كانت الساعة تشير إلى الخامسة صباحا أواخر شهر أكتوبر من سنة 1998 حين كان الدركي السابق عبد الرحيم ديان صحبة زميله في العمل يقومان بدورية للدرك على الطريق الوطنية عند المدخل الغربي لمدينة أولاد تايمة، حين أثار انتباه الدورية قدوم سيارة يبدو أن سائقها كان في حالة سكر، نظرا إلى تمايله الواضح في السياقة. حينها أوقف ديان السيارة المشبوهة، التي كان تحمل على متنها ستة أشخاص، ضمنهم ثلاث نساء. وكان الجميع في حالة سكر طافح. بعد أسئلة روتينية حول علاقة الأشخاص ببعضهم البعض، اتضح لديان، الذي تكلف بالتحقيق في ملف الموقوفين، أن النساء اللواتي ضبطن بالسيارة هن في الأصل مومسات، حيث كن قد قضين الليل في مقارعة كؤوس الخمر بأحد مواخير مدينة أكادير، قبل أن يتفق الجميع على إتمام السهرة بمدينة أولاد تايمة، حيث يقطن صاحب السيارة ومرافقوه، وقبل أن يغادر ديان مقر المركز قام بتسجيل الأظناء الستة في دفتر الحراسة النظرية، بصفته ضابطا للشرطة القضائية آنداك، بتهم تتعلق بالخيانة الزوجية والفساد والتحريض عليه والسكر والسياقة في حالته، كما هو معمول به قانونيا.كما حرر ديان برقية إلقاء القبض على المتهمين لإخبار رؤسائه، وفق ما ينص على ذلك القانون الداخلي للدرك، في وقت تم فيه إيداع الأظناء بالسجن الإداري في انتظار استرجاعهم وعيهم، والاستماع إلى أقوالهم في محاضر قانونية. رئيس المركز يطلق سراح الأظناء عند إشراقة الصباح، وبعد حضور رئيس مركز الدرك الملكي (محمد.ب) إلى مكتبه وتفقده السجن الإداري، فوجئ بمعرفته المسبقة بالأشخاص الثلاثة الموقوفين، وهو ما جعله يعمل مباشرة على إطلاق سراحهم، حيث عمد في هذا الصدد إلى تمزيق ثلاث أوراق من دفتر كناش الحراسة النظرية، وإعادة تسجيلهم مرة ثانية تحت ذريعة تحقيق هوية فقط لطمس معالم واقعة التمزيق، وبعد أن حضر ديان إلى المركز في اليوم الموالي، علم أن رئيس المركز قام بالإفراج عن المعتقلين الستة بدون أي سند قانوني، وبعد ما استفسره عن سبب إفراجه عن الأظناء الموقوفين، أجابه رئيس المركز بأنه هو صاحب الأمر وأن من حقه سجن من يشاء والإفراج عمن يشاء، وهو ما جعل ديان يستشيط غضبا ويبادر إلى إشعار القبطان رئيس سرية الدرك الملكي بتارودانت آنذاك بصفته الرئيس المباشر، غير أن الأخير لم يعر الموضوع اهتماما رغم خطورة تبعاته، يقول ديان. مسرحية هزلية بمركز درك أولاد تايمة في يوم 18 يونيو 1999 جاء قبطان السرية (ح.نور الدين) إلى مركز الدرك بأولاد تايمة، مصحوبا بالمشتكي ديان، الذي تم نقله تعسفيا إلى سرية تارودانت، للعمل بها عقابا له على إصراره على فضح خروقات رئيس المركز (محمد.ب)، ليجد فيه الملازم الأول (محمد.ب) الكاتب الخاص للقائد الجهوي بأكادير، صحبة دركيين من رتب مختلفة، في مشهد يوحي في ظاهره بوجود لجنة جادة لتقصي الحقيقة، غير أن الأمر لم يكن في حقيقته سوى مسرحية هزلية حبكت بعناية فائقة قصد إيهام المشتكي ديان بأن الأمور تسير في مجراها الطبيعي. نقل تعسفي واستقالة اضطرارية مباشرة بعد إتمام اللجنة المذكورة عملها المزعوم بعد مرور ثمانية أشهر، وخلال شهر شتنبر من نفس السنة، وفي وقت كان فيه المشتكي ديان ينتظر إنصافه من الحيف الذي لحقه من رئيسه في المركز، ومعاقبته طبقا للقوانين الجاري بها العمل، فوجئ بانتقال تعسفي في حقه إلى منطقة نائية حدودية شرق المغرب، بينما ظل خصمه يتولى نفس المسؤولية بنفس المركز دون أن تطاله المتابعة ضدا على القانون، وهو الأمر الذي لم يستسغه المشتكي ديان، مما جعله يغامر بمراسلة القائد