في الوقت الذي ينشغل فيه الجميع بملف العفورة الذي تعاد محاكمته بتهمة تبديد 13 مليار سنتيم، يكاد الجميع يغلق عينيه عن رؤية الأرقام الفلكية التي قد تكون بددتها الدولة بسبب صفقاتها مع أنس الصفريوي مدير مجموعة الضحى، والتي ضيعت خزينة الدولة في أكثر من 1000 مليار سنتيم. وقد كنا نشرنا خلال الأسبوع الماضي تحقيقا صحافيا يبرهن بالأرقام والوثائق على أن مجموعة الضحى استفادت من أراضي الأوقاف والأملاك المخزنية والأحباس في مراكش وأكادير والرباط بأسعار «هابطة»، بدون أن تكون مجبرة على المرور عبر «سمسرة» عمومية أو ما يسمى بالمناقصة. كما أشرنا إلى عدم التزام المجموعة بخصوص بناء حديقة للحيوان بعد استغلال مكان الحديقة في بناء «مدينة» مصغرة ستدر عليها أرباحا طائلة. فليس هناك في دفتر التحملات ما يلزم المجموعة بهذا الشرط. وكل ما تلتزم به المجموعة هو توفير مبلغ مليار لإطعام الحيوانات بانتظار ترحيلهم إلى حديقتهم الجديدة التي ستتكلف الدولة ببنائها بغلاف مالي يقارب 43 مليارا. وهو، ويا للمصادفة العجيبة، الثمن نفسه الذي باعت به مندوبية المياه والغابات حديقة الحيوان للضحى. فماذا ستربح الدولة يا ترى من وراء هذه الصفقة إذا كان المبلغ الذي أخذته مقابل أرض حديقة الحيوانات بتمارة هو المبلغ نفسه الذي ستصرفه على بناء حديقة جديدة للحيوانات في مكان آخر. الخطير في هذا الأمر هو أن الضحى ستأخذ حديقة الحيوان لتبني عليها مشروعا تجاريا سيعود على المساهمين فيها بالملايير، في الوقت الذي ستبني فيه الدولة حديقة جديدة للحيوانات من أموال دافعي الضرائب، أي من جيبي وجيبك. وبعملية حسابية بسيطة ستعرفون من الرابح ومن الخاسر في هذه الصفقة. في مشروع الحديقة نعثر على تصميم لأربعة أبراج يصل طول الواحد منها سبعة عشر طابقا، مع العلم أن قانون التعمير في الرباط يسمح بإقامة الأبراج في حالات جد محدودة، كأن يكون المشروع صناعيا وأن لا يطل على إقامات سكنية. والحال أن أبراج الصفريوي ستكون سكنية وستطل على فيلات وإقامات سكنية. أكثر من ذلك، ينص دفتر التحملات على ضرورة طمر أسلاك الضغط العالي التي تمر بمحاذاة مشروع حديقة تمارة. وإلى حدود الساعة انطلقت الأشغال وبيع الشطر الأول من المشروع، دون أن يطمر سلك واحد. وهنا تظهر مسؤولية الجهات الصحية التي وافقت على هذا المشروع. فالقانون المغربي يقول بأن المسافة المسموح بها بين الإقامة السكنية وأسلاك الضغط العالي هي ثمانون مترا على الأقل، فيما القانون الفرنسي يشترط 200 متر على الأقل. بينما لا تبعد أسلاك الضغط العالي عن أول شرفة في تجزئة الحديقة سوى بحوالي خمسة عشر مترا. وحسب أحدث الدراسات الطبية فالأطفال الذين يسكن آباؤهم في منازل لا تحترم هذه المسافة الفاصلة بين البيت والأسلاك الكهربائية ذات الضغط العالي معرضون بشكل كبير للإصابة بسرطان الدم. من خلال الصفقات التي تعرضنا لذكرها في تحقيقنا الصحافي المنشور خلال الأسبوع الماضي، ومن خلال الجدل الذي أثير في البرلمان حول هذا الملف، استنتجنا أن الضحى ضيعت الدولة في حوالي 1000 مليار سنتيم موزعة كالتالي، 220 مليار في مشروع حديقة الحيوان بتمارة، و495 بمراكش، بعدما فوت وزير الأوقاف للضحى أرضا تابعة للأحباس بمبلغ 120 درهما للمتر، وفوت فتح الله والعلو وزير المالية السابق (أسبوعا قبل أن يترك منصبه) أرضا للضحى تابعة للأملاك المخزنية بثمن لا يزيد عن 560 درهما للمتر، وباع الباكوري مدير صندوق الإيداع والتدبير عشرات الهكتارات بثمن لا يتجاوز 117 درهما للمتر. إضافة إلى 282 مليار سنتيم في مشروع «مايل سانترال» بأكادير، بعد أن باعت شركة العمران 45.5 هكتار للضحى بثمن لا يتعدى 940 درهما للمتر. وهو المشروع الذي أغرقت مجموعة الضحى أغلب الجرائد والمجلات بصفحات إشهارية حوله. والغريب في هذه الحملة الإشهارية، التي استثنت «المساء» طبعا، هو أنها «نزلت» بالضبط يوم الخميس الماضي، أي في اليوم الذي بدأنا فيه نشر سلسلة تحقيقاتنا حول مجموعة الضحى والامتيازات التي «تتمتع» بها. لن نكون متسرعين ونحكم على بعض الزملاء بأنهم ضربوا صفحا عن فتح هذا الملف مقابل تلقي صفحات ملونة من الإشهار. لأننا متأكدون من أن ألوان هذه الصفحات الإشهارية لن تعمي أبصارهم عن رؤية كل الألوان القاتمة التي