هؤلاء العربان، الذين لا يرون في المرأة المغربية سوى كونهن ساحرات وعاهرات وسارقات رجال، لا يعرفون أي شيء عن المرأة المغربية الحقيقية. يتصورون أن النساء المغربيات هن فقط أولئك الفتيات البائسات اللواتي يشترونهن بعقودهم الشبيهة بعقود العبيد ويتاجرون في شرفهن في مواخيرهم، إلى الحد الذي أصبح فيه الخليجيون، والشرقيون عموما، يختزلون معرفتهم بالمرأة المغربية في الجنس والدعارة وسرقة الرجال والسحر، أما سبقها وريادتها في مجالات العلوم والدين والرياضة والسياسة والدبلوماسية والتكنولوجيا فيكادون يجهلون عنه كل شيء. هؤلاء الناس يجهلون أن أول امرأة أسست جامعة في العالم بأسره اسمها جامعة القرويين هي مغربية من فاس اسمها فاطمة الفهرية الملقبة بأم البنين. يتجاهلون، في قمة هذيانهم وانتشائهم بعائدات أموال النفط التي غيرت حياتهم من حياة البدو إلى حياة الترف والمجون، أن أول امرأة في العالم العربي والإسلامي فازت بميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلوس سنة 1984 كانت مغربية واسمها نوال المتوكل. ينشغلون بوصول خادمات مغربيات فقيرات وحلاقات معدمات إلى مطارات بلدانهم من أجل الشغل فيحولونهن إلى خادمات للجنس ثم يسخرون من مصيرهن، ويتجاهلون وصول أول امرأة في العالمين العربي والإسلامي إلى القطب الجنوبي المتجمد، الباحثة وعالمة الفضاء والفلكية المغربية مريم شديد، التي رفعت راية المغرب خفاقة إلى جانب رايات الدول العظمى في أبرد مكان في العالم. وإذا كانت المغربية مريم شديد هي أول عالمة فضاء في العالم العربي تصل إلى القطب الجنوبي المتجمد، فإن عالمة مغربية سبقتها، منذ أواسط الستينيات، إلى الوصول إلى وكالة «ناسا»، فكانت بذلك أمينة الصنهاجي أول مغربية وعربية تلتحق بهذه الوكالة وتلج عالم الفضاء. هؤلاء العربان، الذين لازالوا يمنعون نساءهم من مجرد قيادة السيارات، ينسون أن أول طيارة في العالم العربي والإسلامي كانت شابة مغربية اسمها ثريا الشاوي، حصلت على شهادة الطيران سنة 1951 في زمن كانت فيه النساء الأوربيات والأمريكيات اللواتي يقدن الطارئات معدودات على رؤوس الأصابع. أما البلدان العربية، التي تختزل نساءنا اليوم في العهر والسحر، فلم يكن أغلب مواطنيها يتوفرون حتى على أحذية يلبسونها في أقدامهم المشققة، فبالأحرى أن تتوفر على طائرات، حتى إن بعضهم لم يكن قد ظهر على الخريطة بعد، كالكويت مثلا. وحتى عندما اغتالت عصابة من العسكريين الموتورين الشهيدة ثريا الشاوي في أول سنة من سنوات الاستقلال، فإن رحم المرأة المغربية الولود لم يكف عن إنجاب النساء الشجاعات اللواتي روضن الأجواء العليا على متن أجنحة الطائرات. ولعل هؤلاء العربان، الذين لا يستحضرون المرأة المغربية إلا مقرونة بكبتهم التاريخي، يجهلون أن أول ربانة قادت طائرة في العالم العربي هي المغربية بشرى البرنوصي. ولم يكن للمغرب شرف السبق في عالم قيادة نسائه للطائرات فقط، بل إن المغرب قدم أول امرأة مظلية في العالم العربي، هي السيدة عائشة المكي التي شاركت في المباراة الدولية