المغرب يتغير، بيئيا، بشكل يثير الخوف. ففي وسط المدن، لم تعد هناك مساحات خضراء، والعمارات «نبتت» في كل مكان، والحدائق العمومية، القليلة أصلا، يلعب فيها الأطفال كرة القدم، لأنهم لا يتوفرون على ملاعبَ خاصةٍ بممارسة الرياضة، والوديان والبحيرات، إما جفّت وإما تلوثت بمياه الوادي الحار، والغابات والهضاب الخضراء المحيطة بالمدن صارت فريسة ل«وحوش العقار»، وربما سيأتي يوم سيكون من الصعب على طفل مغربي أن يفرّق بين شجرة زيتون وشجرة صفصاف.. وسيفكر، ألف مرة، قبل معرفة الفرق بين الضفدعة والسلحفاة، لأنه لا توجد تربية بيئية في البلاد.. في الماضي، كان الأطفال المغاربة يستمتعون بالاخضرار. كانت الأحياء محاطة بكثير من الأشجار وكانت المنازل فسيحة وسكانها يستغلون أي شبر من أجل زرع ورود أو أشجار أو أي شيء. وفي كثير من المدارس، كان هناك مُدرِّسون ينفقون الكثير من وقتهم لتعليم التلاميذ معنى الصداقة مع الطبيعة، فيزرعون في حديقة المدرسة الورد والنعناع والثوم والبصل والطماطم... اليوم، لم يعد أي شيء من كل هذا، وصار الأطفال المغاربة غرباءَ عن الطبيعة، وهناك أطفال كثيرون لم يروا الضفدعة والسلحفاة والأرنب والحية سوى في التلفزيون، ويعتقدون أن الطيور وحدها هي التي يمكنها الوقوف على غصن شجرة.. ومن النادر أن تجد، اليوم، طفلا مغربيا سبق له أن تسلق شجرة أو سبح في واد، أو أنه مر في أرض خلاء في البادية والتقط شيئا من الأرض لأكله. ومن النادر، أكثر، أن تجد طفلا سبق أن حلب نعجة أو أطعم شاة أو ركب بغلا، وسيكون الأمر أكثر صعوبة في المستقبل.. سبب كل هذا هو أن المغرب يكبر ويتضخم، بمعزل عن الطبيعة. الغابات والمناطق الخضراء يتمُّ اجتثاثها وحرقها وكأنها «عدُوة»، من أجل إفساح المجال للعمارات والمجمَّعات السكنية، وكل ما يفعله أصحاب العمارات، اليوم، هو أنهم يضعون أمام الأبواب «محابق» بأشجار صغيرة، وكأنها تذكير للناس بأن العالم ما تزال فيه أشجار.. المغاربة يجب أن يتصالحوا مع الطبيعة، لأنها مستقبلهم الرئيسي، ومن الضروري أن يتم إدخال مواد دراسية حول الأرض والفلاحة والطبيعة كمواد إجبارية في المقررات الدراسية، حيث يزور التلاميذ كل أسبوع حقلا أو ضيعة فلاحية، ويمكن لوزارة التربية أن تنشئ حقولا خاصة لذلك أو تتعاقد عبر شراكة مع أصحاب الضيعات أو مع مقاولات فلاحية. يجب على الأطفال أن يمسكوا الفأس والمعول ويقلبوا الأرض ويزرعوا فيها الطماطم والبطاطس والبصل والثوم والأشجار ويرووها بمياه الآبار التي يسقونها بسواعدهم، وسيكتشفون بذلك أهمية الأرض وقيمة العمل، فليس هناك في الكون حكمة أكبر من حكم الأرض والماء.. وهناك معضلة أخرى في المغرب، وهي أن الغابات والأشجار تتراجع بشكل مخيف، ولا أحد يفهم لماذا لا يتم تنظيم حملة لزرع مليون شجرة كل عام، وأيضا حَفر آلاف الآبار واكتشاف المياه الجوفية، فالطبيعة هي الصديق الحقيقي للمغاربة، لأنه في ظل التغيُّرات المناخية الرهيبة التي تجري حاليا، فإن الشجرة والبئر والحقل هي الملاذ الوحيد. فالأشجار تُلطِّف الهواء الساخن، خلال الحَرّ، وتقي من انجرافات التربة خلال مواسم الأمطار، لأن مواسم الحرارة ومواسم الأمطار أصبحت خطيرة وقاسية، وأبرز مثال على ذلك هذه الحرارة غير المسبوقة التي يعيشها المغاربة حاليا، وكذلك كميات الأمطار غير المسبوقة التي استقبلتها البلاد خلال السنوات الأخيرة. تصالُح المغاربة مع الطبيعة والبادية أمر أكثر من ضروري، إنه شيء إجباري، لأنه مع مرور الوقت سيبدأ الناس في الاقتناع بالسكن في البوادي، وبذلك يخفُّ الضغط الرهيب على المدن، لكن شرط أن تتوفر البوادي على مدارس حقيقية للدراسة وعلى طرق في المستوى ومستشفيات لائقة وعلى كل سبل العيش الكريم، تماما كما يحدث في الكثير من البلدان المتقدمة، حيث يفضل الناس السكن في القرى والضواحي ويبتعدون عن ضجيج المدن التي لا تفعل أكثر من إصابة سكانها بأمراض القلب والشرايين والسكري وضغط الدم، وتعمل على ملء غرف الانتظار في عيادات الأطباء.