تختفي وراءها. وإذا كان بعضنا قد أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب تفويت وزير الأوقاف لأربعة هكتارات في تارودانت بأقل من سعرها لمنير الماجدي، السكرتير الخاص للملك، فالأمر يتعلق في حالة مجموعة الضحى ليس بأربعة هكتارات وإنما ب283 هكتار. ألا يستحق هذا الأمر «ضجة» صغيرة في بعض الصحف والمجلات. فملف الضحى الذي اشتغلنا عليه يعرف أغلب المؤسسات الصحافية المغربية تفاصيله. والشجاعة والأخلاق المهنية تقتضي أن يطرح هذا الملف أمام الرأي العام لمناقشته، فالأمر لا يتعلق فقط بثلاثة عشر مليارا التي تكرر الصحافة ذكرها كلما تم ذكر العفورة، بل بألفي مليار تحوم شكوك كبيرة مدعومة بوثائق دامغة حول مساهمة مؤسسات عمومية في تبديدها لصالح مجموعة الضحى. وعلى ذكر العفورة، الذي تعاد اليوم محاكمته، أليست أول أرض حصل عليها أنس الصفريوي مدير الضحى في عين السبع بالدارالبيضاء كانت بمساعدة من العفورة. ولذلك «طلع» اسم أنس الصفريوي ذات وقتضمن لائحة الممنوعين من مغادرة التراب الوطني بأمر من المحكمة. أما يده اليمنى في مجموعة الضحى، ولي الله، فمتابع إلى اليوم في ملف القرض العقاري والسياحي وصدر في حقه حكم بالسجن استأنفه. فلماذا تتم متابعة مسؤول سابق كالعفورة بتهمة تبديد 13 مليارا، ويتم غض الطرف عن فتح تحقيق مع مسؤولين آخرين ساهموا في تبديد ألف مليار سنتيم من ميزانية الدولة لصالح شركة خاصة. إن أول شيء كان سيحدث لو أن ملفا ثقيلا كملف الضحى تم نشره في جريدة تصدر في دولة يسودها الحق والقانون هو فتح تحقيق قضائي من طرف الوكيل العام للملك حول ما نشر. فالأمر يتعلق بعشرات المئات من الملايير التي ضاعت فيها الدولة، وبمئات الهكتارات من أراضي الأحباس والأملاك المخزنية التي فوتت بدون اللجوء إلى مناقصات مفتوحة في وجه العموم. فالمنطقي في مثل هذه الملفات الثقيلة هو أن يفتح تحقيق قضائي مع واحد من اثنين، يا إما مع مدير شركة الضحى ومدير صندوق الإيداع والتدبير ووزير التعمير لتقديم توضيحات حول هذه الاتهامات، وإما مع مدير الجريدة التي نشرت الملف الذي يتضمن هذه الاتهامات. أما الاكتفاء بالصمت والتفرج فموقف لا يشرف القضاء في شيء. في الدول التي يسودها الحق والقانون يبادر الوكيل العام للملك بالأمر بفتح تحقيق بمجرد ما يلاحظ أو يقرأ في الصحافة عن استفادة شركة معينة من امتيازات يحرم منها منافسوها. فهذا يدخل ضمن صلاحياته التي يخولها له القانون. أحد الأصدقاء خريجي أحد معاهد التجارة بالرباط قضى وقتا ممتعا وهو يحصي كل المشاريع التي كان ممكنا للدولة أن تقوم بها بالأموال التي «ربحتها» الضحى معها. 220 مليار سنتيم التي ضاعت فيها الدولة في صفقة حديقة تمارة كان يمكن أن تخلق بها مشاريع ذات مردود بكلفة تقارب سبعين مليون سنتيم لحوالي 14.500 عائلة التي تشكل عدد سكان مدينة كصفرو. 282 مليار سنتيم التي ضاعت فيها الدولة في مشروع «مايل سنترال» بأكادير كان يمكن أن تخلق بها مشاريع ذات مردودية بكلفة 66 مليون للمشروع لحوالي 5000 عائلة التي تشكل ثلث سكان مدينة كسيدي إفني. 495 مليار سنتيم التي ضاعت فيها الدولة في مشروع مراكش كان يمكن أن تقضي على كل أحياء الصفيح في الدارالبيضاء وتقوم بإعادة إسكان 500.000 مواطن من ساكني هذه الأحياء المهينة للكرامة البشرية. في حواره مع مجلة «لوجورنال» قال أمسكان رئيس الفريق الحركي في البرلمان بأن لجنة برلمانية لتقصي الحقائق سيتم تشكيلها للتحقيق في ملف الضحى بخصوص حديقة الحيوانات بتمارة، لأنه «من غير المقبول أن تتعهد مجموعة الضحى بشيء ثم تغير رأيها من دون محاسبة». للإشارة فقط فالمبلغ الذي «تبرعت» به الدولة على مجموعة الضحى، يقارب المبلغ المخصص للحوار الاجتماعي. سيتذكر الجميع بأن حيوانات حديقة عين السبع انتقمت من النقابي عبد الرزاق أفيلال وأسقطته من عرشه، بعد أن افتضح أمر استغلاله لكهرباء وماء الحيوانات في إضاءة وتزويد فيلته بالمياه. فهل ستتكرر حكاية «الحيوانات المرضى بالطاعون» وتصيب لعنة حيوانات حديقة تمارة أنس الصفريوي و«شركاؤه» الذين أخذوا حديقتهم وشرعوا يقسمونها أمام أنظارهم إلى أبراج وفيلات، حتى قبل أن تشيد لهم مندوبية المياه والغابات حديقة أخرى يطلبون اللجوء الحيواني إليها. الأيام وحدها ستكشف ذلك...