دخلت انتفاضة مصر الشعبية غير المسبوقة أمس الخميس يومها السابع عشر والسادس ضمن ما أسماه المحتجون «أسبوع الصمود» حتى تنحية نظام الرئيس حسني مبارك وتعديل الدستور وحل البرلمان. وقد شهدت ساحة ميدان التحرير، مركز المظاهرات، استعدادات لمسيرات حاشدة اليوم الجمعة، قال محللون إنها لن تقتصر على الميدان فحسب بل ستتعداه لتشمل عدة مناطق في مختلف أنحاء مصر. وقد اتسع نطاق المظاهرات أول أمس الأربعاء، ليمتد إلى ما وراء ميدان التحرير. وحاصر المحتجون عددا من المباني الحكومية، بينها مباني مجلسي الشعب والشورى ورئاسة الوزراء وبعض الوزارات القريبة من ميدان التحرير، مما دفع بالحكومة إلى منح العاملين في هذه المباني إجازة مفتوحة. واضطر رئيس الوزراء أحمد شفيق إلى ممارسه مهامه من مقر وزارة الطيران المدني التي كان يشغلها. كما قام محتجون في القاهرة وعدد من المدن المصرية الأخرى باعتصامات في بعض المؤسسات والمصانع والنقابات. وتجددت أعمال العنف التي تخللت حركة الاحتجاج في مصر بعد فترة من الهدوء، إذ قتل أربعة أشخاص وأصيب العشرات في اشتباكات بين رجال شرطة ومتظاهرين في مدينة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد غربي البلاد، حيث تحدثت تقارير عن استخدام الشرطة للذخيرة الحية في إطلاق النار على المتظاهرين. وفي مدينة بورسعيد على قناة السويس، أفادت أنباء بأن محتجين حطموا الواجهة الزجاجية لمبنى ديوان عام محافظة بورسعيد وأشعلوا فيه النار. وقام المتظاهرون بإخراج الأثاث من قاعة كبار الزوار وأحرقوه، كما أحرقوا سيارة المحافظ وعددا من الدراجات النارية. وتقول التقارير إن المتظاهرين توجهوا إلى سكن المحافظ وحاولوا اقتحامه، لكن الجيش المصري تصدى لهم. كما تواصلت الاحتجاجات المطالبة برحيل مبارك في مدينة السويس شرقي البلاد، واعتصم عدد من العاملين في عدد كبير من الشركات والمصانع في المدينة للمطالبة بتحقيق ما وصفوه ب«العدالة الاجتماعية»، إضافة إلى المطالب السياسية الأخرى والمتمثلة في تعديل الدستور ورفع قانون الطوارئ، بيد أن الإضراب لم يؤثر على مرور السفن وخدماتها في القناة. وفي أسيوط بصعيد مصر، أغلق آلاف المتظاهرين الطريق الرئيسية وخط السكة الحديدية وألقوا الحجارة على سيارة المحافظ. أبو الغيط يستنجد بالجيش وفي خضم هذه التطورات، أشار وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى إمكانية تدخل الجيش إذا حاول من أسماهم ب»المغامرين» الاستيلاء على السلطة في مصر. وقال أبو الغيط، في مقابلة مع قناة «العربية» الفضائية، إن الجيش سيكون ملزما، بمقتضى الدستور، بالتدخل في حال إحساسه بأن الأمن القومي المصري مهدد. وأضاف أبو الغيط، في المقابلة التي بثتها وكالات الأنباء، أنه يجب المحافظة على الدستور حتى بعد تعديله «لحماية البلد من بعض المغامرين أو بعض الشخصيات التي قد تقول نحن نأخذ السلطة ونشرف على المرحلة الانتقالية». وقال: «إذا حدث هذا، فإن القوات المسلحة ستجد نفسها مضطرة إلى أن تدافع عن الدستور والأمن القومي المصري طبقا للقسم»، مشيرا إلى أن ذلك سيكون وضعا في غاية الخطورة. وأقر الوزير بأن جماعة الإخوان المسلمين نالت اعترافا من النظام الحاكم في مصر بدعوتها، إلى جانب قوى المعارضة، إلى الحوار مع نائب الرئيس عمر سليمان. واعتبر ذلك خطوة كبيرة من الحكومة تجاه الإخوان الذين يحظر القانون المصري جماعتهم، وأضاف أن نتائج الحوار ستظهر خلال الأيام القادمة. وفي وقت سابق، اتهم وزير الخارجية المصري الولاياتالمتحدة بمحاولة فرض إرادتها على الحكومة المصرية. وقال أبو الغيط، في حوار مع شبكة ال«بي بي إس» الأمريكية، إن النصائح الأمريكية لا تساعد. كما رفض أبو الغيط دعوات أمريكية للإنهاء