قال أحمد بن الزي، مدير أكاديمية تادلة -أزيلال إنه تم توسيع العرض التربوي في الجهة من خلال رفع عدد المؤسسات التعليمية، سواء المحدثة أو التي استفادت من التوسيع أو من حجرات جديدة، مشيرا، في الحوار الذي أجرته معه «المساء»، إلى أنه تم الرفع من عدد الداخليات، إذ استُحدِثت 54 داخلية منذ 2008، فضلا على الرفع من مستوى الإيواء، كما وكيفا، عبر تجهيز الداخليات والمطاعم وتحسين ظروف الإطعام، وكل هذا في ظرف سنتين فقط. ومن جهة أخرى، قال أحمد بن الزي إن الجهة التي كانت تعاني قبل البرنامج الاستعجالي من مشاكل الانقطاع والهدر المدرسي استطاعت التغلب على مجموعة من المعيقات التي كانت تفرض على الأسر تسريب أبنائهم من المدرسة. - قبل البدء في هذا الحوار، أشرت إلى أن جهة تادلة -أزيلال تعد من أكثر الجهات التي استفادت من البرنامج الاستعجالي، ولكن من يقرأ تقارير الدورة العاشرة للمجلس الإداري للأكاديمية سيلاحظ أن هناك مؤشرات دون المستوى الوطني، كيف تدافعون عن طرحكم؟ فعلا، قد يبدو هذا الوضع متناقضا للوهلة الأولى، لكن قبل مقارنة مؤشرات الجهة بباقي الجهات ينبغي، أولا، مقارنة مؤشرات الجهة بعد الشروع في البرنامج الاستعجالي بمؤشرات الجهة نفسها قبل هذا البرنامج، حيث سيلاحظ أن ما تم إنجازه في الجهة جعل تعليم الجهة يكتب تاريخا جديدا كليا، وهذا مسنود بأرقام وليس بانطباعات. فكما هو معلوم، لم تكن جهات المملكة كلها متشابهة من حيث الإمكانات، والوزارة واعية جدا بهذه التفاوتات، فالجهات التي يطغى عليها الطابع القروي ليست هي الجهات التي يطغى عليها الطابع الحضري، وقس على ذلك باقي المقارنات، لذلك فأثناء وضع البرنامج الاستعجالي تم استحضار هذا المعطى، حيث كانت الأولوية هي تأهيل الجهات ذات الإمكانات الضعيفة، عبر رصد إمكانات مادية ولوجستيكية وبشرية ضخمة وقياسية لهذه الجهات لم يسبق لها مثيل في تاريخ المغرب، ثم في نفس الوقت تعزيز إمكانات الجهات الأخرى، والهدف، في الأخير، هو أن تحظى كل جهات المملكة بتعليم حديث يستجيب للرهانات الكبرى التي رفعتها المملكة. ويمكن أن نُشبّه اختلاف مؤشرات الجهات بسباق طويل وشاق تتفاوت فيه إمكانات المتسابقين، ففلسفة البرنامج الاستعجالي هي إعطاء كل المتسابقين المقدرة والإمكانات والخطط ليكون السباق متكافئا. وأنا متأكد الآن من أن جهة تادلة -أزيلال أصبحت ندا محترما، لانخراطها القوي في سباق الرفع من المؤشرات ووتيرة الإنجازات. - ما هي حجتك في هذه القناعة، لاسيما أن بعض الأصوات في الجهة ما فتئت تنتقد الوضع التعليمي فيها؟ قبل أن أشرع في تقديم أهم الأرقام -حسب ما يسمح به الحيز طبعا- أريد أن أوجه عناية كل المهتمين بالشأن التعليمي في الجهة إلى أن إصلاح التعليم لا يمكن أن يتم بدون مشاركة الجميع وسيشرفنا أن نستمع إلى الانتقادات والاقترحات، وهي دوما عنصر إغناء للعمل وليس عنصر تثبيط، فالتعليم أضحى مع البرنامج الاستعجالي نموذجا يُحتذى به في معنى التواصل والإشراك. وبالعودة إلى سؤالك، وهنا سأكتفي على سبيل المثال فقط لا الحصر، فقد تم في إطار توسيع العرض التربوي، رفع عدد المؤسسات التعليمية، سواء المحدثة أو التي استفادت من التوسيع أو التي استفادت من حجرات جديدة. وأهم ما تم إنجازه في هذا