من الطبيعي أن الاهتمام العالمي اليوم بالإسلام وأهله وبكتابه المقدس وبنبيه العظيم وبتاريخه المجيد المليء بالأحداث، التي تدفع المرء الذي في نفسه مرض إلى البحث عن بعض الانزلاقات التي جاءت على أيدي قلة من أهله والمحسوبين عليه، جعله (أي الإسلام) يتبوأ مكانة عظيمة في العالم. وهكذا بدأ الكل يتحدث عن الإسلام، العارف به والجاهل، المدرك لقيمته الحضارية والدينية والناكر الجاحد لكل هذه الأمور، المتعاطف مع أهله المظلومين في شتى بقاع العالم والمشارك في اضطهادهم بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، المشروعة وغير المشروعة. وهذا يؤكد أيضا أن هذا الدين هو دين متحرك متجدد وليس جامدا في مكانه، يساير الواقع وتطور البشرية ولا يمنع الاجتهاد والإبداع والتجديد في العديد من أبوابه الشرعية. ولا تنحصر قيمة هذا الدين في هذا الأمر فقط، بل هو الدين الجامع الشامل لكل أمر وشأن بشري، بل يشمل أيضا كل الثقافات والمعارف التي تعارف عليها البشر ومازالوا يفعلون. ولذلك نجد العديد من الحاقدين عليه وعلى أهله يحاربونه ويحاربون أهله بشتى الوسائل، مختلقين الأكاذيب والأضاليل لمحاربته في عقر داره ومنع العديد من الحالات التي أعلنت عن دخولها إلى الإسلام والوقوف بجانبه. ولكي نتمكن من مناقشة هذه المحاولات التي تعمل ليل نهار وبجد ومثابرة على محاربة الإسلام، لا بد لنا من استعراض بعضها، سواء كانت من داخل العالم الإسلامي أو من خارجه في الغرب. ولعل الفئة الأولى هي الأخطر على الإسلام من الفئة الثانية لأنها الفئة التي عرفت هذا الدين وخبرته وخبرت أهله. والغرض من هذا الاستعراض ليس هو سرد هذه المحاولات بصورة شاملة، بل هو العمل على توضيح العمل والجهد الجبار اللذين يبذلهما هؤلاء من أجل ضرب الدين الإسلامي وجعله مجرد ثقافة وحضارة بشرية لا غير. إن كل ادعاء، عن جهل أو عمد، بأن الإسلام منهج ديني وليس منهجا حياتيا، وبالتالي يجب فصله عن أمور الحياة وإخراجه من دائرة التشريع والقانون والمعاملات الإنسانية، هو ادعاء باطل، لكنه يجد نفسه حاضرا بقوة داخل المجتمعات العربية والإسلامية، مستفيدا من نظريات وثقافات غربية سبق لها أن واجهت الدين ودافعت عن اغترابه داخل الأنماط الحياتية في المجتمع الغربي. ومن هنا، نجد أن كل المقولات التي تدعو اليوم من داخل المجتمع الإسلامي عموما إلى إبعاد الدين عن شؤون الحياة وتبني العلمانية الكلية كنمط حياة وتعايش وحكم هي مقولات قد رست فوق رصيف الفكر والثقافة لا ترى أن الإنسان بطبيعته لا يمكنه أن يتعايش بدون دين يحكم تصرفاته وأهوائه ويكبح حاجياته المفرطة. يتم استغلال بعض الوقائع التي شارك فيها بعض المحسوبين على الإسلام، والتي تكون مدمرة في بعض الأحيان، ونذكر منها بعض العمليات الإرهابية المدانة التي لا يمكننا البتة الاتفاق معها، حيث يتم استحضارها في العديد من المحطات لضرب الإسلام ووصفه بكونه دين عنف وإرهاب بينما هو براء من هذه التهم الباطلة التي يطلقونها دون تمحيص أو تفكير عقلاني. إن معاداة الإسلام تبدأ من محاربة اللغة العربية التي هي لغة القرآن، دستور المسلمين عامة. ولذلك فكل الحروب الواقعة اليوم في العالم نجد ضحاياها من المسلمين. وكل الاضطهاد الذي يعيشه المسلم، سواء في بلده أو في بلد الآخر، مرده إلى كونه عربيا أو مسلما يدين بدين الإسلام الذي لم يستطع أي أحد أن ينتصر عليه أو يغير من تعاليمه أو يزور كتابه المقدس أو ينزع نوره من قلوب المؤمنين به. وكل المعاناة التي يعانيها المسلم اليوم هي نتيجة لقدرته على الصمود في وجه كل الزوابع والقلاقل والتقليل من القيمة التي يمارسها الأعداء على دين الإسلام. وهذا لعمري هو مربط الفرس في كل هذه الحروب العسكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية ضد المسلمين وأوطانهم. إن الإسلام كدين حضارة وقيم جاء لينظم حياة الناس على أساس احترام بعضهم البعض، وتكافل وتعاون بعضهم مع بعض على البر والإحسان، وقيام مجتمع نقي لا تشوبه شائبة، مخالف للسائد اليوم حيث القيم الهدامة والأخلاق المدمرة للإنسان والطبيعة هي الرائجة، وحيث القوي والمتميز هو الذي يستطيع بشطارته أن يخادع الآخرين ويبتزهم وينافقهم ويكذب عليهم لتحقيق أهدافه الدنيئة. ولذلك نجد كل هذا العداء للإسلام من لدن أناس ومجتمعات وأنظمة سياسية لا تستطيع أن تعيش ضمن النقاء والصفاء والوضوح. فكل الشعارات التي يسوقونها حول أنظمتهم القمعية للضعفاء هي شعارات جوفاء وواهية سرعان ما ينفضح أمرها ويظهر ما تطفح به من أكاذيب ونفاق ودجل سياسي وفكري استطاعوا أن يقنعوا بها ضعاف النفوس عندنا، لكنهم لن يستطيعوا أن يقنعوا بها الجميع. لأنه مازال عندنا من يحافظ على نقاء سريرته ويدافع عن دينه وقيمه التي تربى عليها وعرفها كما تربى عليها وعرفها أجداده عبر السيرورة التاريخية. ستؤدي كل الحروب المعلنة على المسلمين اليوم إلى الفشل الذريع، لأنها حروب ظالمة ومعادية لسنة الله في الأرض. فالله خالق البشر جميعا قد بعث برسله وأنبيائه برسالة السلام والتعايش والتدافع بالأفكار لا بالسيوف والطائرات والسلاح النووي... هذه هي رسالة الله إلى الناس أجمعين، وهذه هي سنته التي أرادها على أرضه، لكن لا حياة لمن تنادي. فهناك من البشر من جُبِل على الشر والتدمير وجارى الشيطان في مخططاته التخريبية، ليقضي على قيم إنسانية مستمدة من رسالات ربانية تهدف إلى البناء والتعايش في وئام وإخاء. والإسلام كرسالة إلهية للناس أجمعين جاء بهذا كله وطالب به، ودافع عن هذه القيم المشار إليها، بل حارب المؤمنون من أجل تطبيقها في الواقع واستشهد الكثيرون منهم في سبيل إحقاق الحق وفرض القيم الإسلامية وتبوئها المكانة اللائقة بها، لكن وجدت كل هذه المجهودات من يقف ضدها ويحد من سيرورتها ويوقف استمراريتها السلسة التي كانت تعرفها في بداية ظهور الإسلام. ولا شك أن الخاسر الأكبر من كل هذا الشد والجذب هو الإنسان أولا وأخيرا... كاتب وباحث