خرج عبد الرحيم كعادته بعد صلاة عشاء آخر أيام شهر رمضان ليباشر عمله المتمثل في حراسة الحي. كانت تلك الليلة الرمضانية استثنائية حيث كان الكل ينتظر إعلان انتهاء شهر رمضان وحلول يوم عيد الفطر السعيد بعد صيام شهر كامل، ولو كان الجميع متأكدا من انتهائه. كان عبد الرحيم ينتظر هو كذلك كباقي المواطنين إعلان عيد الفطر ولم يكن يتوقع ما كان القدر يخبئه له ولم يكن يعلم أن تلك الليلة ستكون آخر لياليه من شهر رمضان وأنه لن يفرح بيوم العيد وأن صافرة إعلان يوم العيد ستكون صافرة إعلان رحيله إلى الأبد. كان عبد الرحيم يشتغل ليلا في حراسة منازل سكان حي الفتح، وكان نهارا يشتغل في بيع البنزين المهرب من الجزائر كباقي أقرانه بمدينة وجدة، بل بمختلف مناطق الجهة الشرقية. كان عبد الرحيم المنحدر من منطقة الراشيدية شابا في مقتبل العمر، إذ كان عمره لا يتعدى 22 سنة وكان قوي البنية، لا ينال منه عمل الليل ولا شغل النهار. كان يضاعف مجهوداته ليربح أكثر ويعيل أسرته ويدخر من المال ما يمكنه من ضمان مستقبله لأنه لم يكن يفكر أبدا في اتخاذ الحراسة الليلية أو الاتجار والبيع بالتقسيط في البنزين المهرب من الجزائر مهنة قارة، لأنه كان يعلم جيدا أنها أعمال غير مضمونة الاستمرار ومحفوفة بالمخاطر. فالحراسة الليلية مُتعبة وخطيرة بحكم مجابهة المتسكعين والمتشردين واللصوص وهي مهنة غير متوقعة العواقب. أما الاتجار في البنزين فغالبا ما يتم حجز براميل البنزين من طرف الجمارك أو رجال الأمن في حالة نجاته بجلده وإلا كان مجبرا على تأدية ذعيرة لا قبل له بها... ولكن كان يحمد الله على ذلك ويُجِدّ ويكِدُّ في صبر إلى حين. تعَرَّف عبد الرحيم على زين العابدين، وهو شاب يصغره بسنتين وتوطدت بسرعة علاقات الصداقة بينهما، بحيث كان يسهر معه الليل ويتسامران بالحديث والحكايات والقصص، وأصبح كل منهما يكمل الآخر رغم أن مدة التعارف لم تكن طويلة. اقترح عبد الرحيم على صديقه زين العابدين أن يساعده نهارا في الاتجار في البنزين المهرب من الجزائر مقابل نصف الأرباح، وهو الاقتراح الذي قبله زين العابدين بسرعة، إذ إن ذلك لا يتطلب مجهودات كبيرة ولا عملا شاقا يتجاوز قواه وقدراته، خاصة وأنه نحيف ومعتدل القامة وضعيف البنية، عمل يتطلب سكب براميل البنزين في خزانات السيارات التي يقتني أصحابها الوقود المهرب من الجزائر، وما أكثرهم بمدينة وجدة وبمدن الجهة الشرقية. خطأ ب600 درهم زرع بذرة الحقد استمر زين العابدين في العمل في بيع الوقود المهرب بشراكة مع صديقه عبد الرحيم، وحفظ أنواع السيارات ومكان خزاناتها وعلاماتها الدالة على استعمالها لنوع الوقود من البنزين أو الديزل، كما أصبح عمله يُدِرّ عليه مبلغ ماليا يوميا يساعده على تلبية حاجياته اليومية الضرورية. كانت علاقات الصداقة والمودة والعمل تتوطد يوما بعد يوم، خاصة وأن الصديقين كانا يشتغلان النهار ويسهران الليل بحكم الحراسة الليلية التي كان عبد الرحيم يؤمنها للحي ولسكانه ومنازلهم. كانت الأيام تمر عادية وطبيعية ولم يأت يوم بما يشوب الصداقة وحسن التفاهم... لكن جاء ذلك اليوم المشؤوم عندما أخطأ زين العابدين وما كان له ليخطئ لو ركَّز قليلا وانتبه لحركة جدُّ بسيطة لكن كانت مهمة