للطيران سنة 1956، وهي المسابقة التي حصلت فيها على الجائزة الأولى ورفعت فيها راية المغرب خفاقة. وفي الوقت الذي يعتبرون فيه نساءهم عورة يجب سترها وتغطيتها بالكامل وحرمانها من أبسط حقوقها التي أعطاها إياها الإسلام السمح، استطاع المغرب أن يقدم أول امرأة تقود القطار في العالم العربي، وهي السيدة سعيدة عباد الموظفة بقطاع السكة الحديدية منذ 1982، والتي أعطت الدليل على أن المرأة المغربية التي قادت الطائرات بوسعها أن تقود القطارات أيضا. وفي الوقت الذي كانت فيه كل الدول العربية تعتبر الشأن السياسي والدبلوماسي شأنا رجاليا صرفا، أرسل المغرب إلى سفارته في واشنطن منذ 1959 السيدة حليمة الورزازي لشغل منصب ملحقة ثقافية بالسفارة، لكي تصبح بعد ذلك سنة 1973 أول امرأة في العالم العربي تصبح عضوا خبيرا في لجنة الأممالمتحدة لمناهضة الأبارتايد والميز العنصري. والواقع أن المرأة المغربية لم تترك أي مجال من المجالات لم تتفوق فيه وتحرز فيه السبق مقارنة بنظيراتها في العالم العربي. وسواء في العلوم الفضائية أو الطب أو القضاء أو العلوم الدينية أو الرياضة أو الفنون أو السياسة والدبلوماسية، فقد كانت المرأة المغربية دائما من الأوليات. فأول قاضية في العالم العربي هي الأستاذة المغربية سلوى الفاسي الفهري التي تولت كرسي القضاء في المحاكم الإدارية. وأول امرأتين في العالم العربي تقرران الذهاب إلى إسرائيل للقيام بعميلة فدائية هما الشقيقتان المغربيتان نادية وغيثة برادلي قبل أن تكشفهما سلطات الاحتلال وتعتقلهما في تل أبيب. وأول امرأة تعتلي المنبر وتلقي درسا أمام قائد دولة في كل هذا العالم العربي الممتد من المحيط إلى الخليج هي العالمة رجاء الناجي مكاوي التي ألقت درسا عنوانه «كونية نظام الأسرة في عالم متعدد الخصوصيات» بين يدي الملك محمد السادس خلال رمضان 2003. ومنذ ذلك الوقت، توالت الخطيبات والعالمات على منابر الدروس الحسنية، حيث يجلس الملك بتواضع فوق الأرض وتعتلي المرأة المنبر، في استعادة راقية لتاريخ إسلامي عريق كانت فيه النساء خطيبات وعالمات وشاعرات وتاجرات، قبل أن تقرر الجهالة العربية أن تحولهن إلى خيام متحركة لا حق لهن سوى في الصمت والخنوع. أي ملك أو زعيم في هذا العالم العربي يقبل أن يجلس لينصت لدرس ديني تلقيه امرأة؟ أعطوني واحدا فقط. إنهم لازالوا يعتبرون مجرد صوت المرأة عورة، وفي البرلمان الكويتي عندما دخلت إليه بضع نساء عمّته حالة حداد بعد أن أثارت خصلة شعر مكشوفة في شعر نائبة عاصفة سياسية أوشكت أن تغلق البرلمان وتحل الحكومة. إنهم يجهلون أن أول مدربة لكرة القدم في العالم العربي مغربية اسمها ثريا أزرويل، وأول مدربة لألعاب القوى والسلة في العالم العربي مغربية اسمها زهرة العلوي، وأول مرشحة في العالم العربي لجائزة نوبل مغربية اسمها غيثة الخياط، وأول عازفة على آلة البيانو في العالم العربي مغربية اسمها غيثة العوفير انتقلت مؤخرا إلى رحمة الله، وأول عربية وإفريقية تصبح منسقة ملف الإذاعات الأوربية مغربية اسمها فاطمة مومن، وأول امرأة