بعد التأسيس الرسمي للمجلس وتعيين أعضائه انطلقت حملة الاحتجاجات والانتقادات، تعلقت في معظمها بالأسماء المعينة ولم تنفذ إلى صلب الموضوع المتعلق بالجواب عن سؤال جدي ووجيه, سؤال حول مدى مطابقة مجلس الجالية المغربية بالخارج سواء تعلق الأمر بالمهام أو بطريقة التعيين والأسماء المعينة لمضمون التوجيهات الملكية, طموحات المرحوم إدريس بنزكري أو بالحلم الذي انتاب الهجرة بعد الإعلان الملكي عن قرار التأسيس. سنحاول تبيان هذا الأمر من خلال القراءة في ظهير التأسيس وكذلك مشروع برنامج أنشطة المجلس برسم موسم 20082009, وهي الورقة الوحيدة واليتيمة التي تقدم بها رئيس المجلس للمداولة بشأنها، أثناء أول اجتماع لهذا الأخير المنعقد أيام 6 و7 يونيو من هذه السنة (2008). في ما يتعلق بالظهير الملكي المحدث لمجلس الجالية المغربية بالخارج حددت المادة 2 أهم الاختصاصات المسندة للمجلس في إبداء الرأي بشأن ما يلي: المشاريع الأولية للنصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بشؤون الهجرة, وقضايا المغاربة المقيمين بالخارج. التوجهات الأساسية للسياسات العمومية التي من شأنها أن تضمن للمغاربة المقيمين بالخارج الحفاظ على أواصر الارتباط الوثيق بهويتهم المغربية, ولاسيما ما يتعلق بتعليم اللغات والتربية الدينية والعمل الثقافي. التدابير الكفيلة بضمان حقوق المغاربة المقيمين بالخارج وصيانة مصالحهم, ولاسيما من هم في وضعية صعبة أو هشة. الوسائل الهادفة إلى حث المغاربة المقيمين بالخارج على المشاركة في المؤسسات ومختلف مجالات الحياة الوطنية والنهوض بالأعمال الموجهة لفائدتهم. وسائل تقوية مساهمة المغاربة بالخارج في تطوير قدرات بلدهم الأصلي وطنيا وجهويا ومحليا, في مجهود التنمية البشرية المستدامة, وتحديث المجتمع. تطوير استراتيجيات عصرية للتواصل والتفاعل والتعاون مع بلدان المهجر, على المستويات الثقافية والبشرية والاقتصادية. كما يمكن للحكومة أن تحيل عليه القضايا التي تدخل ضمن اختصاصاته. بالنظر إلى هذه المهام والاختصاصات المنصوص عليها في الظهير المحدث للمجلس, وبالنظر إلى روح التوجيهات التي تضمنتها الخطابات الملكية السابقة للتأسيس, وبالنظر إلى طموحات الهجرة والمخلصين من مناضليها الذين تعاطوا بإيجابية وحسن نية مع المبادرة الملكية, لا يمكننا إلا أن نحتمل مجلسا متوازنا من حيث التركيبة, المهام وبرنامج انطلاقته التي دام انتظارها ما يزيد عن نصف السنة. لكن الواقع، وبالعودة إلى سيناريو تأسيس المجلس, تركيبته وبرنامج أنشطته المصادق عليه في جمعيته العامة الأولى المنعقدة في الرباط أيام 6 و7 يونيو من هذه السنة قد نصطدم بعكس هذه الانتظارات التي ساهمنا في التأسيس لها كل قدر مستطاعه, وبكل صدق وحسن نية. في ما يتعلق بمشروع الأنشطة برسم 2008 أو بالأحرى ما تبقى من هذه السنة باعتبار أن الجمعية العامة انعقدت في الشهر السادس, يمكن أن نسجل الملاحظات التالية: رداءة وضعف مشروع البرنامج الذي جاء في 20 صفحة يغلب عليها طابع الوصف والتكرار دون التدقيق في المقترحات ولا حتى ربطها بالأهداف التي رسمها مهندسو المجلس أثناء الإعلان عن تأسيسه والاكتفاء بإقحام مقتطفات من الظهير المحدث للمجلس والخطابات الملكية التي يبدو واضحا اليوم أن المولود والمنتوج لا يرقيان إلى مستوى ما صنعته من آمال. بعيدا عن مضمون الأهداف التي رسمها الظهير المؤسس للمجلس, نلاحظ أن مشروع برنامج الأنشطة المذكور يعمل على تقزيم هذه الأهداف ويختزلها بصريح العبارة في الصفحة الثالثة في ثلاث مهام : 1 تقييم السياسات العمومية المغربية وإبداء الرأي الكفيل بتحسين نجاعتها ومردوديتها لفائدة الجالية المغربية بالخارج. 