بماذا يمكن أن يفسر هذا الإنزال القوي لمؤسسات الدولة وممثليها والدائرين في فلكها ل«نجدة» الضحى؟ وكأن ردود الصفريوي لم تكن كافية أو ربما تبين أنها غير مقنعة ف«تقرر» أن تتدخل الدولة بذخيرتها الثقيلة. وهكذا، بدا واضحا دخول الإعلام العمومي على الخط، حيث فتحت نشرات الأخبار الرئيسية للأولى بالعربية ودوزيم بالفرنسية، وتم اختيار المتحدثين بعناية فائقة، والمعيار الأساسي هو الفصاحة وحسن الخطابة. وإذا كان توفيق احجيرة وفيا لبلاغته التي تخول له الحديث مطولا مع قدرة بالغة على الالتفاف على جوهر القضية، إذ استفاض في شرح «المقاربة الشمولية» العزيزة على قلبه، فإن مولاي احفيظ العلمي، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، كان بكل بساطة خارج السياق. فرئيس الباطرونا افتقد اللياقة عندما وصف تصريحات الشعبي بكونها «سياسية وديماغوجية»، بل قال-أكثر من ذلك- إنه لا يسمح بأن يشوش على صورة المغرب الإيجابية وآفاق اقتصاده الواعدة. ويحتار المرء فعلا أمام اعتبار فضح اقتصاد الريع ومنح الامتيازات شكلا من أشكال التشويش. وكأنهم يريدون أن يقولوا للمغاربة...سكوت، إننا نوزع الغنيمة. وإذا كان تدخل احجيرة على التلفزة منطقيا إلى حد ما، وأقصد تواصله وليس دفوعاته التي لم تكن مقنعة، انطلاقا من وظيفته، فإن تدخل العلمي جاء ليكرس الطريقة التي وصل بها الرجل إلى رئاسة الاتحاد العام للمقاولات، لذلك لاغرو أن يعيد الرجل المصعد إلى أولئك الذين دفعوه إلى رئاسة الاتحاد وأوصلوه قبل ذلك إلى رئاسة مجموعة شركات. أما إدريس جطو فقد خلق سابقة في تاريخ المغرب المعاصر، إذ لأول مرة ينظم وزير أول سابق ندوة صحفية ليشرح فيها تدبيره لملف من الملفات، جاء الرجل الذي يحظى باحترام جل الأطراف ليقول للصحفيين إنه لم يفوت أي أراض بشكل تمييزي، وليعوم الموضوع أكثر قال إن الجميع استفاد، وذكر طبعا من ضمنهم الشعبي حتى يفرغ الضجة التي أحدثها هذا الأخير من محتواها، وبصيغة أخرى فإنه أراد أن يبلغ المغاربة أن «أولاد عبد الواحد كاع واحد» وأنه ليس في القنافد أملس، أي بكل بساطة أن الشعبي نفسه استفاد، وربما أحدث الضجة لأنه يريد المزيد. لقد نسي جطو أن الشعبي صرح لجميع الجرائد بأنه لم يستفد من أي تفويت مباشر وبالطريقة إياها، وقال للجميع: من له ملف فليخرجه للصحافة. وهكذا، كان على جطو أن يأتي بملفات عوض ثرثرة من ورائها فقط رغبة في نزع فتيل الصراع ومصالحة الرجلين، وهاهو رجل الأعمال عبد الرحيم الحجوجي يكذب، جملة وتفصيلا، ما صرح به جطو من كونه استفاد من تفويت أراض، ويستنكر هذا التصريح. مخطئ من يعتبر أن الأمر مجرد خلاف فقط بين رجلين، لقد أصبح ذلك قضية رأي عام والإعلام سيظل ينبش في جوهرها حتى يصل إلى الحقيقة حتى لو «تنازل» الشعبي عن الملف لأنه بكل بساطة لم يعد ملفه. والخلاصة هي أنه عوض أن يحرك القضاء مسطرة التحقيق لأن الأمر يتعلق بأموال عمومية، نجد أن الدولة تسخر «إمكانياتها» لاحتواء الموضوع حفاظا على مصلحة «كمشة» من الموظفين واستفادة مجموعة الضحى، بل إنه تم الافتراء حتى على الرسالة الملكية لسنة 2002. ولنا عودة إلى موضوع هذه الرسالة.