وخطيرة ونتج عنها ما نتج، إذ تقدم صاحب سيارة في ذلك اليوم المشؤوم وطلب من زين العابدين أن يفرغ في خزان سيارته صفيحة بنزين من 30 لترا، وهو الأمر الذي فعله زين العابدين لكن بدل أن يسكب صفيحة بنزين في الخزان أفرغ صفيحة ديزل ولم ينتبه إلا بعد سقوط آخر قطرة، حينها صعق صاحب السيارة ووَلْوَل وأرغى وأزبد وتوعد قائلا «غادي نخلي دار بُوكُم ونْدخَّلكُم للحبس...» لم يتلفظ زين العابدين بكلمة واحدة ولم يجد الردَّ المناسب وتصلَّب في مكانه إلى حين حضور عبد الرحيم الذي لم يكن في وسعه إلا محاولة تهدئة المواطن الغاضب والتزامه بأداء جميع مصاريف غسل خزان السيارة وإصلاح مُحرِّكها في حالة أي عطب ينتج عن الخطأ غير المقصود الذي وقع فيه صديقه. وبالفعل تم ذلك وبلغت فاتورة غسل الخزان وإصلاح السيارة 600 درهم يؤديها الصديقان مناصفة بينهما، بعدما أداها عبد الرحيم على أمل استخلاص النصف أي 300 درهم من صديقه في ما بعد، هذا المبلغ بقي دَيْنا في عنق زين العابدين وكان عبد الرحيم يطالبه به كل يوم وكل حين... جدال وصراع وجريمة التقى الصديقان مساء يوم الثلاثاء ليلة عيد الفطر بعد مغرب آخر يوم من شهر رمضان، وبدل تبادل التهاني، طالب عبد الرحيم صديقه زين العابدين بأداء مبلغ 300 درهم الذي في ذمته، لكن هذا الأخير تجنب الكلام عنه وحاول الدخول في حديث آخر بعد الإشارة إلى أنه غير مستعد في ذلك الوقت لدفع درهم واحد. ثارت ثائرة عبد الرحيم الذي انتظر أكثر مما يجب وتيقن أن صديقه غير راغب في أداء ما بذمته وقرر تعنيفه وتأديبه وتحذيره من مغبة خداعه والتلاعب بثقته التي وضعها فيه. كان عبد الرحيم يعلم جيّدا أن الغلبة ستكرن له بحكم قوة بنيته وقامته ولربما كان ينتظر من غريمه استعطافه وطلب إمهاله إلى حين حتى يتدبر أمره. دخل الصديقان الغريمان في ملاسنة ثم تشابك كان فيه زين العابدين هو الخاسر، وكان عليه أن يُعوِّض ضعفه بقوة سلاحه، فاستل سكينا ووجه طعنة قوية لصديقه عبد الرحيم الذي أطلق صيحة مدوية في حي الفتح بلازاري وسقط وسط الساحة التي هي عبارة عن أرض خلاء تحدُّ الحي، فيما أطلق زين العابدين ساقيه للريح حاملا معه سلاحه بعد أن استرجع وعيه واستيقظ من غضبه... كان الجرح غائرا جدا على مستوى الإبط الأيسر جهة القلب، حيث مزق السكين الأوردة التي تفجرت دماء بللت الملابس واختلطت بالتراب، وصلت سيارة الإسعاف دقائق بعد ذلك ونقلت عبد الرحيم الذي كان يرتجف ويحتضر بعد أن فقد دماءه وخفتت نبضات قلبه إلى أن وصل إلى مستعجلات مستشفى الفارابي بوجدة حيث تم إدخاله إلى غرفة العمليات في محاولة لإنقاذه، لكن السكين كان أقوى من مبضع الطبيب فلفظ عبد الرحيم أنفاسه الأخيرة صبيحة يوم العيد على يد صديقه الذي اختاره بنفسه...
وفاة وإحالة على المحكمة بمجرد إشعارها بالجريمة انتقلت عناصر الأمن الولائي التابعة لمصالح الشرطة القضائية بوجدة إلى عين المكان لمعاينة وقائع الجريمة وتحديد حيثياتها، ومباشرة تم إيقاف القاتل وحجز أداة الجريمة وفتح محضر في النازلة. وبعد البحث والتحقيق أحالت ذات العناصر الجاني على محكمة الاستئناف من أجل الضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض المفضيين إلى الموت دون نية إحداثه.