2 التفكير في تكثيف مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد. 3 الاضطلاع بمهمة رصد التوقعات بشأن الهجرة والنقاشات التي تثيرها سواء في المغرب أو في بلدان الإقامة أو في المحافل الدولية. بمعنى أن دور المجلس لم يعد التمثيلية الرمزية للهجرة المغربية والاهتمام بمشاكلها وإشراكها في القرارات المتعلقة بمصيرها، كما هو الشأن في مثل هذه المؤسسات في العالم، و كما نصت على ذلك المبادرة الملكية منذ الخطاب الذي أعلن نية تأسيس هذا المجلس, وأصبح دور هذا الأخير وكما جاء في مشروع برنامج أنشطة المجلس مختزلا في ثلاث مهام: «التقييم», «التفكير»و«الرصد», بمعنى أن دور المجلس لم يعد يتعدى دور لجنة تفكير ومتابعة وإبداء الرأي, وبمعنى أنه لايرقى حتى إلى مستوى أي مرصد للدراسة وصياغة الاستراتيجيات. أمام هذا الواقع الذي يفقأ العيون لا يمكن إلا أن نستحضر المثل التالي: «تمخض الجبل فولد فأرا». في ما يتعلق بالمحاور التي تضمنها مشروع البرنامج المذكور يمكن أن نكتشف بسهولة ووضوح الرداءة في التحليل, الاعتباطية في الاقتراح والترتيب والترقيع في شرح الأهداف والتأسيس لها, هذا بالإضافة إلى الاقتباس من وثائق وخلاصات مبادرات مدنية كالمناظرة دون الإشارة إلى ذلك ولا حتى وضعها في السياق الذي جاءت فيه. في محور يحمل عنوان «المنهجية والنظام»(ص4) يقترح البرنامج المذكور إحداث ست فرق عمل تنقسم كل واحدة منها إلى فرق فرعية, وتتوزع الفرق المقترحة كالتالي: حقوق المرأة والأجيال الصاعدة المواطنة والمشاركة السياسية والثقافات والهويات. الإدارة وحقوق «المستعملين» (يبدو أن النص الأصلي باللغة الفرنسية) والمعنى «المستهلكين»والسياسة العمومية . الجاليات العلمية والتقنية والاقتصادية من أجل التنمية التضامنية (من جديد نلاحظ رداءة الترجمة التي تجعل من الكفاءات والعلماء المهاجرين جالية في حد ذاتها). نلاحظ من هذا الاقتراح أن المشرفين على تفعيل سياسة الدولة الجديدة في هذا الباب ومضمون الظهير المحدث للمجلس عمدوا إلى ترجمة هذا الأخير في حدوده الدنيا، وليس في حدوده القصوى التي كانت منتظرة منهم باعتبارهم مناضلين حقوقيين سابقين، وكما كان الأمر مع تجربة المرحوم بنزكري في المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان. بل إن مثل هذه المنهجية هي في العمق أقل مما ذهب إليه الملك من جرأة في الاقتراح كما هو واضح في خطاباته, وأقل مما كانت تعد به جهات مخزنية عريقة وجد محافظة (زليخة نصري في لقائها بوفد عن المناظرة سنة 2007). كان من المنتظر في أضعف الاحتمالات أن تحدث فرق عمل حول الأهداف المنصوص عليها في الظهير وأن تشمل مواضيع لها علاقة بمتابعة سياسة الدولة في الهجرة, مشاريع القوانين والاتفاقيات الدولية والعلاقة مع المؤسسة التشريعية والعلاقات الخارجية. في محور يحمل عنوان «مجموعات العمل: عناصر للتفكير» يدرج البرنامج عنصرين للتفكير دون ترجمة لمضمون العنوان المتعلق بتأسيس مجموعات العمل أوالعناصر المدرجة للتفكير. تتعلق الأولى ب«حقوق المرأة والأجيال الصاعدة»، ورغم أن فرقة العمل التي أنجزت المهمة الاستشارية نظمت ندوة ومجموعة من الأوراش حول المرأة والشباب (أو ما تدعوه الترجمة الرديئة بالأجيال الصاعدة) لا نجد شيئا عن خلاصات الندوة في التقديم لهذا المحور الذي يقتصر على سرد جامد لإحصائيات حول نسبة النساء المهاجرات والشباب من الأجيال الثانية والثالثة, هذا والإحصائيات المذكورة لم يتحمل أصحابها حتى عناء تحيينها تحقيقا للقليل من الجدية. وينتهي هذا المحور بدعوة ومهمة غريبة يضعها المجلس على عاتقه، بدل اقتراح التعاطي معها كمعطى جديد تتميز به الهجرة، ويتعلق الأمر بالفقرات الأخيرة من هذا المحور التي أنقلها للقارئ بالحرف (ص6): «سيكون على مجلس الجالية المغربية بالخارج الأخذ بعين الاعتبار بشكل منهجي وبعدي تأنيث الهجرة وتشبيبها..»