حركة ضمير تدعو إلى نموذج سياسي جديد يعيد الثقة للمغاربة    أرباب المخابز ينفون تصريحات لقجع حول ثمن الخبز    عائشة البصري تكتب: القرار 2797 يعيد رسم معالم نزاع الصحراء.. وتأخر نشره يزيد الغموض المحيط بصياغته    الأعياد ‬المجيدة ‬تنبعث ‬في ‬الصيغة ‬الجديدة    أخنوش من مديونة: مستمرون في ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية وضمان العيش بكرامة لجميع المغاربة    انعقاد ‬الدورة ‬العادية ‬الثالثة ‬للمجلس ‬الوطني ‬لحزب ‬الاستقلال    العلمي يرأس بعثة برلمانية في كينشاسا    تراجع أسعار الذهب مع صعود الدولار وترقب بيانات أمريكية    القضاء يؤيد حكما ابتدائيا يلزم مصحة بأكادير بأداء أزيد من 2.3 مليون درهم لصندوق الضمان الاجتماعي    وزير الفلاحة يترأس افتتاح النسخة 32 للمعرض الجهوي للزيتون بجرسيف    مجلس ‬المنافسة ‬يكشف ‬بالأرقام ‬عائدات ‬الشركات ‬الكبرى ‬للمحروقات ‬بالمغرب ‬    ملفات ‬سرية ‬وامتيازات ‬اقتصادية: ‬مدريد ‬تعود ‬إلى ‬أرشيف ‬الصحراء ‬والمغرب ‬يرفع ‬سقف ‬شروطه    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    قطاع الفلاحة يتصدر جلسة مسائلة الحكومة بمجلس النواب ب13 سؤالاً    بنغلاديش تحكم بإعدام الشيخة حسينة    وقفة احتجاجية في طنجة تندد بالحصار الإسرائيلي وتجدد التضامن مع السودان    ‬المغرب ‬يمنح ‬10 ‬تراخيص ‬جديدة ‬لمشاريع ‬صناعية ‬دفاعية ‬    بن سلمان يجري زيارة لأمريكا لبحث التطبيع مع اسرائيل    اتهامات بالشعوذة تُفجّر التوتر بعد تأهل الكونغو الديمقراطية على حساب نيجيريا    تصفيات مونديال 2026.. توخل يحذّر بيلينغهام المستاء من ضرورة احترام قراراته    حكيمي وصلاح وأوسيمن في اللائحة النهائية لجوائز الكاف 2025    استغلال جنسي لشابة في وضعية إعاقة نتج عنه حمل .. هيئة تطالب بفتح تحقيق مستعجل وإرساء منظومة حماية    حقوقيو تيزنيت يطالبون بالتحقيق في تسمم 25 تلميذا بداخلية ثانوية الرسموكي    أدين ابتدائيا ب5 سنوات بسبب النشر.. وقفة احتجاجية تضامنا مع الشاب محمد بزيغ و"جيل زد" تطالب بحريته    الدرك الملكي بالتمسية يطيح بمروجين للمخدرات    ضربة أمنية في مراكش تُفكك شبكة دولية لقرصنة رهانات الأنترنيت... أدلة رقمية تقود إلى أطراف جديدة"    قافلة "حومتي والقلب الكبير" للجمعية المغربية للإغاثة المدنية تحطّ الرحال بجهة الدار البيضاء–سطات في مبادرات بيئية وصحية واسعة    أكادير تحتضن المعرض الدولي للتصوير الفوتوغرافي    الإذاعة والتلفزة تُقرّب الجيل الصاعد من كواليس عملها في التغطية الإخبارية للأحداث الكبرى    تصفيات مونديال 2026.. الكونغو الديموقراطية تعبر إلى الملحق العالمي بعد التفوق على نيجيريا بركلات الترجيح (4-3)    عمر هلال يستعرض ركائز السياسة الخارجية للمملكة    إرسموكن : "بصحة جيدة وقميص جديد"… أملال إرسموكن لكرة القدم يُطلق موسمه ببادرة مزدوجة    طقس ممطر في توقعات اليوم الإثنين    أحكام ثقيلة في الحسيمة ضد متهمين بالاتجار في المخدرات القوية والاعتداء على موظفين عموميين    "جمهورية نفيديا".. سباق التسلّح التكنولوجي يبدّد وهم السيادة الرقمية    تفاصيل جديدة في قضية سرقة "مجوهرات التاج" من متحف "اللوفر"    لقد ونمَ الذبابُ عليه..    