الفوري لحالة الطوارئ. وفي رد على سؤال حول الاتصال الهاتفي الذي أجراه نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء الأخير مع نظيره المصري اللواء عمر سليمان، قال أبو الغيط: «عندما تتحدثون عن تغييرات فورية مع دولة كبرى مثل مصر تقيمون معها أفضل العلاقات، فإنكم تفرضون عليها إرادتكم». وأوضح الوزير المصري أنه «كان غاضبا أحيانا» حيال رد الفعل الأمريكي أثناء الأيام الأولى من التظاهرات في وسط القاهرة، بيد أنه استدرك قائلا: «الآن، أعتقد أن إدارة (أوباما) تتفهم بالتحديد صعوبات الوضع والمخاطر، إضافة إلى المخاطر التي يثيرها الاندفاع في فوضى لا نهاية لها». الأمريكان يديرون ظهرهم للنظام المصري وعلى مدى اليومين الماضيين، كالت الإدارة الأمريكية انتقادات للحكومة المصرية واصفة الخطوات التي قدمتها للإصلاحات والحوار مع المعارضة بكونها لم تلب «الحد الأدنى» من مطالب المحتجين في شوارع البلاد. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، روبرت جيبس، في إيجازه الصحفي اليومي: «من الواضح أن ما قدمته الحكومة حتى الآن لا يلبي الحد الأدنى بالنسبة إلى الشعب المصري». ودعا جيبس الحكومة المصرية إلى «بذل المزيد» لكي تنسجم العملية الانتقالية مع تطلعات الشعب المصري. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية ال«بي بي سي» أن جيبس انتقد مسؤولين مصريين، لم يسمهم بالاسم، مشيرا إلى أنهم أساؤوا تقدير إصرار المتظاهرين في الشوارع، وربما راهنوا على رحيلهم أو مللهم. وحذر الحكومة المصرية من أن الفشل في التجاوب مع مخاوف حشود المحتجين «لن يؤدي سوى إلى زيادة الاحتجاجات في القاهرة»، بيد أنه أعاد التأكيد في الوقت نفسه على أن الولاياتالمتحدة ليست هي من يحدد مستقبل الإصلاحات الديمقراطية في مصر، قائلا إنه فقط يشير إلى تطلعات مختلف الحشود في القاهرة المطالبة بالإصلاحات. تعديل مواد دستورية وعلى صعيد الإصلاح الدستوري الذي دعا إليه نائب الرئيس المصري عمر سليمان، وافقت لجنة عينها الرئيس المصري حسني مبارك أول أمس الأربعاء على تعديل ست من مواد الدستور، أهمها المادة المتعلقة بشروط الترشح للرئاسة وعدد الفترات الرئاسية. وأفادت وسائل إعلام مصرية رسمية بأن المواد التي تم الاتفاق عليها هي 76 و77 و88 و93 و179 و189. وتتعلق المادة 76 بشروط الترشيح لرئاسة الجمهورية والمادة 77 بفترات ولاية الرئيس والمادة 88 بعملية الإشراف على الانتخابات التشريعية والمادة 93 بالطعون على انتخابات مجلس الشعب. أما المادة 179 فتعطي رئيس الجمهورية حق إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية إذا ما تعلق الأمر بجرائم الإرهاب. وتنظم المادة 189 طريقة تعديل الدستور وتعطي الحق في طلب تعديل الدستور لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب وفقا لإجراءات محددة. ولم توضح بعد طبيعة التعديلات التي سيتم إدخالها على هذه المواد التي كانت المعارضة تطالب بتعديلها. الملك عبد الله يتعهد بدعم مبارك ماليا وفي تطور جديد فجره هذه المرة العاهل السعودي الملك عبد الله، أكدت صحيفة «تايمز» البريطانية، يوم أمس الخميس، أن الملك عبد الله بن عبد العزيز قال للرئيس الأمريكي باراك أوباما إن بلاده ستدعم الرئيس المصري حسني مبارك إذا ما أوقفت الولاياتالمتحدة المساعدات التي تقدمها إلى مصر. وذكرت الصحيفة، نقلا عن مصدر كبير في الرياض، قوله إن عبد الله أبلغ أوباما، في مكالمة هاتفية يوم 29 يناير، بألا يهين مبارك الذي يتعرض لضغط من محتجين مصريين يطالبون بتنحيه عن السلطة على الفور. ويقول المحللون إن موقف الإدارة الأمريكية متذبذب بين تأييد الحكومة المصرية، التي تساند واشنطن في محاربتها للتشدد