في فيلمه الوثائقي «الملجأ» يرصد المخرج التونسي فخر الدين السراولية ظاهرة الأزواج المعنفين في تونس. الفيلم يحكي قصصا واقعية عن رجال أجبرهم عنف زوجاتهم على الفرار من منازلهم والاحتماء ب«الملجأ». لحسن الحظ أو لسوئه لا يوجد بالمغرب ملجأ بهذه الوظيفة، وإن ظهرت قبل سنتين جمعية للدفاع عن الرجال المعنفين. فكرة الدفاع عن الرجال لم تستسغها عدة فعاليات مدنية واعتبرتها خطوة في الاتجاه المعاكس، فيما تكهن البعض بفشل التجربة. لكن بعد سنة واحدة من تأسيسها، سيستغيث بالشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال زهاء 350 شخصا تعرضوا للتعنيف، وفي العام الموالي صار العدد مضاعفا. وكان المتهم باستمرار هو المرأة. من يعنف من الحقيقة المغيبة التي كشفت عنها الشبكة المغربية لحماية حقوق الرجال أن النساء أيضا يمارسن العنف، وأنهن لسن دوما «ضحايا»، وأن الرجال ليسوا دوما «جلادين». ورغم أن عدد المعنفين، الذي أبانت عنه الشبكة، لا يمثل شيئا مقارنة بما تقاسيه النساء عامة على أيدي الرجال (تشير إحصائيات مركز الاستماع الوطني لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن إلى أن عدد المعنفات بلغ مثلا سنة 2008 حوالي 13945 ضحية، وأن نسبة الزوجات المعنفات ناهزت 50 بالمائة، وأن زهاء 15000 مغربي يعنفون زوجاتهم سنويا)، فقد استطاعت الشبكة على الأقل أن تكشف الوجه الآخر للعنف، الوجه المحتجب، الكامن في الظل بعيدا عن أي تشريح أو تفكيك بسبب انتمائه إلى خانة «الطابو»، وأيضا بسبب طبيعة المجتمع المغربي، الذي «يرفض أن تمارس المرأة العنف على زوجها... فيما يقبل أن يمارس الرجل العنف على زوجته»، كما يقول علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع. هذه الازدواجية في القيم يرجعها الباحث الاجتماعي إلى النظام المجتمعي الأبيسي وكذا طبيعة العقلية الذكورية، التي ترفض أن تجرح نرجسيتها. فالرجل المغربي، مثلا، يقول علي الشعباني، تعود على ممارسة سلطته المادية والرمزية في بيته، سواء على زوجته أو أبنائه، لكن حين يتعرض لأي عنف من قبل زوجته، سواء كان ماديا أو معنويا، يتكتم عليه مخافة أن تتعرض سلطته للشرخ. وهناك سببان، يقول الشعباني، يفسران عادة لجوء الرجل المعنَّف إلى الصمت، أولهما نفسي، يتمثل في كون الرجل المعنَّف يرفض أن يظهر بمظهر الضعيف، المهان، الفاقد لرجولته. وثانيهما اجتماعي، يكمن في رفضه أن يكون استثنائيا في منظومة اجتماعية تؤمن بالرجل «القوي» وتمنحه الحق في التحكم في أسرته. الخوف، إذن، من النظرة التبخيسية أو التحقيرية يكون عادة عائقا أمام الرجل المعنَّف ويمنعه من البوح بما يعانيه، وهو ما يجعل العنف ضد الرجال فعلا استثنائيا، والمعطيات حوله قليلة، يقول الشعباني، عكس ما يحدث بالنسبة إلى النساء، وإن استطاعت قلة قليلة من المعنَّفين في السنوات الأخيرة اجتياز حاجز الصمت وركوب صهوة البوح بمعاناتها. سواسية أمام القانون وحتى في حالة البوح، يخشى الرجال المعنَّفون عادة اللجوء إلى الشرطة أو إلى القضاء، خشية السخرية أو عدم تصديقهم، وإن كان عمر أوسي، المحامي بهيئة الدارالبيضاء، يرى أن «الزوج له الحق، في حال تعرضه للعنف من قبل زوجته، أن يتقدم بشكاية إلى النيابة العامة، التي تتولى القيام بإجراء البحث والتحري بواسطة الضابطة القضائية، وفي حالة تثبتها من وقوع العنف والشروط القانونية، تتولى النيابة العامة إحالة الزوجة على المحاكمة العلنية ومتابعتها وفق فصول القانون الجنائي، حسب خطورة فعل العنف المرتكب من طرفها». ويوضح المحامي عمر أوسي أن المشرّع المغربي جرّم أعمال العنف بصفة عامة في الفصول 400 و401 و402 و403 من القانون الجنائي، وأفرد لها عقوبات تختلف باختلاف درجة وخطورة النتيجة المترتبة عن فعل العنف. ويضيف عمر أوسي أن «المشرّع المغربي اعتبر صفة الزوجية ظرفا من ظروف تشديد العقوبة في حالة ما كان مرتكب فعل العنف مرتبطا بعلاقة زواج مع من وقع عليه العنف، لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة. وهذا ما نص عليه الفصل 404 من القانون الجنائي بعقاب كل من ارتكب عمدا أي نوع من العنف ضد زوجه». لكن الرجال عموما يستدرك المحامي عمر أوسي لا يتقدمون بشكايات ضد زوجاتهم، رغم تعرضهم للعديد من أنواع العنف، موضحا أن ذلك «لا يعود إلى قصور في القانون، بل إلى طبيعة الوسط الاجتماعي وكذلك التنشئة الاجتماعية، اللذين يجعلان من العيب ومن نقصان الرجولة ادعاء الرجل تعرضه للعنف من قبل زوجته».