تشكيلنا المغربي..    التواصل في الفضاء العمومي    العرب في معرض فرانكفورت    وزير الخارجية الفرنسي يرجح عودة بوعلام صنصال إلى فرنسا "في الأيام المقبلة"    حكيمي وصلاح وأوسيمين يتنافسون على لقب أفضل لاعب إفريقي 2025    ألعاب التضامن الإسلامي.. المغرب يحصد ذهبية وبرونزية في منافسات التايكواندو    جمعية بتيفلت تستنكر طمس جدارية فنية وتطالب بتوضيح رسمي ومحاسبة المسؤولين    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    "إعادة" النهائي الإفريقي.. المغرب في مواجهة مصيرية مع مالي بدور ال16 لكأس العالم    "لكم" يعيد نشر مقال امتنعت "لوموند" عن نشره حول اليوم التالي في غزة يٌثير مسؤولية الغرب الأخلاقية    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض 20 فيلماً قصيراً في المسابقة الدولية للأفلام القصيرة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    الناظور .. افتتاح فعاليات الدورة 14 للمهرجان الدولي لسنيما الذاكرة    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يحدث في ميدان التحرير؟
نشر في المساء يوم 28 - 02 - 2011


خصوصية ا لتجربة
لم يكن متوقعا أبدا لدى المراقبين أن يحسم أمر التغيير السياسي في بلد مهم وكبير مثل مصر بين ليلة وضحاها. فليس من السهولة بمكان فيها أن تتم إزاحة زعيم له، على الأقل، تاريخ عسكري مُشرّف وظل يمسك مع حزبه الحاكم بالمسار السياسي للبلاد لأكثر من ثلاثين عاما مضت والمجيء بشخص آخر بدلا عنه.
أولا، لأن مبارك قد حصّن نظام حكمه من السقوط السريع باعتماده على بناء مؤسسة عسكرية قوية، ضمن منها الولاء له، حتى إن التغييرات الحكومية التي كان قد أجراها مضطرا بعد 25 يناير 2011 تحت الضغط الشعبي جاءت لتؤكد اعتماده بشكل أكبر على قادة الجيش، فرئيس الوزراء البديل أحمد شفيق ضابط سابق في سلاح الطيران، وعمر سليمان، نائب الرئيس، هو الآخر رجل عسكري.
ثانيا، لأن طبيعة الحياة السياسية التي تعيش في ظلها مصر منذ مطلع القرن الماضي تتسم، إلى حد ما، بمرونة واضحة تتيح الكثير من الممارسات ذات الطابع الديمقراطي لم تتوفر في معظم البلدان العربية الأخرى، فقد عرفت مصر منذ العهد الملكي المجالس النيابية والانتخابات البرلمانية التي كانت تجري في عموم البلاد لانتخاب الأعضاء فيها، كما أمست التعددية الحزبية واحدة من سمات الحياة السياسية، رغم ما كان يشوبها بين فترة وأخرى من تضييق وتجميد لها كانت تفرضه السلطة في شخص رئيسها وحزبه الحاكم، سواء في عهد عبد الناصر أو خلفه السادات أو في عهد مبارك. ورغم ذلك، لم يتوقف عمل الأحزاب المعارضة في الشارع المصري، وغالبا ما كانت تجد نفسها في صراع واضح، ودستوري، مع الحزب الحاكم في كل لعبة انتخابية كانت تجري، سواء لانتخاب أعضاء مجلس الشعب أو في انتخابات المنظمات والنقابات المهنية. ورغم عمليات التزوير التي كانت تمارسها السلطة بكل الطرق، المكشوفة منها وغير المكشوفة، والتي غالبا ما كانت تتيح لها الفوز بأكبر عدد من المقاعد، فإن ذلك لم يكن يمنع من وصول الأحزاب المعارضة إلى نيل نسب من الأصوات التي تتيح لها أن تمتلك مقاعد بنسب تتفاوت بين انتخاب وآخر، توفر لها فرصة ولو صغيرة لإيصال صوتها المعارض.
