أعاد إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمعتقلين في قضايا الإرهاب معتقل تمارة السري إلى واجهة الأحداث من جديد، بعدما علت أصوات مجموعة من المعتقلين، سواء السابقين أو حتى من داخل أسوار السجن، للمطالبة بإغلاق هذا المعتقل، الذي تعرضوا فيه لأنواع مختلفة من التعذيب، تفنن معذبوهم في ابتداعها، على حد قولهم. لكن لماذا يختار الحقوقيون نعت هذا المركز بالمعتقل السري، بالرغم من أن أغلب تقارير الجمعيات الحقوقية المغربية والمنظمات الدولية تذكره في تقاريرها السنوية؟. السبب حسب خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يرجع إلى كون هذا المعتقل «غير نظامي وغير قانوني»، كما أنه في البداية لم يكن معروفا، مشيرة إلى أن الأشخاص الذين يشرفون على جلسات التعذيب بهذا المعتقل لا يتوفرون على الصفة الضبطية. أغلب المعتقلين في قضايا الإرهاب أكدوا في حوارات صحفية أو في تسجيلات صوتية على أنهم مروا فعلا ب«تزمامارت الجديد»، وطالبوا بإغلاقه. هذه المطالب ستجد صداها في صفوف الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية، التي طالبت ومازالت تطالب بإغلاق هذا المعتقل، حيث كانت الجمعيات الحقوقية المغربية، من بينها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قد دعت في أوقات سابقة إلى الكشف عن مكان هذا المعتقل، التابع لجهاز المخابرات المدنية المغربية المعروفة باختصار ب«ديستي». وقامت المصالحة التي أقامها المغرب من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة على أساس عدم تكرار ما عرفه المغرب على امتداد سنوات الرصاص والقطع مع مثل هذه الممارسات، لكن بالرغم من ذلك فإن الحقوقيين مازالوا يسجلون استمرار حالة الاختفاء القسري، حتى بعد مرور سنوات على إنهاء الهيئة لعملها. وحسب التقرير السنوي لمنتدى الكرامة، فإن سنة 2010 عرفت استمرار ظاهرة الاختطاف والاختفاء القسري، حيث تابع المنتدى حوالي 19 حالة، بالرغم من مصادقة المملكة المغربية على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وملاءمة القانون الجنائي المغربي معها. كما أن التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان الذي هم سنة 2009 وبداية 2010 أكد أيضا على استمرار حالات الاختطاف من طرف الأجهزة الأمنية والمخابراتية، دون أن تتم مساءلتهم، على الرغم من أن المعنيين، الذين تمت إحالتهم على السجن، صرحوا أمام قضاة التحقيق أو المحكمة بأنهم كانوا موضوعين في مركز تمارة السري. فمحاربة الإرهارب التي رفعها المغرب ستساهم في عودة ظاهرة الاختفاء القسري بشكل كبير، وفي نفس السياق، تقول خديجة الرياضي، فإن المعتقلين في إطار محاربة الإرهاب تعرضوا للاعتقال التعسفي وللتعذيب في هذا المقر، الذي لا يتوفر على الصفة القانونية، مشيرة إلى أن التغيير لا يمكن أن يحدث إذا ظل الحال عما هو عليه، في إشارة إلى استمرار المسؤولين الأمنيين خلال سنوات الرصاص في نفس مناصب المسؤولية. تركيز حديث هيئات المجتمع المدني على إغلاق مركز الاعتقال السري بتمارة هل يعني أنه آخر معتقل يوجد على أرض المملكة؟. محمد السكتاوي، مدير فرع منظمة العفو الدولية بالمغرب المعروفة اختصارا بأمنستي، لا يستبعد إمكانية وجود مراكز أخرى تعرف حدوث أعمال تعذيب. وأضاف بأن الأوان قد حان لتقوم الدولة بالقطع مع مثل هذه التصرفات. وقال: «لقد آن الأوان لكي تظهر السلطات شجاعة في التصدي لهذه الفضيحة الحقوقية التي تعتبر وصمة عار في جبين هذا الوطن، وتستمر كأحد مخلفات ماض قريب أعرب المغرب عن طي صفحته». ومن جانبها، اعتبرت الرياضي في تصريح ل «المساء» بأن هذا المعتقل لا يجب أن يوجد من الأساس، وقالت بالرغم من أن إغلاقه « مهمة صعبة»، لكن يجب إغلاقه مع جبر ضرر الأشخاص، الذين أصبحوا يعانون من عاهات جسدية أو حتى نفسية نتيجة ما تعرضوا له. الحركة الحقوقية المغربية، وإن هي ركزت في مرحلة أولى على إغلاق المركز، فإنها تطالب بمحاسبة المسؤولين، وفي هذا الصدد قالت خديجة الرياضي إن الحركة الحقوقية تتوحد من أجل إغلاق هذا المعتقل وفتح تحقيق في الخروقات التي وقعت مع وضع لحد لها. السكتاوي هو الآخر قال في تصريحات ل «المساء»: «يجب إغلاق هذه المعتقلات السرية ومحاسبة كل الذين أساؤوا للمواطنين بالتعذيب أو سوء المعاملة ويجب أن يقفوا أمام العدالة». وفي الوقت الذي قررت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عدم الانتماء إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لأنه مازال ذا طبيعة استشارية، كما أكدت الرياضي في اتصال مع « المساء»، اعتبر السكتاوي أن الوقت قد حان لربط الأقوال بالأفعال، وقال إن «أجندة المجلس يجب أن تتضمن إغلاق مثل هذه المعتقلات، وهو ما سيساهم في خلق الثقة في مثل هذه المؤسسات». حديث الجمعيات الحقوقية عن هذا المعتقل كان حتى قبيل إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث كانت أمنستي السباقة إلى الحديث عن هذا المعتقل في يونيو2004، إذ كشف التقرير آنذاك عن وجود حالات سجناء زعموا بأنهم تعرضوا للتعذيب في هذا المعتقل في إطار حملة مكافحة الإرهاب التي خاضها المغرب. وطالبت المنظمة وقتها الحكومة المغربية بالاعتراف بوجود حالات تعذيب، مع إعطاء التعليمات بالتزام القانون والكف عن عمليات التوقيف غير القانونية، سواء بمركز تمارة أو غيره. آخر التقارير الدولية التي ستتحدث عن وجود حالات تعذيب بهذا المعتقل، استنادا إلى شهادات الضحايا، كانت تقرير المنظمة الأمريكية «هيومان رايتس ووتش»، الذي أصدرته تحت عنوان « كفاك بحثا عن ابنك» خلال أكتوبر الماضي، والذي تحدثت فيه عن الاعتقالات غير القانونية في إطار قانون مكافحة الإرهاب.