الشأن، أيضا، هو الرفع من عدد الداخليات، ونحن نعرف أهمية هذا المرفق الحيوي، فهي من جهة يطغى عليها الطابع القروي، بعدد 54 داخلية منذ 2008، ناهيك عن الرفع من مستوى الإيواء، كما وكيفا، عبر تجهيز الداخليات والمطاعم وتحسين ظروف الإطعام، في ظرف سنتين فقط. ونظرا إلى الطبيعة المجالية ذاتها، فإن الجهة كانت تعاني قبل البرنامج الاستعجالي من مشاكل الانقطاع والهدر المدرسي، واستطعنا التغلب على مجموعة من المعيقات التي كانت تفرض على الأسر تسريب أبنائهم من المدرسة، عبر نهج خطط للدعم الاجتماعي، حيث استفاد كل التلاميذ المعنيين بمذكرة «مليون محفظة»، وتم تمكين التلاميذ من المنح، إذ ارتفعت نسبة الإيواء، وتم تكييف مسألة الزي الموحد مع الطبيعة المناخية للمناطق، حيث تم تمكين تلاميذ المناطق الجبلية من زي موحد يحميهم من قسوة البرد في الشتاء وبزي آخر للجو المعتدل، ثم الحلول المبتكرة التي تم نهجها في مسألة النقل المدرسي، خصوصا تفعيل الشراكات مع وزارة الداخلية، والتي كانت شراكة الوزارة معها حاسمة في هذا الشأن، وهذا كانت له نتائج ملموسة في رفع نسبة التمدرس والنجاح، ففي شهادة الباكلوريا مثلا استطاعت الجهة، في السنتين الأخيرتين، أن تحصل على المراتب الأولى في نسبة النجاح، وهذا إنجاز مشرف جدا ساهم في تحقيقه الجميع، مدرسين وإداريين ومفتشين وكل أطر المنظومة في الجهة. ولا ننسى، أيضا، ما تم إنجازه في مسعى التغلب على مشاكل التكرار والانقطاع، حتى إن ما تم إنجازه يعد قريبا جدا من المستوى الوطني، ناهيك عن المؤشرات الإيجابية الأخرى التي تحققت في قطب التعميم والقطب البيداغوجي وقطب الحكامة، وهذا موثق بأرقام موثوقة لكل من يريد الاضطلاع عليها، وأنا هنا لا بد أن أعترف أنني لا أدّعي تحقيق الكمال، فما زال الدرب طويلا وهناك عمل كثير ينتظرنا، لكنني أعترف أيضا أن تعليم الجهة قبل 2008 ليس هو نفسه قبل 2008. -جاءت مسألة المدرسة الجماعاتية لتصحح وضعا غير طبيعي، إذ بدل أن يأتي التلميذ إلى المدرسة، فإن المدرسة تذهب إلى لتلميذ، وهذا أحيانا يخلق مشاكل أكثر مما يعطي حلولا، سواء في مناخ الدراسة والتحصيل بالنسبة إلى التلاميذ أو مناخ العمل بالنسبة إلى المدرسين. -أنا أتفق معك في تعبير «تصحيح الوضع»، فقد ألِفْنا، في مرحلة ما قبل البرنامج الاستعجالي، أن نجد حجرة واحدة من البناء الجاهز في قمة جبل لا تتوفر فيها أدنى شروط العمل بالنسبة إلى المدرس ولا شروط التحصيل بالنسبة إلى التلميذ، وقد كانت لهذا الوضع حيثياته في تلك المرحلة، ولا يمكن أن ننكر أن له بعض الإيجابيات، لكن اليوم تم الوعي أن عملية التعلم لا تقتضي فقط معلما وتلميذا وجدرانا، بل تتطلب شروطا أخرى للارتقاء بجودة هذا التعلم، شروط تضمن للتلميذ قاعة محترمة وفي نفس الوقت مأوى ومطعما ومكتبة وفضاءات رياضية وثقافية، وتضمن للمعلم شروطا محترمة للاستقرار أيضا، سواء لأمنه الشخصي أو استقراره العائلي والنفسي، وهو أمر مهم جدا لتحقيق جودة التعليم، وكل هذا التصور تم جمعه في صيغة مبتكرة هي المدرسة الجماعاتية. ولكي لا يبدو كلامي هذا نظريا، لا بد أن أشير إلى أن الجهة اليوم تشهد عملية بناء 22 مدرسة جماعاتية ستستفيد منها المناطق الجبلية، وهذا مشروع ضخم جدا، ناهيك عن إعداديات نموذجية، سترفع الكثير من المعاناة التي يعيشها أسر وتلاميذ ومدرسو مناطق، مثل (ناوور وتيزي نيسلي، بوتفردة وأغبالا...) وهي مناطق يعرف الجميع صعوبتها. - ذكرت في جواب سابق أن نسبة النجاح في الباكلوريا في الجهة تضاهي النسبة الوطنية، ألا يعني هذا ضرورة الالتفاتة إلى جنود الخفاء الحقيقيين الذي يصنعون هذه النسب بالتضحة وبالتفاني، ونقصد المدرسين؟ -لا بد أن أنوه هنا بالعمل الجبار الذي يقوم به المدرسون في تحقيق هذه الإنجازات، وأيضا بانخراطهم الفعال في الدينامية التي تشهدها الحياة المدرسية عموما في الجهة، وأنا أقول هذا الآن وأتحمل فيه كل مسؤوليتي، فأنا لم أر في كل المناطق التي اشتغلت فيها هذا القدر من روح التضحية الموجود لدى مدرسي هذه الجهة، حيث نجد أن أغلب المدرسين يضربون وفي نفس الوقت يعملون على تعويض الحصص التي أضربوا خلالها، وهذا عمل ينم على مستوى من الشعور بالمسؤولية يستوجب الإشادة والاحترام، إنهم نموذج للعلاقة بين الحق والواجب. -الشراكة بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الداخلية دليل على أن إصلاح التعليم في المغرب أضحى رهانا مجتمعيا، ما هي ملامح هذه الشراكة في الجهة؟ البرنامج الاستعجالي، كما هو معلوم، كان نتاج توافق كل مكونات الدولة المغربية على ضرورة تأهيل التعليم في المغرب، والشراكة مع وزارة الداخلية هي نموذج لهذا التوافق، ففي الجهة نلمس مجهودات كبيرة يقوم بها رجال السلطة، بدءا من الوالي إلى أصغر إطار، والذين أوجه لهم بالمناسبة شكري على ما يقومون به للرفع من وتيرة إصلاح التعليم في الجهة. ويكفي هنا أن أشير إلى الاتفاقية التي بموجبها سيتم بناء مساكن لرجال التعليم، 12 مسكنا فرديا و39 عمارة في أزيلال، تغطي 23 جماعة في هذا الإقليم. أما في بني إملال فيتم بناء 32 مسكنا فرديا وعمارتين، ناهيك عن كون هذه الشراكة كانت لها إيجابيات أخرى على النقل المدرسي وأمن المؤسسات التعليمية ومجموعة من البرامج الأخرى التي سترى النور قريبا. - في إطار الحديث عن أثر البرنامج الاستعجالي على التعليم في الجهة، ما هو نصيب الموارد البشرية من البرنامج؟ لا يمكن لكل برامج تأهيل المؤسسات التعليمية في الجهة أن تعطي نتائجها المرجوة إذا لم تواكبها برامج أخرى لتأهيل العنصر البشري، بل إن هذه الأخيرة لا تقل حيوية، لذلك فقد استفاد كل مدرسي التعليم الابتدائي من تكوين لمدة خمسة أيام في بيداغوجيا الإدماج، وهي بالمناسبة بيداغوجيا جاءت لتحل مشكلة التباين بين المحيط والمعيش اليومي، من جهة، والتعلمات، من جهة أخرى. ولأن هذه البيداغوجيا أضحت اليوم خيارات تعليمية لتحديث تعليمنا، فقد انطلقت تكوينات أخرى مكنت من جديد، في التعليم الثانوي -الإعدادي في أفق تعميم الاشتغال بهذه البيداغوجيا في السنة المقبلة، وهنا لا يمكن إلا نحيي مستوى الجدية التي أبان عنها المدرسون أثناء التكوينات وأيضا المجهودات المحترمة التي يبذلها الأساتذة المؤطرون والمكونون، وهي المجهودات التي بدأت تعطي نتائجها في تأقلم المدرسين واستئناسهم بهذه البيداغوجيا، وهو الأمر الذي ستكون نتائجه إيجابية في جعل التعليم في الجهة، خصوصا، وفي المغرب، عموما، يرقى إلى مستوى انتظارات أمة قررت دخول الحداثة من خلال تأهيل رأسمالها البشري.