الإسلامي، ودعم المصريين الذين يحتجون منذ أسابيع للمطالبة بإسقاط مبارك ونظامه. وترعى الولاياتالمتحدة تحالفها مع مصر منذ زمن طويل وتمنح القاهرة مساعدات بمليارات الدولارات في إطار سعيها إلى التأثير في شؤون منطقة يكافح زعماؤها لاحتواء غضب شعوبهم. وكان البيت الأبيض في يوم 28 يناير قد قال إن الولاياتالمتحدة ستراجع المساعدات التي تقدمها إلى مصر والتي تصل إلى 1.5 مليار دولار. وصرح مسؤولون، في وقت لاحق، بأنه لم يتقرر إجراء مراجعة من هذا النوع في الوقت الحالي. ترقب حذر وفي ظل ترقب يشوبه الكثير من القلق، أعادت قوات الجيش انتشارها في العديد من شوارع القاهرة، وعلى رأسها الشوارع المتجهة إلى حي مدينة نصر وحي مصر الجديدة شرقي العاصمة حيث يقع مقر القصر الرئاسي. وذكرت وكالة الأنباء الألمانية، نقلا عن مصادر عسكرية، أن إجراءات إعادة الانتشار المكثف تستهدف أساسا حماية ثلاثة مواقع حساسة، هي القصر الرئاسي والمخابرات العامة ومبنى التلفزيون. وأكدت المصادر أنه ليست هناك أي نية لإخراج المعتصمين من ميدان التحرير بالعنف. وحسب قناة «الجزيرة» القطرية، فإن تقريرا بثه موقع «إخوان أون لاين»، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، الليلة الماضية، قد تحدث عن خطة أمنية لقمع المظاهرات التي سيشهدها ميدان التحرير اليوم الجمعة. وأشار التقرير إلى أن الخطة «ترتكز على حشد ما يقرب من 30 ألفا من أفراد القوات الخاصة بالأمن المركزي وجهاز مباحث أمن الدولة لفض المظاهرات في ميدان التحرير ومنع عودة المتظاهرين إليه». وذكر مراسل الوكالة الألمانية أن تطبيق إجراءات حظر التجول أصبح أكثر صرامة من ذي قبل، وأن نقاط التفتيش العسكرية زادت من تعزيزها للحواجز الأمنية. وصرحت المصادر العسكرية للمراسل بأنه لن يجري منع أي شخص من الدخول إلى ميدان التحرير. لكن المراسل توقع إغلاق منافذ الدخول إلى القاهرة اليوم الجمعة، استنادا إلى ما جرى عليه العمل يومي الجمعة الماضيين. شهيدة الثورة على سطح المريخ وبعيدا عن الأجواء السياسية لما يحدث في مصر من تظاهرات واحتجاجات، وافقت وكالة «ناسا» الفضائية على طلب تقدم به عالم فضاء مصري يدعى عصام حجي، لوضع اسم «سالى زهران»، التي استشهدت في مظاهرات المصريين في ميدان التحرير وسط العاصمة القاهرة، على إحدى المركبات الفضائية المتجهة إلى المريخ. وأضاف حجي أن هناك تقليدا متبعا في معمل «الدفع الصاروخي النفاث» -وهو إحدى المؤسسات العلمية المسؤولة عن اكتشاف المريخ، ويتبع لوكالة «ناسا الفضائية- بوضع أسماء مواطنين من كل دول العالم وفق اقتراح من أي مواطن أمريكي أو من أحد العاملين في «ناسا» بناء على طلب مقدم إلى إدارة «ناسا». وقال حجي، في رسالة بعث بها إلى صحيفة «المصري اليوم» في عددها الصادر يوم أمس الخميس، إنه تقدم بطلب لوضع اسم الشهيدة تكريما لها وكنوع من مشاركته، كشاب مصري خارج وطنه، في هذا الظرف التاريخي لمصر. وأضاف أن هذا أقل ما يمكن أن يقدمه إلى شباب مصر وصانعي ثورتها وخطوة كتابة اسم الشهيدة سالي زهران على المركبة الفضائية المتجهة للمريخ محاولة لتكريم شهداء مصر الأبرار وستنقل المركبة أحلام شباب مصر من ضيق الأرض إلى رحابة السماء. ووجه رسالة إلى معتصمي ميدان التحرير عنوانها «الوقوف في التحرير.. والصعود إلى القمر»، قال فيها: ما أشبه الوقوف في قلب ميدان التحرير وخطوات أول إنسان على سطح القمر، كلاهما بدأ بحلم من نخبة من الشباب يصبح واقعا غير التاريخ ونظرة العالم إلى قدرة الإنسان على تحدي الصعاب والواقع الذي تفرضه الظروف. وأضافت: «اليوم يقف الملايين من شبابنا في أول خطوات طريق الحرية بنفس الشجاعة والتحدي كما وقف «نيل أرمسترونج» يخطو أول خطوة على القمر».