العام للدرك الملكي، رغم علمه بخرقه السلم الإداري العسكري، بهدف لفت أنظار المسؤولين بالقيادة العامة إلى ملف قضيته. ورغم خطورة ما قام به من مخالفة يعاقب عليها قانون العدل العسكري، لم تعمل مصالح القيادة العامة على الرد على مراسلاته، وهو ما زاد من إصرار ديان وتشبثه بقضيته. وأمام تجاهل رسائله التي طالها الإهمال، شرع يتغيب عن عمله بدون ترخيص، وهو ما يعتبر في القوانين العسكرية أعمالا خطيرة يعاقب عليها بصرامة. كما بادر في هذه الظرفية إلى طرق باب الصحافة من خلال نشر مقال بإحدى الصحف الوطنية، رغم أنه لازال مرتبطا آنذاك بسلك الدرك، لكنه لقي نفس التماطل والتسويف في الإجابة عن رسائله التظلمية، ليتم لاحقا استدعاؤه للحضور إلى مقر القيادة العامة بالرباط حيث وجد في انتظاره استقالة مكتوبة وجاهزة، وقع عليها مرغما بعد نحو ربع قرن من العمل في صفوف الدرك الملكي، تفاديا للزج به في السجن لمخالفته الضوابط العسكرية، وشهادة خبير مختص في الخطوط -يؤكد المشتكي ديان- يمكنها تحديد الخط الذي كتبت به هذه الاستقالة. شيراك يخرج شكاية الضحية مباشرة بعد مغادرة ديان عبد الرحيم سلك الدرك الملكي، قام بتوجيه شكاية في الموضوع إلى الوكيل العام للملك باستئنافية أكادير، سجلت تحت عدد 23/2000 بتاريخ 31/03/2000، غير أن هذه الشكاية لم تبرح مكانها لما يقارب سنة كاملة، وظلت فقط تتردد على مصالح النيابة العامة والقيادة الجهوية بأكادير، ليتقرر في النهاية حفظها مدة سنتين، غير أن المشتكي بعد أن قام بتوجيه رسالة خطية إلى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، قام هذا الأخير بعد فترة وجيزة بالاستجابة لمطلبه والتدخل لدى ديوان الملك، ليتم إخراج الشكاية من الحفظ، دون إغفال -يقول ديان- تدخل أحد أعيان المدينة بدوره لدى القائد العام للدرك الملكي الجنيرال حسني بن سليمان، الذي تبين له أن أحد مساعديه الأقربين لم يخبره بحقيقة ملف القضية.
افتضاح أمر الضباط والنيابة العامة بعد أن اطلع ديان على محتوى ما توصلت به استئنافية أكادير من تقارير موجهة من طرف رؤسائه، تبين للضحية التواطؤ المفضوح، الذي مورس في ملف القضية بين ضباط الدرك المعنيين والنيابة العامة بمحكمتي تارودانتوأكادير، ذلك أن التقرير المرسل من طرف القبطان (ح.نورالدين) رئيس سرية تارودانت تمت تزكيته أيضا من طرف القائد الجهوي، الذي راسل محكمة أكادير في الموضوع، بواسطة تقرير رقم 804 /.04 بتاريخ 29/12/1999، وهي المدة التي كان خلالها المشتكي لازال يمارس مهامه بصفته دركيا. وقد جاء في مضامين التقرير المذكور أن رئيس مركز درك أولاد تايمة عندما كان يعاتب رئيس الدورية ديان عبد الرحيم على عدم إخباره قبل القيام بأي عمل، فقد أعصابه ورمى بالدفتر على الأرض، مما تسبب في قطع ثلاث أوراق، وقد تم إخبار نائب وكيل الملك بمركزية أولاد تايمة (أحمد .ع)، الذي جاء إلى المركز، حسب رواية الضباط، وتفحص كناش الحراسة النظرية وأمضاه، غير أن الوقائع أثبتت لاحقا أن يوم التوقيع الوهمي على دفتر الحراسة صادف يوم الأحد 25 اكتوبر 1998، الذي هو يوم عطلة، حيث يتعذر على النائب استعمال طابع المحكمة المركزية، التي عادة ما تغلق أبوابها يوم الأحد، وهو ما طرح معه التساؤل حول مصير الأوراق المقطوعة، إضافة، يقول المشتكي، إلى أن المدعو(محمد.ز) والمسماة (ر.