في البداية، كيف تقيم واقع الفضاءات الترفيهية في علاقة بصورة وحضور الفنان المغربي في المجال الفني؟ -يجب أن نعترف أن المغرب، على امتداد فتراته، وفر فضاءات ترفيهية ومركبات ومسارح، لكنها للأسف لم تُستغل على الوجه الأكمل ولا تستمر بالشكل الكافي، كما أنني أعاتب شركات الإنتاج وأعاتب منظمي الحفلات على عدم الاهتمام، إذ يترك الفنان المغربي في مواجهة الواقع، بمختلف تعقيداته وتناقضاته وصعوباته، مما يضطره للجوء إلى بضع «الحلول» التي تكون صعبة، إذ في المغرب يتكفل الفنان بكل شيء، من البداية إلى النهاية. من جهة أخرى، فغياب ثقافة المكلف بالأعمال يعقد العملية التواصلية ويصعّب سلامة الاشتغال في الفضاءات المفتوحة أمام الجمهور أو في الفضاءات الترفيهية الخاصة، وأظن أن الفنان، حينما يتجه إلى الصحافة للتواصل، يفقد -في اعتقادي- بريقه كفنان. كيف تنظر إلى مسألة مشاركة الفنان المغربي في الملاهي الليلية وفي الفضاءات الترفيهية الأخرى؟ - في مصر، التي تعد رائدة في الفن في الخمسين سنة الأخيرة، ليس هناك أي عيب أو تحفظ من أن يشتغل الفنان في الملاهي الليلية أو في فندق أو مركب، لأن هناك اقتناعا بأن الفنان يعيش بفنه، والأمر ذاته تعيشه تونس، الدولة الشقيقة والقريبة منا جغرافيا وثقافيا، إلا أنه عندنا في المغرب، لا يتم التعامل بنفس المنطق، إذ بمجرد ما يشتغل الفنان المغربي في ملهى ليلي أو مرقص، تنفى عنه صفة الاحترافية ويصنَّف في «درجة» غير منصفة من الاعتبار والتقدير الواجب للفنان، وأنا، بحكم اشتغالي الطويل ومعرفتي الدقيقة بواقع الفن والفنانين المغاربة، أخالف هذا الرأي والطرح، لأنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار للحكم على أحقية العمل في «الكاباريهات» أو عدمها، الوضع الاجتماعي للفنان والتزاماته الأسرية، إذ عليه أن يوفر لنفسه سبل تحقيق العيش الكريم وضمان لقمة العيش له ولأسرته، كما أن هذا الاختيار تحكمه فرص العمل وفرص الظهور والمشاركة في البرامج التلفزيونية. هل مسألة ارتياد الفنان المغربي للملاهي الليلية ظاهرة جديدة؟ - لا، أبدا، إذ كنتُ من «المحظوظين»، الذين انتموا إلى جيل الوسط، بمعنى أنني عايشت الرواد وعشت لحظات عطائهم في السبعينيات وبداية ثمانينات القرن الماضي، من خلال مشاركتي في برنامج «مواهب»، لعبد النبي الجيراري، كما عايشت جيل الشاب، وأتذكر أنه لم يكن هناك أي عيب في أن يغني الفنان المغربي في الملاهي الليلية أو في المطاعم أو الفنادق، كان أمرا عاديا، والدليل على ذلك أن المطرب الكبير عبد الهادي بلخياط والفنان الكبير عبد الوهاب الدكالي كانا يغنيان في أحد الفضاءات الترفيهية، ولم يكن ذلك يقلقهما أو يسيء إليهما، والشأن نفسه يسقط على الفنان الكبير محمود الإدريسي والفنانة الكبيرة نعيمة سميح، فضلا على مجموعة من الرواد الشهيرين، وهنا، لا بد من توضيح نقطة أساسية هي أن هذه اللقاءات كانت تمثل مناسبة لالتقاء بعض العائلات للاستماع إلى فنانهم المفضل، لكنني أستغرب كيف تبدلت نظرة البعض إلى الفنان الذي يشتغل في الملاهي الليلية، وبدأ ينظر إليه كفنان غير مرغوب فيه وبدأ البعض يروجون أن الغناء في هذه الملاهي عيب وغير مطلوب، ولهذا نجد أن بعض الفنانين صاروا يرفضون أن يغنوا في هذه الفضاءات، مخافة أن يصنَّفوا في خانة «فناني الكباريهات»، وهذا -كما قلت- كلام غير مقبول وغير واقعي ولا يؤخذ بعين الاعتبار.