تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 35 سنة. حامل للمرة الثانية. بلغت الأسبوع 41 من الحمل. لكني لم ألد بعد. فهل تأخر الوضع لدي؟ وإن كان الأمر كذلك، فماذا يعني تأخر الولادة؟ وماهي الأسباب التي تؤدي إليها؟ وماهي مضاعفاتها بالنسبة للأم والجنين ؟ وهل يمكن للطفل أن يرقد في بطن أمه لعدة أعوام. أي ما رأيكم في الجنين الراقد؟. في الوقت الذي نتناول فيه هذا الموضوع ستكون ولادتك قد أنجزت بشكل أو بآخر فلا يمكن للحمل أن يستمر إلى ما لانهاية، إذ هناك آجال معلومة تفرض على الطبيب المولد أن يتدخل. أما ما أشرت إليه حول موضوع الجنين الراقد، فهو مجرد أسطورة شائعة في ثقافتنا المغربية توارثتها الأجيال بينها، لا نصيب لها من الصحة والمصداقية العلمية. فهي عبارة عن حيلة ابتكرتها بعض النساء لتبرير حمل غير شرعي في ظل غياب طويل للزوج يفوق التسعة أشهر. ولكي لا نسيء الظن كثيرا، قد يبنى وهم الجنين الراقد على خلط تتسبب فيه أورام ليفية بالرحم سابقة على الحمل حيث تحسب المرأة الحمل انطلاقا من يوم ملاحظتها للورم الناشئ أسفل بطنها. وقد يحدث أن تحمل فعلا. فتضيف مدة الحمل الحقيقية إلى مدة الحمل المتوقعة. فيصبح الحمل عندها أعواما وأعواما. نقول إن الولادة قد تأخرت عن موعدها أو إن الحمل قد طال أكثر من اللازم عندما يتجاوز 42 أسبوعا أو 294 يوما بعد أول يوم لآخر عادة شهرية حدثت لدى المرأة. لقد مكنت دراسة عينات كبيرة من النساء من تحديد مدة الحمل الطبيعية لدى الجنس البشري في 267 ابتداء من يوم التبويض أو 284 يوما ابتداء من أول يوم لآخر عادة شهرية لدى امرأة ذات دورة شهرية عادية من 28 يوما أي 40 أسبوعا وأربعة أيام. لكن هذه الأرقام لا تسلم من النقد. فهي تختلف من فريق طبي لآخر حيث تقع نهاية الحمل بين الأسبوع 40 و41. ولتفادي انعدام اليقين هذا فقد تم التوافق على اعتبار الحمل طويلا عندما تتجاوز مدته مدة الحمل العادية (284 يوما) بعشرة أيام أي 294 يوما أو 42 أسبوعا بالتمام والكمال. ورغم أنهما لا يفيدان نفس المعنى، فإن اكتمال مدة الحمل واكتمال النمو قد يثيران كثيرا من اللبس في ذهن الحوامل والأطباء على السواء. وهكذا فإن طفلا ولد عند اكتمال مدة الحمل يكون مكتمل النمو، بينما عندما تكون الولادة قبل اكتمال مدة الحمل، فإن الجنين يكون ناقص النمو أو خديجا. وهكذا يمكن اعتبار تجاوز مدة الحمل مرادفا لتجاوز مرحلة اكتمال النمو. وبصرامة علمية أكبر يجب أن نميز بين حمل ممتد يفيد معطى زمنيا وبين تجاوز أمد الحمل المؤسس على مفهوم اكتمال النمو لدى الجنين. ولكي أكون واضحا ينبغي معرفة أن أمد الحمل يختلف من امرأة لأخرى. وتجاوز أمد الحمل الذي يعني فرط نمو الجنين يمكن أن يحدث في تواريخ مختلفة خلال الحمل وليس فقط بعد 42 أسبوعا. وهكذا فإن هناك أجنة يكتمل نموها في الأسبوع 37 و38 ونرصد لديها علامات فرط اكتمال النمو إذا انتظرت الأسبوع 40 للخروج للدنيا. وبالعكس من ذلك فقد يولد الطفل في نهاية الأسبوع 42 دون أن تظهر عليه هذه العلامات لأن هذا التاريخ يمثل في الحقيقة تاريخ اكتمال النمو لديه. يمثل الحمل الممتد «الحقيقي» الذي يفوق 42 أسبوعا 10 % من كل حالات الحمل. لكن هذه النسبة تتغير تبعا لطريقة حسابنا لمدة الحمل. فإذا قدرناها وفق معيار العادة الشهرية تنزل إلى 7.5 %، أما إذا اعتمدنا معطيات الفحص بالصدى قبل 12 أسبوعا، فإنها تنزل إلى 2.5 % وإلى 1.1 % إذا كان هناك تناغم بين طريقتي الحساب هاته. وهكذا يتبين أن عددا كبيرا من حالات تأخر الولادة لا تكون كذلك في حقيقة الأمر. فهي مجرد ظن وقد تتحول إلى مجرد فزع غير مبرر. أسباب الحمل الممتد لا نعرف لحدود اليوم سببا واضحا لامتداد الحمل إلى ما بعد أمده. لكننا نشك في أن بعض العوامل تتسبب في هذه المشكلة يأتي في طليعتها الحمل بجنين عديم الدماغ أي جنين لا يتوفر على دماغ. وهذا عيب خلقي تستحيل معه الحياة بعد الولادة. لكن الحمل مع ذلك قد يمتد إلى ما بعد مدته الطبيعية. وهذه فقط ملاحظة إحصائية يعوزنا التفسير العلمي المقنع لها. ويكاد يتفق أطباء التوليد على أن الولادة للمرة الأولى تسبب أيضا طول أمد الحمل، ربما لأن عنق الرحم يكون غير مدرب على التوسع في إبانه لما يطلب منه ذلك للمرة الأولى. ويضيفون لهذه العوامل ارتفاع وزن الجنين ف 63 % من الأطفال الذين يولدون بعد 42 أسبوعا يفوق وزنهم 4000 غرام مقابل 23 % فقط من الذين يولدون قبل 40 أسبوعا. ومما يدعم هذا الطرح أن الزيادة اليومية في الوزن تنزل من 30 غراما إلى 10 غرامات بعد 40 أسبوعا. كذلك عرف عن بعض أمراض الجنين أنها سبب لطول مدة الحمل كتواجد الماء بالدماغ والتثالث الصبغي 18 والضمور الخلقي للغدتين الكظريتين. ما الذي يحدث عندما يتأخر الوضع؟ تحدث أمور كثيرة قد تكون لها مضاعفات خطيرة فعلى مستوى المشيمة، فقد تظل ذات شكل طبيعي في 25 % من الحالات. أما في الحالات الأخرى فتظهر عليها علامات الشيخوخة لأنها عمرت داخل الرحم أكثر من اللازم فتنخفض كفاءتها الوظيفية, مما يسبب أفدح الأضرار لدى الجنين الذي يقل تزويده بالأكسجين والمغذيات ويؤدي إلى معاناة مزمنة داخل الرحم حيث يصاب بالاجتفاف, مما يؤدي إلى انخفاض التبول وبالتالي انخفاض كمية سائل الجنين المحيط به الذي يتكون في غالبيته من بول الجنين. يحاول هذا الجنين أن يتكيف مع هذا الوضع الحرج من خلال المحافظة على التروية الدموية لدماغه على حساب التروية الدموية للجلد والكلي والأمعاء. مما يجعل هذه الأخيرة تتأثر أيضا فتلفظ الغائط نحو الخارج في قلب سائل النخط. مما يجعله متعفنا ذا لون أخضر عوض أن يظل معقما وذا لون أبيض، الشيء الذي قد يؤذي الجنين الذي عادة ما يبتلع هذا السائل مما يؤدي إلى معاناته وتعفنه ويطرح الكثير من المشاكل بعد الولادة. ولكن ألا يجدر بنا أن نسأل عن حالة الطفل القادم من حمل ممتد؟ كيف هو شكله العام؟ وهل هناك علامات تميزه؟ في أغلب الأحيان لا نسجل لديه أي اختلالات حيث يكون الطفل طبيعيا. لكن المضاعفات لا تلبث تتقاطر كلما أمعن الحمل في الزمن. وهكذا قد ينخفض الوزن بسبب الجفاف والهزال. كما يكون الجلد جافا رماديا مقشعرا متقشرا على مستوى راحتي اليدين وباطن القدمين وتطول الأظافر وشعيرات الرأس كما لو أن هذا الجنين لم ينتظر فشرع في طفولته في رحم أمه. لكن الملاحظ والمتفق عليه أن نمو الأجنة يرتبط بعوامل أخرى زيادة على عامل التغذية عبر المشيمة. فلنفس مدة الحمل نلاحظ أن هناك تفوقا في النمو لدى السود على البيض ولدى الفتيات على الذكور ولدى التوأم مقارنة بالحمل ذو الجنين الواحد. هناك عدة مخاطر ينطوي عليها الحمل الممتد أولها ارتفاع وزن الجنين عند الولادة الذي يفوق 4 كلغ بعد 42 أسبوعا فيؤدي إلى المراضة والوفيات في صفوف المواليد الجدد وإلى تسجيل مضاعفات عند الأم كارتفاع احتمالات الخضوع للعملية القيصرية، عسر الولادة إذا ما اخترنا الولادة الطبيعية بسبب ارتخاء عضلة الرحم، هذا بالإضافة إلى طول المخاض وإلى احتجاز الكتفين أثناء الوضع حيث يستحيل استكمال الولادة بشكل سلس دون اللجوء لتقنيات معقدة وخطيرة مما قد يسبب موت الجنين أو حدوث كسور لديه أو شلل يهم الأطراف العليا. كما قد يتمزق عجان الأم قبل أن يسمح بمرور هذا الطفل الضخم. ولكن كيف نتعامل مع الحمل الممتد لدرء هذه المضاعفات؟ أولا يجب أن نرصد هذا الحمل ثم نراقبه ثانيا ونتخذ قرارات صائبة بشأنه ثالثا : يمر تشخيص الحمل الممتد عبر الحساب الصحيح للمدة النظرية لهذا الحمل. وهكذا تكون هذه المدة دقيقة إذا نجم الحمل عن تقنية أطفال الأنابيب لأن الطبيب هو من ينجز هذا الحمل فيكون على بينة تامة من تاريخ وقوعه. ويكون هامش الخطأ ثلاثة أيام فقط إذا كنا نعرف تاريخ التبويض لدى المرأة أو تاريخ الاتصال الجنسي الذي نجم عنه الحمل. ويرتفع هذا الهامش إلى 4 أيام إذا تم اعتماد معطيات الفحص بالصدى بين الأسبوع 8 و12 للحمل ويصل إلى 7 أيام إذا اعتمدنا تاريخ آخر عادة شهرية أو الفحص بالصدى بين الأسبوع 12 و20 ويستقر هامش الخطأ هذا في 10 أيام نقصا أو زيادة عندما نستنتج مدة الحمل من خلال فحص بالصدى بعد الأسبوع 20 , هناك أيضا علامات بتعطل الوضع أهمها انخفاض حركات الجنين وانخفاض علو الرحم وندرة سائل النخط, وملاحظة ترهل المشيمة من خلال فحص بالصدى, وتلون سائل النخط خلال فحص بالمنظار, وكذا ظهور اختلالات في تخطيط نبض القلب عند الجنين تنذر بمعاناته. ولكن دعونا من كل هذا ولنبحث عما ينبغي فعله. بداية يقرر الأطباء أن المراقبة اللصيقة يجب أن تبدأ 3 أيام بعد الأسبوع 39 للحمل وتشمل فحص الأم من خلال حساب الضغط والوزن والبروتين في الدم وتقييم مدى شروع عنق الرحم في فتح أبوابه ثم مراقبة الجنين عبر تخطيط نبض القلب وتقدير كمية سائل النخط من خلال الفحص بالصدى. ومن الطبيعي أن وتيرة المراقبة ترتفع كلما طال أمد الحمل. بالنسبة لقرارات التوليد فتتخذ حسب كل حالة على حدة, فقد نقرر الانتظار إما لأن المرأة مخطئة في حساباتها أو لأن الوضع مطمئن. وقد نقرر تسريع الولادة بناء على معطيات طبية. آنذاك فحسب حالة عنق الرحم قد نقوم بإنضاج هذا العنق ثم نستحث الوضع من خلال بعض الأدوية, على أن نضع في الحسبان أنه إذا أخفقت المحاولة يجب أن نكون على استعداد لإنهاء الولادة بالقيصرية أو قد تقوم بالتوجه رأسا إلى هذه العملية القيصرية إذا ارتأينا أن لا فائدة من انتظار المخاض الطبيعي لأن معطيات الفحص قد دلت على أن المرأة مستمرة في تكاسلها ولا تنوي الشروع في الولادة بمفردها وإذا كذلك خفنا ألا يطيق الجنين هذه الولادة الطبيعية.