اهتمت الصحف القريبة من الحماية الفرنسية بواقع المدن الكبرى المغربية، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، خلال ثلاثينيات القرن الماضي. ومن بين هذه الصحف، نجد جريدة «السعادة» التي كانت تصدر من الرباط. كيف عالجت هذه الصحيفة قضايا الشأن المحلي لمدينة الدارالبيضاء، العاصمة التجارية للمغرب، في ثلاثينيات القرن الماضي؟ وكيف كانت تدار شؤون هذه المدينة قبل 80 سنة من الآن؟ كانت نقابة الابتكارات والسياحة بالدارالبيضاء -التي يوجد مقرها بغرفة التجارة والصناعة والخدمات حاليا، والتي تشرف على تدبير الجولات السياحية بالمدينة- تتولى مهمة تدبير الجولات السياحية بكل من مدينة فضالة (المحمدية حاليا) وقرية ابن سليمان، التي كان يطلق عليها آنذاك حي «بولوت»، وكذلك قرية ابن احمد وابن رشيد وخريبكةووادي زموبني ملال. وتحت عنوان «سافروا تصحوا»، كتبت جريدة «السعادة»، بتاريخ فاتح أبريل 1933، أن جمالية مدينة فضالة (المحمدية)، التي ساهم في خلقها ساحلها البحري الهادئ وأشجارها الباسقة وقصبتها العتيقة والقصر البرتغالي المقام بها، جعلتها قبلة للسياح. وزادها اجتذابا للزوار أن وجد بها «كازينو» ومقهى صيفي واقع في وسط جنة مغروسة بالنخيل والأشجار المتنوعة، بداخله صالون للمطالعة، وفي الخارج في الجهة المقابلة للبحر فسحة للألعاب الرياضية. وأضافت «السعادة» أن المدينة شهدت في تلك الفترة تزايد الفنادق والمطاعم، كما أن الرياضة كان لها حظ كبير في هذه المدينة الهادئة، حيث كانت تمارس فيها السباحة والكولف والصيد والقنص. وبابن سليمان، أو بولوت، كشف الدليل السياحي لنقابة الابتكارات والسياحة للدار البيضاء أن هذه القرية الواقعة على بعد 55 كلم شرقا عن الدارالبيضاء، على ربوة قائمة بقبيلة «الزيايدة»، كانت تعرف في القديم بسيدي ابن سليمان، وتوصل إليها الطريق «نمرو 101» عند مقطع الكيلومتر 31 للطريق الكبيرة المؤدية من الدارالبيضاء إلى الرباط، كما تؤدي إليها الطريق «نمرو 106» التي تمر بتيط مليل وسيدي حجاج. وجاء في «السعادة» أن طقس قرية «بولوت» معتدل للغاية وصحي، مما يجعل السائحين والقناصة يترددون عليها، وكل يوم تخرج إليها من الدارالبيضاء سيارات عمومية، وبها فندقان ومستودع للسيارات. أما قرية ابن احمد فتقع على بعد 82 كلم عن الدارالبيضاء، وتضم 1800 نسمة. وكانت المدينة الحالية تعد في تلك الفترة مركزا لشراء الحبوب، وتوجد بها قصبة وفندقان اثنان. والأمر نفسه بالنسبة إلى قرية ابن رشيد. وأشارت «السعادة» إلى أن هذه الأخيرة توجد بها قصبة ومسجد وبنايات أخرى يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر، ويقام فيها بمناسبة عيد الأضحى من كل سنة موسم كبير لسيدي عمرو بن لحسن، ويوجد بها كذلك فندقان اثنان ومستودع للسيارات. وقد كانت مدينة خريبكة، في تلك الفترة، أحد أكبر مراكز استخراج الفوسفاط بالمغرب التي تشرف عليها نقابة الابتكارات والسياحة بالدارالبيضاء، إذ كانت تقدر مساحة المعدن الفوسفاتي في تلك الناحية ب60 كلم مربع. وقالت «السعادة» إن ما ميز هذه المدينة هو وجود معامل المكتب الشريف للفوسفاط. وعلى مقربة منها تقع مدينة وادي زم، التي كان عدد سكانها آنذاك يبلغ حوالي 3045 نسمة، 1000 منهم أجانب. وبوادي زم، كانت تنتهي آنذاك السكة الحديدية المؤدية من الدارالبيضاء إلى خريبكة، وكانت بها حديقة عمومية وبركة للسباحة، وكان السائح يجد بها 5 فنادق ومستودعا للسيارات وبنوكا. أما بخصوص قصبة تادلة، فذكرت صحيفة «السعادة» أن هذه «القصبة» تقع على بعد 203 كلم عن الدارالبيضاء، وكانت عبارة عن مراكز عسكرية مبنية على الضفة اليمنى لوادي أم الربيع. ومما يشاهد بها الحصن الذي شيده المولى إسماعيل في القرن ال18 والقنطرة المعروفة بالبرتغالية التي يرجع بناؤها إلى القرن المذكور. وقالت الصحيفة إن هذه القصبة هي إحدى قصبات المغرب الهائلة بهندستها، كما توجد بها 7 فنادق ومرقص ومستودع للسيارات. وعلى مقربة من قصبة تادلة، توجد مدينة بني ملال المعروفة بمياهها الغزيرة، وقد كان بها فندقان وكانت تمر عبرها حافلات النقل العمومي.