تدير مؤسسة سجنية في العالم العربي مغربية اسمها بشرى المسلي، وأول مذيعة في العالم العربي مغربية اسمها لطيفة الفاسي جلست خلف المايكروفون مع بداية الخمسينيات، وأول امرأة تترأس فريقا لكرة القدم في العالم العربي مغربية اسمها سميرة الزاولي، وأول امرأة تقتحم عالم التحكيم الكروي في العالم العربي مغربية اسمها سعاد لكحل، وأول امرأة عربية تنضم إلى الهيئة العالمية لتنمية النيازك مغربية اسمها حسناء الشناوي، وأول امرأة تقتحم عالم رجال المطافئ في العالم العربي مغربية اسمها فاطمة عبوق، وأول امرأة في العالم العربي تشارك في رالي دكار للسيارات مغربية اسمها سعيدة الإبراهيمي، وأول امرأة اقتحمت رياضة ألعاب القوى في العالم العربي مغربية اسمها فاطمة الفقير، وأول امرأة كفيفة تعلم فنون الحرب ربما في العالم بأسره مغربية اسمها ثورية اليعقوبي، وأول امرأة في العالم العربي والإفريقي عضو بلجنة تطوير الفم والأسنان العالمية مغربية اسمها سعاد لمسفر، وأول امرأة تقتحم مجال أمراض وتوليد النساء في العالم العربي مغربية اسمها لطيفة الجامعي درست الطب في الخمسينيات ومارست تخصصها في الستينيات وفتحت عيادتها في بداية السبعينيات. ولو أردنا أن نعدد كل المجالات التي كانت المرأة المغربية سباقة إلى اقتحامها على مستوى العالم العربي والقارة الإفريقية لاحتجنا إلى أعداد كثيرة من هذه الجريدة. وما على الذين يشككون في مواهب وقدرات المرأة المغربية وإصرارها على إثبات ذاتها سوى أن يتأملوا كل الوظائف التي تشغلها المرأة المغربية في دبي، مثلا. فمنهن مئات المهندسات والإطارات العليا في التسيير والهندسة والسياحة يقدن شركات عالمية وضعت ثقتها فيهن ولم يكتف بالنظر إليهن كإناث وإنما كأدمغة قادرة على الإبداع والابتكار. يكفي أن يراجع هؤلاء المتخلفون الذين لازالوا يتناطحون حول جواز اشتغال المرأة في الأسواق التجارية من عدمه، مع أنهم يعرفون أكثر من غيرهم أن الرسول الكريم نفسه كان يشتغل عند تاجرة اسمها عائشة رضي الله عنها، لوائح النساء الأوربيات من أصل مغربي اللواتي وصلن إلى أعلى المناصب الحكومية في فرنسا وبلجيكا وهولندا وغيرها من الدول الديمقراطية التي أعطت للمرأة المغربية فرصة لكي تظهر «حنة يديها». ثم إن أول أم في العالم العربي تنجب عمدة أجنبيا لمدينة أوربية هي ريفية مغربية أنجبت عمدة روتردام أحمد بوطالب. هذا دون أن نتحدث عن الأمهات اللواتي أنجبن المغربية البلجيكية فضيلة لعنان، التي وصلت إلى منصب وزيرة للثقافة ببلجيكا، والمغربية الهولندية خديجة عريب نائبة حزب العمل الهولندي بالبرلمان الأوربي، ومغربيات كثيرات استطعن أن يثبتن أنفسهن في المهجر ويكن مستأمنات على إرث المغربيات الحرات اللواتي كن، إلى جانب الرجال، في مسيرة الكفاح من أجل الاستقلال، وكن إلى جانبهم في مسيرة استكمال الوحدة الترابية. هل هناك امرأة عربية واحدة شاركت في مسيرة لتحرير جزء من أرضها، وهل هناك أصلا بلد عربي واحد نظم مسيرة كتلك التي نظمها المغرب ومشى فيها 350 ألف مغربي ومغربية جنبا إلى جنب؟