قوانين الطوارئ
كل ذلك كان يأتي وفقا لآليات دستورية تجعل العمل السياسي في مصر يتحرك وفق التشريعات والأنظمة التي يكفلها القانون المثبت في دستور البلاد، وإن كان الدستور قد تعرض في الكثير من الفترات إلى عمليات تجاوز وخرق وفقا لقانون الطوارئ الذي كان يكبل الحياة السياسية بقيد ثقيل منذ عدة عقود. وقد أتاح هذا القانون للسلطة أن تكمم الأفواه وتعتقل الأصوات التي تتقاطع مع سياسات النظام القائم ابتداء من منع التظاهرات إلى الرقابة على المطبوعات مرورا بحرية تشكيل الأحزاب والحركات السياسية.
بداية الانحراف
إن تعقيدات العلاقة القائمة بين الأحزاب السياسية المصرية ونظام الحكم السياسي القائم في مصر أخذت هذا المنحى المنحرف باتجاه القمع من قبل السلطة ابتداء من عام 1954، أي في العام الذي نحىّ فيه عبد الناصر اللواء محمد نجيب عن زعامة قيادة ثورة يوليوز في 14 نوفمبر من ذلك العام وتسلمه هو زمام قيادتها بعد أن اختلف الاثنان في ما بينهما خلال العامين الأولين اللذين أعقبا الانقلاب العسكري عام 1952 حول مسائل جوهرية تتعلق بطبيعة وشكل النظام وطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون عليها العلاقة مع الأحزاب المصرية، وتقاطعت وجهتا نظريهما ولم تلتقيا إلا بالافتراق والقطيعة. وقد بدا واضحا بعد ذلك لمن تصفح مسار القادة الجدد أن الصراع بين اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبد العناصر سينتهي بهما إلى مفترق طرق، وبدا الاثنان لا يلتقيان عند نقطة التقاء واحدة في رؤيتيهما لمستقبل الحياة السياسية في مصر، فاللواء نجيب كان يأمل بناء تجربة تحترم التعددية الحزبية وتفتح هامشا واضحا للديمقراطية تتيح للأحزاب أن تشارك في العملية السياسية وفقا لشراكة وطنية يكفلها الدستور، وكان أول خلاف بينه وبين ضباط القيادة يتعلق بمحكمة الثورة التي تشكلت لمحاكمة رموز العهد الملكي، ثم حدث خلاف آخر بعد صدور نشرة تأمر باعتقال بعض الزعماء السياسيين، وكان من بينهم رئيس الوزراء في العهد الملكي مصطفى النحاس، فرفض هو اعتقال النحاس، لكنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم النحاس، كما أصدرت محكمة الثورة حكما بالمؤبد على أربعة من الصحفيين وصادرت صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية. تضاف إلى هذا قرارات أخرى صدرت رغم أنه كان قد رفض التوقيع عليها، ومنها: قرار جمهوري بسحب الجنسية المصرية من ستة مواطنين مصريين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، واكتشف أيضا أنهم يصدرون أوامر بنقل الضباط دون الرجوع إلى مشورته. كما رفض زكريا محي الدين وجمال سالم، وكانا من مجموعة الضباط الأحرار، أن يؤديا اليمين الدستورية أمامه بعد تعيينهما في مناصب حكومية. بينما وقف عبد الناصر، على العكس منه، ليمنح مجلس قيادة الثورة كافة الصلاحيات لقيادة البلاد دون الرجوع إلى الآليات الديمقراطية التي تتيح للأحزاب أن يكون لها رأي وموقف من تلك القرارات التي انفرد بها مجلس قيادة الثورة الذي أصبح هو المشرع للقوانين التي تنسجم أولا وآخرا مع الأهداف التي يرسمها المجلس. هذا الخلاف بين الاثنين لم يحسم إلا باستبعاد اللواء محمد نجيب الذي أصبح لوحده يغرد خارج سرب الضباط الأحرار الذين كانوا مجموعة من الشباب يملؤهم الحماس الوطني لقيادة البلاد دون أن تكون لهم خبرة ورؤية سياسية تستثمر الكثير من عناصر البناء السياسي الديمقراطي الذي كانت تتسم به الحياة السياسية النيابية أيام الملكية، بل على العكس من ذلك أطاحوا بذاك التراث الذي كان قد بني طيلة أكثر من أربعة عقود من عمر الحياة السياسية التي كانت تشكلها مجموعة من الأحزاب والشخصيات السياسية شهدت على طبيعة نضالها قبة البرلمان.