العروسي)، وهما من الأشخاص الستة المفرج عنهم، تم إلقاء القبض عليهما في حالة مماثلة يوم 13/03/1999 بتهمة الخيانة الزوجية والسكر والفساد، غير أن الدركي الذي ألقى القبض عليهما كان ينصاع لتعليمات رئيس المركز، ذلك أنه عندما عمل على تسجيلهما بكناش الحراسة النظرية، تعمد عدم كتابة سبب الاعتقال في الخانة المخصصة لهذا الغرض، وهي الهفوة المتعمدة التي كان يستفيد منها رئيس المركز، حيث بادر بإطلاق سراحهما دون أن يعلم أن الصفحة المدونة باسميهما تم نسخها وبها خانة الاعتقال فارغة، والتي تحولت بقدرة قادر إلى تحقيق هوية فقط، وهي أعمال تؤكد قطعيا أن رئيس المركز دأب على المتاجرة في دفتر الحراسة النظرية بكل حرية كما يشاء ضدا على القانون، يضيف ديان، قبل أن يتساءل: لماذا لم يفقد رئيس المركز أعصابه كما هو الحال في السابق، وكما ادعى ذلك الضباط الثلاثة زورا وبهتانا؟ محضر مفبرك اعتمدت النيابة العامة في حفظ شكاية المشتكي، بناء على التقرير سالف الذكر، وكذلك الإمضاء المزور للنائب (أحمد.ع)، الذي اكتفى بكلمة مقتضبة، كتبت على النحو التالي: «لقد نبهنا رئيس المركز أنه ينقص ثلاث أوراق وأعيد تسجيل الأظناء في الورقة الموالية»، بدون الإشارة إلى تاريخ الزيارة، حتى تبقى الأمور غامضة وفضفاضة في محاولة لتضليل العدالة. كما اعتمدت النيابة العامة على محضر مفبرك غير موجود يحمل عدد 5680، يستند على رسالة وجهها قبطان الدرك بتارودانت، تحت عدد 1617/04 بتاريخ 3 /10/2005، حيث اكتفى القبطان في هذا الصدد بتوجيه تلك الرسالة، بدل إرسال كناش دفتر المحاضر لشهر أكتوبر الذي طاله التزوير. محضرا مفبركا عدد 5680 ومحضرا حقيقيا يحمل نفس العدد توصلت النيابة العامة بأكادير أثناء مجريات البحث المزعومة بمحضر مفبرك 5680، كما توصلت في وقت متأخر بمحضر حقيقي من طرف مركز الدرك الملكي بأولاد تايمة بواسطة ورقة الإرسال رقم 11200/02 بتاريخ 14/10/2010 يحمل نفس العدد 5680، حيث تم في هذا الإطار إنجاز محضر برقمين، وهو ما يبين حجم التزوير الذي طال المحضر الأصلي، في خرق سافر لقوانين الشرطة القضائية. وهنا يطالب المشتكي الوكيل العام بالمقارنة بين المحضرين معا لإظهار حقائق مزيفة وما خفي كان أعظم، يؤكد ديان. إدانة على مقاس المتهم والضحية بهدف طمس جناية التزوير، تم اختراع جنحة إخلالات مهنية من طرف وكيل نيابة تارودانت، كما زكاها أيضا نائب الوكيل العام المكلف بملف القضية (ع. ب)، غير ان الضحية وجه شكايتين ضد المسؤولين القضائيين إلى الجهات المسؤولة، يكشف من خلالهما التستر على التحريفات التي طالت الوقائع الحقيقية لملف القضية، قبل أن يتم تقديم المشتكى به، رئيس مركز الدرك، أمام غرفة المشورة ومعاقبته -يقول الضحية- بحكم مخفف على مقاسه حتى يتمكن بذلك من الرجوع إلى عمله. وفي لحظة شعر الضحية ب«الحكرة» والظلم وتخاذل القضاء، فقام بتوجيه طلب إلى المصالح الإسرائيلية المسؤولة عن التجنيس بهدف الحصول على الجنسية الإسرائلية بسبب تكالب الجميع عليه، لكن محاولته هاته لم يكتب لها النجاح، حيث لم يتلق أي رد إيجابي في الموضوع، كما تحدثت عن ذلك «المساء» في وقت سابق. غير أنه سرعان ما ستخفف العدالة هذه المرة من بعض معاناة ديان، عندما فطن قضاة غرفة المشورة إلى التجاوزات التي طالت ملف القضية، مباشرة بعد أن قدم الضحية أمامها مجموعة من الحجج والوثائق الدامغة التي تدين المتهم والمتواطئين معه، حيث ارتأت الغرفة في قرارها أن هذه الأفعال تتجاوزها، وهو ما حتم عليها إرجاع الملف مجددا إلى النيابة العامة وتوجيه توبيخ إلى المشتكى به، في وقت كان الظنين (محمد.