، أية مهمة هذه وكيف سيعمل المجلس على إنجازها؟ بتحريض المهاجرين من الجيل الأول على العودة؟ بتشجيع المهاجرين على الولادة وعدم استعمال وسائل تحديد النسل؟ إنه حقيقة أمر مثير للضحك والبكاء في نفس الوقت. العنصر الثاني المطروح للتفكير يتعلق ب«المواطنة والمشاركة السياسية» ومن وجهة نظر الجهة التي صاغت هذا البرنامج (المجلس), فإن مسألة الحقوق السياسية والمواطنة تطرح على مستويين، مستوى تمثيلية المهاجرين في المجلس وآليات اعتماد التمثيلية مستقبلا مادامت آلية التعيين التي اعتمدت في المجلس الحالي تعتبر مؤقتة وانتقالية. والمستوى الثاني يتعلق بمشاركة مغاربة المهجر في مختلف المؤسسات المغربية, «وخاصة لدى الهيئات المنتخبة أو المشكلة على أساس التمثيلية». والتعبير الأخير هو مقتطف حرفي من مشروع برنامج أنشطة المجلس برسم 2008, بمعنى أن التمثيلية لا تعني بالضرورة الهيئات المنتخبة كالبرلمان مثلا وإنما التمثيلية لدى هذه الهيئات بأشكال ربما يعرفها ويهيئ لها مهندسو سياسة الدولة في هذا المجال. ويستمر التقرير بعد هذه الإشارة في تبرير حق المهاجرين في المشاركة السياسية بلغة غامضة تهدف في العمق إلى تبرير الإقصاء, ويتعلق الأمر بالإشارة التالية: «.. إن المغاربة بارتباطهم, بل أيضا بانتمائهم من الآن فصاعدا لنظامين قانونيين ووطنيين, بواجباتهما وحقوقهما, باستثناء أولئك الذين يعيشون في البلدان العربية والبلدان الإفريقية, صاروا أقل منهم مقيمين بالخارج من كونهم مواطنين بما تحمل الكلمة من معنى(على الأقل في نظر القانون) لدى تلك البلدان التي تعتبر بلدانا أجنبية إلا من وجهة نظر المغرب. وحتى لو لم يكن المهاجرون المغاربة قد اختاروا جنسية بلد الإقامة, فإن قفزات ديمقراطية توفر لهم أشكالا متعددة من المشاركة في الحياة المدنية لبلدان الإقامة (الحق في التصويت والترشح في الانتخابات المحلية وانتخابات المندوبين النقابيين..) وهو ما عزز ممارسة مواطنة الإقامة وجعلها أكثر على أرض الواقع. «يبدو من أول وهلة وكأن الغاية تأكيد حق المشاركة السياسية للمهاجرين في الوقت الذي يربط هذه الحقوق بمثيلتها في دول الإقامة وفصل ازدواجية الانتماء عن ازدواجية التمتع بهذه الحقوق على مستوى البلدين. في هذا الباب يكتفي البرنامج المذكور بإعلان نية المجلس مستقبلا صياغة رؤيته في هذا المجال معتمدا ثلاثة أنشطة: 1 دراسة مقارنة للتجارب الدولية 2 تنظيم الملتقى الدولي الأول للمجالس الاستشارية للمهاجرين 3 تنظيم المشاورة لدى الجالية وعلى المستوى الوطني. في ما يخص الدراسة لا نجد أي تأسيس لمبرراتها ومضمونها ولاشك أن الأمر لن يتعدى تكليف مكاتب للدراسات وباحثين بإنجاز هذه المهمة. وفي ما يتعلق بتنظيم ملتقى المجالس الاستشارية لن يتجاوز الأهداف التي يسردها التقرير والمتعلقة بالمقارنة وتعميق المقاربة وتوضيح الرؤية وغير ذلك من الجمل الهادفة إلى تبرير لقاءات تكون مناسبة لترديد الخطابات والتعريف بالمؤسسة الجديدة. إلى جانب ذلك نجد أن النشاط الأخير سيتعلق من جديد بتنظيم مشاورات واسعة مع الجالية والفاعلين السياسيين وغير ذلك من خطاب استهلاكي استنفد