هناك في آسفي البعيدة عن أعين أهل البيضاء والرباط رجال كانوا، قبل عشر سنوات فقط، لا يجدون ما يفعلونه في النهار ويمددون أرجلهم الحافية فوق أراض خلاء تقابل البحر على الطريق الساحلية الرابطة بين آسفي والصويرة فوق تراب جماعة المعاشات القروية، هناك حيث لا ماشية لديهم ولا آبار جوفية، يقبضون العصي بأيديهم ويضعون العمائم فوق رؤوسهم، يرضون بأميتهم وبؤسهم ويرضى الفقر والتهميش عنهم. العارفون بخبايا ما يجري ويدور في آسفي يعرفون حق المعرفة أن المخدرات بالمغرب لم تعد تغني أو تسمن من جوع، وأن مادة أخرى أكثر أهمية، ليس بيعها مجرّما بقانون، أصبحت هي الوسيلة المثلى والوصفة السحرية للاغتناء السريع والوصول الأسرع أيضا إلى قبة البرلمان ورئاسات الجماعات، بدون حمل تهمة أو صفة «بزناس» و«حرايفي» التي تلتصق عادة بتجار المخدرات كما يلتصق الذباب بأنوف البغال. هناك في جماعة المعاشات جماعة من الناس كانوا، إلى حدود الأمس القريب، يجوبون الأرض حفاة، واليوم يمددون أرجلهم في سيارات يفوق ثمنها المائة مليون سنتيم..، كانوا قبل اليوم لا يجدون ما يطعمون به بضع دجاجات، فتحولوا إلى محسنين يوزعون الأموال، يمنة ويسرة وتحت عدسات المصورين،... وكانوا بالأمس فقط لا يذهبون إلى الحمام سوى في العيد بينما أصبحوا اليوم زبائن فوق العادة لصالات التدليك بتركيا وشرق آسيا. هؤلاء لا يزرعون سنابل «الكيف» خفية في السهول ولا يصدرونه على ظهر قوارب فائقة السرعة إلى إسبانيا... ولا تجد أسماءهم ولا صورهم في خانة المبحوث عنهم ولا يستترون في تنقلاتهم خوفا من المتابعة والاعتقال... فقط لأن «الزطلة» التي بسببها مدوا أيديهم إلى قمم الغنى ليغتسلوا بالأوراق المالية ليست سوى رمال الشواطئ المنهوبة الممتدة على ساحل تراب جماعة المعاشات القروية. الناس بآسفي لا يفهمون كيف تمر يوميا أزيد من 100 شاحنة لا تحمل لوحات ترقيم، ومع ذلك تعبر باطمئنان وسؤدد حواجز الدرك والأمن وتتوقف بأمن وأمان في محطات التزود بالوقود وهي حاملة لرمال مسروقة، قبل تخزينها في مخازن معروفة لدى جميع أجهزة السلطة، دون أن تجد في طريقها من يوقفها ويفتش أوراقها ويعتقل سائقها ومن يقف وراءه خلف الستار ويتكئ على أكياس مملوءة عن آخرها من الأوراق المالية التي تدرها عليه سرقة الرمال في واضحة النهار. مافيا مقالع الرمال بجماعة المعاشات تتحكم ليس في نهب واستنزاف رمال الشواطئ العذراء والأراضي الرملية وفي التلاعب بأسعارها في السوق السوداء فقط، بل أيضا في رسم خريطة البناء العشوائي في كامل التراب الحضري لآسفي، وفي توسعها عبر وسطاء وسماسرة خلقوا أحياء بأكملها بمنازل وعمارات بطوابق رملية وإسمنتية بدون رخصة بناء واحدة. بسطاء وأهالي جماعة المعاشات القروية من الفلاحين والمزارعين يتابعون بأعين بريئة مشاهد الغنى التي سقطت فجأة على رؤوس معروفة اغتنت على حساب رمال الوطن، وأصبح هؤلاء الأهالي ينحنون في مشاهد غريبة يقبلون أيدي أصحاب المقالع كلما التقوا بهم وكلما احتاجوا إليهم في أمور إدارية أو لقضاء أغراضهم... فقط لأن الناس هناك لم يعودوا يثقون في إدارات الدولة، وعوضا عن التوجه إليها لاستخراج وثائق إدارية تخصهم يفضلون التوجه إلى أرباب المقالع إيمانا بنفوذهم المالي ومركزهم عند أهل القرار بولاية آسفي. في جماعة المعاشات بآسفي أصحاب المقالع اغتنوا حد التخمة ولم تعد للمال قيمة عندهم، فالأوراق المالية لم يعودوا يجمعونها في أرصدة بنكية أو في محفظة يضعونها في جيوبهم بل يكدسونها في «خناشي ديال الشمرتل».