ب) قد غادر سلك الدرك عندما أحس بخطورة ما اقترفت يداه. ويؤكد الضحية مسترسلا أنه بدلا من أن تتابع النيابة العامة المشتكى به بجناية التزوير، بناء على الوثائق التي قدمت أمام غرفة المشورة، وللحيلولة دون اكتشاف تواطؤ النائب (أحمد.ع ) صاحب جناية الغدر في حق المشتكي، تمت متابعة المتهم بجنابة إتلاف أوراق، استنادا إلى الفصل 591 من القانون الجنائي، كما أحيل ملف القضية على قاضي التحقيق الذي زكى المتابعة، مضيفا تهمة (إتلاف أوراق متعلقة بالسلطة العامة) لتتم لاحقا متابعة المشتكى به بسراح مؤقت وأدائه كفالة مالية. وبعد سلسلة جلسات مارطونية استمرت سنتين، أدين (محمد.ب) بسنة موقوفة التنفيذ مع رفض المطالب المدنية لفائدة الضحية، كما تم تأييد الحكم المذكور في المرحلة الاستئنافية. سلاح الحفظ مرة أخرى مع تعيين وزير العدل الجديد، حركت مصالح وزارة العدل، ممثلة في مديرية الشؤون الجنائية والعفو، والوكيل العام لدى المجلس الأعلى للقضاء، ملف القضية من جديد بعد إرسالية من الضحية، حيث تم الاستماع إليه مرات عديدة من طرف الشرطة القضائية بالمدينة، غير أنه سيتم الاصطدام مرة أخرى بسلاح الحفظ، بهدف التستر على تجاوزات النائب (أحمد.ع) صاحب الزيارة المفتعلة، وكذلك التستر على التحريفات، التي طالت الوقائع الحقيقية لملف القضية، من طرف كل من وكيل الملك بتارودانت ونائب الوكيل العام بأكادير (عبد الهادي.ب)، حيث سيتم الاهتداء إلى اختراع جنحة إخلالات مهنية بدل جناية التزوير، وسيتم بالتالي التحفظ على تظلمات الضحية المسجلة تحت عدد 116 / سري 2010، تحت ذريعة أن المتهم تمت إدانته، في حين أن مبرر ذلك هو التغطية على كل المتآمرين ضد الضحية ديان، بمن فيهم مسؤولون في جهازي الدرك والعدل. تسويف ومماطلة يؤكد المشتكي ل«المساء» أنه رفع شكاية لدى المجلس الأعلى للقضاء، بتاريخ 12/11/ 2009 ضد النائب (أحمد.ع) بتهمة جناية الغدر، وفي يوم 14/03/2011 تمت مراسلة الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بطنجة من طرف نظيره بأكادير، قصد الاستماع إلى المعني بالأمر. ويؤكد ديان أنه تنفس الصعداء مجددا بعد أن ظلت هذه الشكاية مجمدة في رفوف النيابة العامة لمدة تزيد عن ستة أشهر. ويطالب الضحية المفتشية العامة التابعة لوزارة العدل بإيفاد لجنة تحقيق بدل الاكتفاء بمراسلة النيابة العامة بأكادير، كما أمر الوكيل العام للملك، بناء على شكاية الضحية، تحت عدد 797/09 بالبحث عن وجود المحضر المفبرك 5680 من عدمه، والذي يقول عنه قبطان درك تارودانت، بواسطة رسالة عدد 1617/04، إن رئيس المركز المتهم أرسل التقرير إلى النيابة العامة بواسطة ورقة الإرسال عدد 11715/02 بتاريخ 16/11/1998. وقد توصلت ابتدائية تارودانت بشكايته تحت عدد 425 /و.ع 2010، غير أن وكيل الملك تعمد تجاهل الشكاية لمدة تزيد عن ستة أشهر قبل أن يرد بجواب مبهم وغامض. كما طالب ديان في الشكاية ذاتها بتحويل ملف القضية على استئنافية محايدة، وكذا استدعاء الشاهد الرئيسي، وهو دركي سابق للاستماع إلى أقواله في القضية. هذا الدركي تم تغييبه في جميع مراحل البحث، كما هو الحال بالنسبة إلى باقي الوثائق التي تم طمسها. كما طالب رئيس محكمة أكادير بالكشف عن اختفاء ثلاث وثائق رئيسية من الملف عدد 43/2009 جنائي استئنافي، وهي الوثيقة (804/04) الموجهة من طرف القائد الجهوي، والوثيقة (1617 /04) الموجهة من طرف قائد سرية تارودانت، والوثيقة (47 و.ع 2004) الموجهة من استئنافية أكادير إلى ابتدائية تارودانت، التي تطالب مصلحة اتصالات المغرب بالرباط بتأكيد وجود اتصال هاتفي بين المحكمة المركزية بأولاد تايمة ومركز الدرك الملكي بنفس المدينة.