ذاته. ولاشك أن هذه المشاورات لن تختلف عن سابقتها التي بررت المقاربة التشاركية في تأسيس المجلس والتي لم يتوصل الرأي العام المغربي والمهاجرون بخلاصاتها ونتائجها, بل لم يتوصل بهذه الخلاصات حتى فريق العمل الذي أشرف نظريا عليها رغم إلحاحنا والتأكيد على حقنا في ذلك. للمهاجرين وفريق العمل والرأي العام المغربي الحق أن يطلع على مواقف الأحزاب من هذا الأمر, موقف أحرضان مثلا مقابل موقف الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال أو الحزب الاشتراكي الموحد, وفي هذا الباب قد نجد مفاجآت هي غير ما نسمعه في العلن.. ومحاضر هذه الاجتماعات شاهدة على ذلك. من جهة أخرى علمنا أن مجموعة من الاتفاقيات تم توقيعها أثناء اجتماع الجمعية العامة الأول بتاريخ 6 و7 يونيو من 2008، والمثير للانتباه أن هذا المجلس الذي جاء ليقطع مع السياسة الماضية نظم توقيع هذه الاتفاقيات مع جهات «علمية» وأخرى وأعضاء المجلس الحاضرون لا علم لهم لا بالجهات التي حظيت بهذه الالتفاتة الكريمة ولا بالغلاف المالي الذي ستكلفه دراسات نتمنى أن تختلف عن سابقاتها النائمة في رفوف مؤسسة الحسن الثاني». النتيجة والخلاصة أننا أمام مجلس يعانى من خلل في التأسيس, وأمام بادرة ملكية جريئة يحاول البعض إفراغها من محتواها باسم إكراهات لا وجود لأغلبها في دواليب الدولة وإنما في مصالح أشخاص من «العهد القديم» وآخرين كانوا إلى الأمس القريب من مناهضي ذلك العهد. قد ينعت البعض هذا التحليل بالعدمية والتطرف والمغالاة, وقد ينعته البعض الآخر بالبساطة والسطحية, لكن أغلبهم يعرف أنني مع الانخراط في المؤسسات وفي صيرورة الإصلاح والتحديث وأنا مع أن يتحمل المناضلون من طينة المرحوم بنزكري وغيره المسؤوليات وأن يساهموا من خلالها في إصلاح تدريجي يحافظ على المؤسسات واستمراريتها وفي مقدمتها المؤسسة الملكية التي أظهرت بالملموس بأنها تشارك الديمقراطيين هذا الطموح. لكن واقع الأمر في موضوع المجلس أننا أمام مسؤولين شفع لهم ماضينا في الوصول إلى مواقع هم الآن أشد عداوة للمطالبين بإصلاحها من أحرضان. ليس تحاملا هذا التحليل الذي تشفع لي فيه مساهمتي إلى جانب مجموعة من الإخوان والأخوات في فريق العمل الذي أسسه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان للاضطلاع بمهمة تهييء الرأي الاستشاري وهي الفرصة التي سمحت لبعضنا بأن يكتشف عن قرب مدى التزام بعض رفاق الأمس بمبادئ قرروا الدفاع عنها من داخل المؤسسات واستعمال البعض الآخر لمثل هذا الخطاب لأغراض أخرى, وليس أحسن من الاستشهاد على ذلك بحكاية بسيطة تتعلق بأحد هؤلاء «زايد» عليه أحد المناضلين مطالبا بتخفيض امتيازات المسؤولية وترشيد النفقات والتنقيص من البروتوكول وفرض الديمقراطية في التسيير ولو تدريجيا وهو ما يميزنا عن المسؤولين التقليديين, ويؤكد دورنا وشعارنا في التغيير من داخل المؤسسات, وكان جواب الأول مستهزئا بالنضال وبماض اعتبره سخيفا قائلا: «لماذا تغيير البروتوكول والامتيازات والمهام الآن بعد أن وصلنا نحن, الآن جاء دورنا وعلينا أن نستفيد من نفس الامتيازات التي استفاد منها أعداؤنا بالأمس وغير ذلك كلام لازال يكرره بعض المعتوهين وهم قلائل», واستطرد: «حتى جات نُوبتْنا عاد غادي نغيروا». بهذه الملاحظات أريد المشاركة بشكل إيجابي في صيرورة هذه المؤسسة التي كانت إلى الأمس القريب مطلبا من مطالب الجمعيات الديمقراطية والمناضلين المغاربة في المنفى, كما أنها فرصة نؤكد بها لأصدقائنا داخل المجلس التزامنا بالعمل والتقويم لإنجاح هذه المبادرة، كل من موقعه.