شكل سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي انعطافة جوهرية في السمعي -البصري في هذه الدولة المغاربية، ومنحت تداعيات «ثورة الياسمين» إشارات قوية على قدرة الفعل السمعي -البصري -تفعيلا لوظيفة السلطة الرابعة- على خلق التحولات السياسية وفرض صيغ جديدة في التعاطي مع «حلم» استقلالية هذه السلطة وانفصالها عن السلطات الكلاسيكية، وأعادت إلى الواجهة الجدل القديم /الجديد حول إفرازات وإكراهات ومآزق ممارسة الدولة الوصاية على الفضاء السمعي البصري. وبصرف النظر عن الدخول في مناقشة أو التنبؤ بالأسباب اليقينية لسقوط نظام بن علي ولعبة السياسيين ورجال العسكر والمخابرات الداخلية والخارجية، أفرز هذا الحدث المهم العديد من المعطيات اللافتة للانتباه، أولها حديث بعض المهتمين بالتحولات الكونية على مستوى الخبر الإلكتروني، عن حدوث أول «ثورة إلكترونية» أسقطت نظاما صارما امتد لربع قرن من الزمن، منطلقهم في ذلك أن المواقع الاجتماعية التي لم تكن تندرج ضمن المواقع المحظورة في تونس شكلت مصدرا لانطلاق الاحتجاجات ومنحت الأداة لتنسيق الخرجات الشعبية في الزمن والمكان المحددين، مع التذكير بأن الأمر أخذ منحى متصاعدا في الشبكة العنكبوتية، التي ينخرط فيها أكثر من3 ملايين تونسي، من أصل 10 ملايين، مجموع السكان. وقد شكلت هذه الشبكة الإلكترونية البديل الأولي عن وسائل التواصل السمعية -البصرية التي تحكمها السلطات التونسية «بقبضة من حديد»، عبر وصاية ومراقبة وزارة الاتصال، في ضرب صارخ لمبدأ استقلالية وفصل السلط. وقد وجد التونسيين ذواتهم في الشبكة ودافعوا عن حقهم في ارتياده جميع المواقع وأعلنوا، في شهر نونبر الماضي، التمرد والانتصار في «حربهم» الأولى مع النظام، حينما أقر القضاء التونسي عدم قانونية حجب المواقع الإلكترونية، ما فتح الباب أمام إمكانية مواجهة صارت يقينية في الشهرين الأخيرين، فأسقطت -أو على الأقل- ساهمت في إسقاط نظام بن علي، المؤسس على «البروباغاندا» الإعلامية والقبضة البوليسية. وتواصل مسلسل التحول في الفضاء السمعي -البصري بالإعلان عن الحكومة الجديدة في تونس، وتغيير هويات القنوات القائمة، وخلت لائحة الحكومة من وزير مكلف في وزارة الاتصال، ولهذا أكثر من إشارة لا بد من التقاطها، أولها أن الرئيس هو مصدر كل السلطات، بما فيها سلطة الإعلام، فكان طبيعيا أن تُحَلّ إلى حين، وثاني الإشارات أن تكريس استقلالية السلط والفصل الفعلي بينها يمر عبر رفع الحكومة -مؤقتة أو منتخَبة- يدها عن الإعلام وإحداث قطيعة مع التداخل بين السلطة التنفيذية والسلطة الرابعة. ثالث الإشارات أن تشكيل رأي عام حر ومتعدد ومنفتح على جميع الجمعيات والتكتلات الإثنية أو النقابية أو الإيديولوجية يتم عبر ضمان استقلالية الإعلام ووسائله. ورابع الإشارات أن الثورة، التي خلقت أو انتعشت من الحرية الكونية التي تحملها الشبكة العنكبوتية، لا يمكن أن تسلم آلياتها ووسائل تدبريها لنظام جديد غير نظام الحرية وفصل السلطة الإعلامية ونظام الحق في الوصول إلى المعلومة وتصديرها إلى المتلقي ونظام يؤمن بإمكانية وجود فعلي لمجتمع إعلامي يتعايش مع المجتمع السياسي ومع المجتمع المدني.