصا وأحاسيس مرتبطة بكل أغنية. وسارت مجموعة «بهاراتي»، الهندية، في رحلة الإمتاع الجميل والراقي، الذي يجد في التاريخ الهندي المادة الأولية. وقد قدمت الفرقة مختارات متميزة للتراث الأسيوي الراقي، استحسنها أغلب من حضروا عروض هذه الفرقة الموسيقية الراقصة. وفي الطرف النقيض، حضرت «الدبكة» والرقص الشرقي والإيقاعات الخليجية المهيّجة وغابت الموهبة في العديد من السهرات، ففي سهرة فارس كرم، رقص عشاق الموسيقى اللبنانية على «الدبكة» وإيقاعات «موسيقى الضيعات»، خلال حفل استعانت فيه كارول سماحة بموهبتها في الرقص بتنورة قصيرة لم تتورع في استغلالها في الرقص. وسارت نوال الزغبي على النهج ذاته، من خلال اختيار لباس مغربي مقترن بجينز «أبرز» كثيرا من مفاتن الفنانة اللبنانية، وركزت على الرقصات، بينما «غاب» الصوت.. كما غاب عن الفنانة الكبيرة ميادة الحناوي سحرها وتوجها وقدرتها على الإبداع في المقامات، ولم يسعف الفنان كاظم الساهر المقام ليعيد زمن «مدرسة الحب» و«أشهد»، في الوقت الذي عاش عشاق الفن الشعبي مع خصوصية هذا اللون الإيقاعي.