لقد أثار استغرابي واندهاشي قرار سويسرا بمنع بناء المآذن، وسمعت تبريرات كثيرة ومختلفة لذلك، وكلها افتراءات وحقارات يغذيها الخوف، وربما الحقد. وكان أكثر ما أثار حَنقي وغضبي هو القول إن وراء بناء الصوامع والقباب في المساجد خلفية جنسية، لكون المسلمين مجموعة من المعقَّدين جنسيا. لذلك، بنوا المآذن على شكل أسطوانة مدببة في الأعلى، كي ترمز إلى القضيب في حالة انتصاب، والقباب على شكل ثدي امرأة أو ربما على شكل إليتها!... وإنصافا للتاريخ، فالمسلمون عرفوا الجنس وأكرموه ورفعوا من شأنه وجعلوه حق الرجل والمرأة، في إطار الزواج، بدون عُقَد ولا خلفيات. ولكن الغرب، منذ أن عرف ثورات كثيرة صناعية وفلاحية وعلمية، ثم أخيرا، ثورة جنسية، وهاجس الجنس يسكنه ويسري في شرايين الحياة الغربية. وهذه الثورة الجنسية، التي انطلقت في أوائل ستينيات القرن الماضي وانتهت في أوائل سبعينياته، لم تفتأ تجر عليه الويلات والدمار وتنخر في عود هذا القمقم الكبير. لنعد إلى التاريخ قليلا، كي نتابع كيف بدأت هذه الثورة الجنسية، تخيلوا معي فقط قبل سنة 1966 أن السينما الأمريكية كان يضبط أخلاقياتِها «قانون هايس»، الذي أقتطف لكم بعض بنوده: - الزنا، حتى وإن كان ضروريا في قصة الفيلم، لا يمكن تمثيله وتشخيصه. المَشاهد الساخنة ممنوعة، مثل القُبَل والمداعبات أو الحركات التي توحي بذلك. كل إشارة إلى شذوذ جنسي ممنوعة. - العلاقة الغرامية بين البيض والسود ممنوع تقديمها على الشاشة. - الصحة الجنسية والأمراض المتنقلة جنسيا ليست مواضيع تُطرَح في السينما. - العري ممنوع. - الرقص المثير للغرائز والملابس الكاشفة المثيرة ممنوعة. ليلغى هذا القانون بعد ذلك وتتبدل الأخلاق ويحدث التحرر وتسود ثقافة الجنس، بإنتاج أول فيلم بورنوغرافي سنة 1972 «الحفرة العميقة». وببحثنا عن الدوافع الأولى لهذا الأمر، نجد أن اسما لعب دورا رئيسيا وهو هيوهيفنير، صاحب دار نشر، الذي قام بإصدار أول عدد لمجلة «بلاي بوي» الشهيرة في شيكاغو عام 1953، حيث أظهر الممثلة مارلين مونرو على الغلاف، والذي باع أكثر من 61 ألف نسخة. و»بلاي بوي» تعني رجل غني لا يعمل ويكرس حياته للهو ومتع الحياة وللشذوذ الجنسي. وتعرض هذه المجلة صورا لنساء عاريات وساقطات، مصحوبة بكتابات لأشهر المحترفين في هذه المجالات. وقد أصبحت المجلة شعبية جدا في ستينيات القرن العشرين، حيث عدها القراء نمطا من أنماط الحياة الحديثة الحرة. وقد بلغ توزيعها ذروته عام 1973، حيث بلغ 7 ملايين نسخة تقريبا. وقد استُثمرت هذه الشركة منذ بداية الستينيات في النوادي الليلية الشهيرة، التي توفر العشاء والترفيه للذكور، وتستخدم نساء موظفات يجسدن أرانب ال»بلاي بوي»، حيث كن يرتدين آذان الأرانب وذيولا قطنية، وكذلك في الفنادق والأفلام المصورة والمطاعم وفي منتجات استهلاكية، كالملابس وغيرها.. وفي الثمانينيات، توجت بإطلاق قناة تلفزيونية باسم «بلاي بوي». ثم في أواسط التسعينيات، بإطلاق فضائية «بلاي بوي»، حتى اشتهرت في الصين وأصبح لباس «بلاي بوي» شعبيا جدا، هذا البلد الذي تمنع فيه رسميا مجلة «بلاي بوي». ولقصف الشعوب الغربية بمزيد من الصور الجنسية، أنشئت مجلة «بلاي كير»، على غرار «بلاي بوي» للنساء، «كير» بالإنجليزي فتاة، لتعرض بالمقابل نموذج المرأة الغربية الحديثة المتحررة عام 1973، تعرض فيها صور رجال عراة. ومن المفارقات العجيبة هنا أننا عندما نسأل ما نوع النساء اللاتي يقرأن المجلة؟ يأتينا الجواب: لا أحد منهن.. إلا نادرا، لأنها مجلة يشتريها الرجال فقط، ولما سُئلت النساء اللواتي اشترينها مرة واحدة لماذا لم يواصلن شراء المجلة؟ كانت أغلب الأجوبة: إنها مجلة للعاهرات وغريبات الأطوار والشاذات جنسيا. وكشفت دراسة شهيرة عرضت صور ذكور عراة على 4191 رجلا، أن 54 في المائة منهم قد أثيروا جنسيا من تلك الصور، مقارنة مع عرضها على 5678 امرأة فقط، 12 في المائة تأثرن جنسيا برؤية الأعضاء الجنسية الذكرية عارية. وخلاصة الأمر من هذا أن «بلاي كير» مخصصة للذكور، لإثارة غريزة حب المثل والتسويق للمثلية الجنسية. وقد كشفت دراسة للدكتور كينسي أن نصف الرجال الذين بقوا بلا زواج بعد عمر 35 عاما كانوا مثليين جنسيين، ولهذه المجلة وغيرها دور رئيسي في إيقاظ المثلية الكامنة في الرجال. وما فتئ هذا الإعلام الجنسي يجر اللعنات تلو الأخرى، وكان أول من ذاقها النساء المصورات على الصفحة الوسطى ل»بلاي بوي» -»البوستير». انظروا كيف ماتت أغلبهن في عمر الزهور: ماريلين مونرو: عام 1962 ماتت منتحرة. تونا كريوز: 1966 ماتت بحادثة سير. جين ماسفلت: 1967 ماتت بحادثة سير. سيو ويليامس: 1969 ماتت منتحرة. كلوديا جينين: 1969 ماتت بحادثة سير. كارول ويليس: 1971 ماتت بحادثة سير. ويلي راي: 1973 ماتت بجرعة زائدة من المخدرات. بايغ يونغ: 1974 ماتت بجرعة زائدة من حبوب منومة. إيف مايير: 1977 ماتت في حادثة اصطدام طائرتين، المعروفة بكارثة تينيريف، والتي مات فيها أزيد من 580 شخصا. دوروتي ستراتن: 1980 ماتت مقتولة من طرف زوجها. إيليسا بريدج: 2002 ماتت بجرعة زائدة من المخدرات. تيفاني سالون: 2008 ماتت بجرعة زائدة من المخدرات... في الواقع، فإن الغربيين مشبعون بالجنسية الرمزية في وسائل إعلامهم منذ الولادة، فهم اليوم، بعد خمسة عقود من الثورة الجنسية، أُشربوا هذه الثقافة وطمست أعينهم وعقولهم لذلك حكموا على مساجدنا حسب ما تمليه نظاراتهم الثقيلة التي لا يعرفون التخلص منها. إن مآذننا بُنيت عالية، لأن لها وظيفة، وهي أنه لما يرفع عليها الآذان، يصل إلى أبعد الآفاق، وكذلك لتتراءى من بعيد فيهتدي إليها المصلون بسهولة، ولها أيضا رمزية، لأنها توجد في المساجد المشتق اسمها من السجود، حيث يكون العابد في حالة انخفاض تام أمام ربه، ولكنْ في حالة علو وسمو بالروح إلى خالقها، لذلك فالمآذن ترتفع إلى فوق على شكل سهم يشير إلى السماء وإلى العالم العلوي. كم هم مساكين هؤلاء الغربيون.. مثيرون للشفقة...