عادت قضية المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلية إلى الواجهة بعدما اعتذرت إسبانيا إلى المغرب عن حادث تحليق طائرة عسكرية تابعة للجيش الإسباني قريبا من مدينة الحسيمة، وذلك بعدما احتج المغرب على هذا الخرق وعلق الرحلات الجوية بين مدينة مليلية المحتلة ومدينة الحسيمة. وتزامن هذا الاعتذار مع موقف الاتحاد البرلماني العربي، المنعقد في العاصمة الأردنية عمان أول أمس، الذي أعرب عن دعمه للمغرب في مطلب استرجاع المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلية، ودعا إلى فتح مفاوضات مباشرة بين البلدين من أجل طي هذا الملف. قضية المدينتين المحتلتين هي واحدة من القضايا الكبرى في العالم التي ما زالت عالقة منذ العهود الاستعمارية القديمة، بحيث إن إسبانيا هي البلد الأوربي الوحيد الذي لا يزال يحتفظ بمستعمرات سابقة له في القارة الإفريقية، في وقت تجاوز فيه العالم أجمع منطق الاستعمار البائد وأصبح السائد هو منطق التعايش والتعاون الدولي، ولم يعد المتوسط بالنسبة إلى أوربا مجالا استعماريا بل أصبح مجالا للشراكة والجوار في ظل تحديات دولية جديدة، مما يجعل الوجود الإسباني في المدينتين المغربيتين وجودا نشازا لا يتماشى مع منطق العلاقات الدولية الجديدة. لقد سبق للمغرب أن اقترح، قبل أزيد من عقدين، إنشاء لجنة للحوار بين المغرب وإسبانيا من أجل إيجاد طريق سالك لحل مشكلة المدينتين المحتلتين، بشكل هادئ وسلس دون أن يكون لذلك تأثير فجائي على السياسات الداخلية للجارة الشمالية، لكون المغرب يعرف جيدا حساسية الملف بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية الإسبانية، لكن الحكومة الإسبانية لم تتجاوب مع هذا الاقتراح طيلة العقود الماضية. أكثر من ذلك، لا زالت سياسة الاستفزاز متواصلة تجاه المغرب، علما بأن المستقبل يتجه نحو إقرار شرعية المغرب في أراضيه، وهو ما يملي على إسبانيا أن تتسلح بالعقل والرؤية الاستراتيجية في معالجة هذا الملف الشائك.