التجربة الدكتاتورية
وما إن تسلم عبد الناصر قيادة مجلس الثورة حتى بدأ في مصر زمن آخر طويت فيه صفحة برلمانية مشرقة بالقياس إلى ما جاء بعدها، وانطفأت في سمائه أسماء وأحزاب وطنية، وليبقى اسم واحد وقائد واحد وحزب واحد يتحرك وسط المشهد، وليتحمل القائد لوحده مسؤولية قيادة البلاد في كل صغيرة وكبيرة وليكون مسؤولا عن كل القرارات المصيرية التي ستقرر الطريق والوجهة التي ستمضي إليها. وهنا ابتدأت لحظة مصيرية من تاريخ شعوب المنطقة العربية، يمكننا الآن القول عنها إنها اللبنة الأولى في تأسيس منظومة النظام السياسي الدكتاتوري الذي ستشهده البلدان العربية بعد ذلك واحدة إثر أخرى، ولم تكن في حقيقتها إلا استنساخا للتجربة المصرية بامتياز بعد أن توفرت في شخصية عبد الناصر عوامل ذاتية بدا من خلالها نموذجا للقائد الذي يحلم به الفرد العربي للخروج من هيمنة الاستعمار والشعور المفقود بالعزة والكرامة الوطنية التي كانت قد سلختها منه القوى المسيطرة على وسائل الإنتاج من ملاك الأراضي والقوى الإقطاعية. جاء ذلك بعد أن اتخذ عبد الناصر سلسلة من القرارات الثورية التي استولت الدولة بموجبها على أراض شاسعة كان يملكها الإقطاع والملاكون ثم وزعها على الفلاحين. وبهذا، أنهى عبد الناصر حقبة مهلكة من تاريخ الفلاح المصري تمتد لمئات السنين كان يعيش فيها في نمط قاس من علاقة العبودية لم توفر له إحساسا بذاته وكرامته الإنسانية رغم ما كان يبذله من جهد لم يوفر له شيئا في الأرض التي يعمل فيها طيلة العام، بل كان يزداد فقرا ومهانة مقابل ما كان يجنيه أسياده من محصول وفير نتيجة عرقه. كما واجه عبد الناصر الدول الكبرى (أمريكا وبريطانيا) عندما اتخذ قرارا مصيريا بتأميم قناة السويس عام 1956. وهذا ما وضعه في مواجهة مباشرة مع قوى كبرى كانت تقتسم العالم بجيوشها ومصالحها، فأضاف إليه ذلك بريقا وجاذبية ساطعة بأضوائها، كانت تكفي لتحجب عن عيون الناس داخل وخارج مصر كل الأخطاء التي كان يرتكبها مع القوى والأحزاب السياسية الوطنية داخل مصر والتي كانت نتيجتها أن يبقى تنظيم الاتحاد الاشتراكي الذي كان يتزعمه عبد الناصر يتحرك بحرية تامة في المشهد السياسي المصري بينما تعاني القوى التقدمية من سوء نظرة السلطة إليها وتعاملها معها، فكانت السجون والمعتقلات تستقبل، بين فترة وأخرى، عناصر وقيادات تلك التنظيمات، وفي المقدمة منها الحزب الشيوعي إضافة إلى حركة الإخوان المسلمين التي انتهت علاقتها بعبد الناصر منذ عام 1954 عندما حاولوا اغتياله داخل قبة البرلمان، وبقيت محظورة من العمل والوجود العلني في الحياة السياسية حتى يوم 25 يناير 2011.
يتبع...
مروان ياسين الدليمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.